د. إشيب ولد أباتي
غزة العظمى تغسل بدمائها وجه هذا العصر القبيح، الإجرامي الذي لا يساوي جرحا في كف غزاوي ..!
لو سألني القارئ الكريم، هل غزة هاشم، وهي المدمرة عمرانيا، ومجتمعيا، وأسريا،، ولم يبق منه الا إيتاما فقدوا الآباء، وافرادا افتقدوا الإخوة، والأخوات في قتل جماعي للعائلات الممتدة،، فكيف تتطابق هذه المآسي مع هذا التوصيف، لغزة بالعظمى؟
فأقول لكم جميعا، و بكل موضوعية دون حياد، لأني حين أكتب عن غزة، إنما أعبر عن حقيقة ارتباطي المجتمعي، والقومي، والديني، والحضاري قبل الأخلاقي، والإنساني،، ولأني كذلك، فاكتب من منطلق الحضور الذي يتجاوز الذات، والمشاعر، والأحاسيس الوجدانية، إلى ما هو استشرافي مدعوم بمعايشتي للأحداث، والتحولات النهضوية في حاضر وطني العربي ، وماضيه الذي قد لا يستحضر البعض في مساراته تلك المفاجأة التي تتنزل في الوعي، والإرادة، والقوة الحضارية الكامنة في ثواره، وقادته لدى مواجهتهم للتحديات.. وهذه لها مراصدها عند العارفين بتيارات التغيير في الوطن العربي - منذ معركة " ذي قار" قبل ستمائة سنة للبعثة المحمدية، وعلى رسولها افضل الصلاة والسلام - وهي ستكتمل دورتها رويدا، رويا، لكن الإشعاع في الأفق العربي، ينير الوعي، قبل إدراك الأبصار المخدوعة بالمشاهد القريبة منا..
لذلك أكرر، أن غزة ، هي مركز هذا التحول الهائل الذي أحدثته طوفان الاقصى، لأنها سجلت يوما من أيام العرب، وهي قليلة العدد، لكن تأثيرها يتجاوز أبعاد الأحقاب، و السنين إلى القرون إحصاء، وعدا..
ولذلك ضمنت لنا غزة هاشم العظمى، الانتقال المفاجئ الذي يؤسس للتغيير الثوري الزلزالي، المتجاوز للقواعد المألوفة، وغباء العقول الغالفلة.. !
فيا للتأريخ الذي استأنفته"غزة العظمى " بدماء الثوار، ومجتمع الأحرار،،!
فمن يمن عليها بلقب، وهي مصدر الفخار، أو يجامل، أو يواسي غزة بالألقاب؟
هل تحتاج " قاهرة السنوار" بعد هذا الدور الذي أحيا أمة الخراب " العباب"، بعد خمسين سنة من سلب، اغتراب دور " قاهرة المعز"، مصر ما بعد عبد الناصر، وبغداد ما بعد صدام حسين، والجزائر ما بعد هواري بو مدين..؟
وهذه حقيقة، قد طأطأت رؤوس كل العالمين، وليس حثالات حكم الأعراب المتصهينين..!
فغزة العظمى لمبادأتها بطوفان الأقصى، ومبادرتها بمقارعة المحتل بجيشه المهزوم، وقادته الذين خرجوا من مسرح السياسة الدولية، كما أعادت تفكيك المجتمع الصهيوني، المركب من فسيفساء الطوائف التي، بدأت في رحلة العودة إلى " الغيتات" التي هجر منها آباؤهم، واليوم يعود إليها أبناؤهم، وأحفادهم..
وقد خدع الجميع، وهم يولون الأدبار، ويلعنون تهافت الدعاية، " أن فلسطين، ستصبح يوما،،،" إلا فلسطين، ويرفعون اثقالهم في عودة للرجوع الحتمي الذي رددناه على اسماعهم، في مواويلنا، وأشعارنا، وكتبه الرواة التاريخيون على أن الصليبيين، قد هجر احفادهم من القدس، وعسقلان، وغزة هاشم بعد مائتي سنة،،
واليوم تؤكد غزة العظمى للعالمين بأننا نكتب عن المشاهد المرعبة في غزة، وجنين، وطول كرم، والقدس، وشمال فلسطين، وجنوب لبنان، وصنعاء، والحديدة، وبغداد،، وعن مشاهد معركة الإبادة الجماعية في سجون الاحتلال، وأن هذه من الجرائم التي سنقتص منهم بمثلها… ألا فلينتظر الصهاينة قبيل رحيلهم الحتمي الذي دقت نواقيسه، واترتفعت في المآذن صلواته، ولن يؤخر الصلاة في المسجد الأقصى، غياب فقهاء السلاطين، الصم، البكم، وقد باعوا دينهم، كما يباع الرياضيون في مواسم الألعاب الهزلية في هذا العصر الإلحادي، هابط القيم،،؟!
رحماك، لاتسالني، هل سينتظر الصهاينة دورهم في الإبادة الجماعية، حتى تأتيهم ساعتها بغتة، وقد دقت عقاربها التي لا تخطئها عين، ولا أذن تسمع، او عقل، وقلب مغتطين لتحرير أمتنا المحتلة، والمهزومة، والخنوعة، والخائفة من الوقوع بما هي فيه من عوامل تأبيدها خارج التاريخ الحداثي، إلا في موضوع واحد، وهو شراء الرياضيين، وتشييد المراكز للألعاب الرياضية، و" تشييد العمارات قبل الإمارات " !!
ولعل من الحقائق التي تؤكدها دورات التاريخ، أن لكل عصر ابطالا منقذين، تأتي بهم الأمة من رحم تاريخها دون أن يقدر دورهم ، المجتمعات المغيبة، كما سدنة حكامها.. فيرفعون هامات أمتهم العربية من متاهات الغرق في الزمن الغابر، ويستلون مجتمعاتهم من حلقات التاريخ المفرغة، والاجتماع خارج الأنساق التنظيمية لأن الأمة تجاهلت، أو عجزت، أو تخاذلت، أو أساءت استخدام قوتها، فتراجعت متقهقرة، كما لو أنها انهزمت أمام أعدائها، كأمتنا التي ما انفكت تواجه الأمم، والاحتلالات منذ القرن الماضي، وما قبله …
ومن المفارقات في الوعي العام بين الغياب، والحضور، أن أمتنا لم تكن خارج دائرة الصراع الحضاري، ولا كانت أقل قدرة من القيام بمسؤولياتها التاريخية، إلا حين خدعت من قوى الداخل، فأصابها الشلل، كالعضلات التي تعجز عن الحركة، كذلك الأمة لدى عجزها عن توجيه دفة الصراع على ضفتي" المتوسط"، وأسوأ من ذلك عجزها عن هزيمة شذاذ الآفاق في فلسطين..!!
ونحن الآن نشهد فجرا جديدا، يلوح ضياؤه الوهاج في أفقنا العربي من مركزه فلسطين، قلب الوطن العربي النابض الذي يخوض معركة الأمة، وقد تفاعلت معه آمالنا، ووعينا الجمعي، وإن بقيت مجتمعاتنا مغيبة، أومحاصرة، أومقموعة، لأنها محكومة بعملاء، يشاركون الصهاينة بقتل الأطفال، والنساء، والأبرياء في غزة هاشم، وجنين، وباقي مدن الضفة الغربية، وابناء جنوب لبنان، وابناء اليمن في مدينة الحديدة ..!!
إن قوى المقاومة العربية التي وحدت ساحات المعركة، هي المنقذ بعد الله تعالى لهذه الأمة التي لم تستوعب قيمة هذه الفرصة التاريخية، وإلا كانت أخذت مجتمعاتها مواقعها في المعركة المصيرية، وقد هيأها لذلك رصيدها الاستنهاضي منذ قرنين، فاكثر في ثورة مصر ١٨٨٢م. وما بعدها.
لذلك علينا أن نلتحم مع ثوارنا ، ابطال طوفان الأقصى، ومجتمعهم في المعركة المصيرية، لأنهم الأمل الذي تشخص إليه الابصار ليل نهار من المحيط إلى الخليج، وواجب الدفاع عن الأرض، والعرض، والمقدسات، وحاضر أجيال الأمة، يتطلب المشاركة ماديا، ومعنويا، ومناهضة سفارات الامبريالية في عواصمنا العربية، فضلا عن تحفيز الرأي العام العربي، واجماع عقله السياسي …
ومن الاستدراك المؤسف، أن الشباب العربي خاصة، والمسلم عامة، لم ينخرط في المعركة المصيرية، عدا شباب الثورة في فلسطين، واليمن، ولبنان، والعراق، وهذا أمر لا يطاق مثله غياب المظاهرات المنددة بحلف الشر الأمريكي الصهيوني الإعرابي المتصهين،،!!
والسؤال الذي يطرحه المراقبون، هو: هل هذا التقاعس لدى الشباب العربي طبعت عليه الشخصية العربية، أو تطبعا تواضعت عليه جيلا بعد جيل، وكذلك مجتمعاتنا التي خذلت أمتها بالانكفاء مهما كانت حبيسة (احتلال) الدويلات القطرية المهزومة التي ساند حكامها الكيان الصهيوني، لذلك، يحاولون توجيه بوصلة طوفان الأقصى، ولن يكون ذلك بإذنه تعالى، إلا هزائم للكيان الصهيوني وقادته، وحثالاته من الأعراب، والامبريالية الأمريكية ..؟
لأن ما كان خارج خططهم الاجرامية، أن تفتح جبهات الملحمة العظيمة بعد طوفان الأقصى، من لبنان بثواره، والعراق بنشاماه، واليمن بأبطاله التاريخيين الذين رفعوا هامة الأمة..
فإلى متى يا أمة العرب، ستبقى مجتمعاتك، خاضعة، ذليلة، تحتقر نفسها أكثر من احتقارعدوها لها ؟!
وهل العدو الصهيوني كفؤا لامتنا، حتى يستحق النزال معها، أحرى، أن يسجل انتصاراته على أجيالها طيلة قرن من الزمان؟ والى متى ترفع الأمة رأسها عاليا، لتقول - مثل أطفال غزة، وشبابها، ونسائها، وثوارها - نحن الأبطال، نحن مشاريع شهادة، وهيهات منا المذلة، كما يرددها شباب لبنان العظيم ؟!
وكم، هو مخيب لآمال أمتنا، شبابها المنكسر الإرادة جراء قهر الأنظمة المتصهينة،، كما قهرت ذات الأنظمة المتصهينة ثوار فلسطين سنة ٤٨، وكما قهرت ذات الأنظمة، قادة الثورات العربية المجيدة منذ خمسينيات القرن الماضي،،
إن كل من لا يناصر طوفان الاقصى في أمتنا في هذ الزمان العربي الجديد الذي يطرق الأبواب، وهو " من كل صوب آت، إلى القدس "،، هو بلا شك من "الخوالف" وأحفاد" الخوالف" على طريق "المحمدين" المتصهينين، ومبتدعة الإبراهيمية الوثنية…!!