كثرت المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي حول الزيارة التي قام بها الوفد الأوروبي المشترك، برئاسة ” بيدرو سانشيز” رئيس وزراء اسبانيا، و“ أورسولا فون دير لاين “ رئيسة المفوضية الأوروبية الصهيونية، وتناقلت وسائل التواصل الاجتماعي عن نسبة المساعدة المالية التي ستقدم للحكومة الموريتانية مقابل استقبالها للمهاجرين الذين تعاني منهم اسبانيا، وباقي دول الاتحاد الأوروبي نظرا لارتفاع نسبة العنصرية المتنامية، ونجاح احزابها في البرلمان الأوروبي، وفي حكومات دول الاتحاد علاوة على الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في مختلف أقطار الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يطرح السؤال التالي: كيف تواجه أوروبا تحدي الهجرة الخارجية، وتبعاتها، بتصديرها الى دول الجنوب، وتحديدا اقطارنا العربية الطرفية المحاذية لشاطئي المتوسط، والأطلس، وترددت الأنباء غير الرسمية حول مقدار المساعدة المقدمة لموريتانيا، التي تتراوح بين مائتي مليون يورو (200)، و (500) .
كما قدمت سابقا كل من إيطاليا، والاتحاد الأوروبي رشى لحكوماتنا العربية في تونس، والمغرب، وليبيا ، وذلك من اجل التزام حكومات الاخيرة باعادة المهاجرين الافارقة، والآسيويين ؟
و السؤال الذي يطرحه الموريتانيون، هو: ما التحدي الذي يواجه موريتانيا في حالة استقبالها للهاجرين: افارقة كانوا، أو آسيويين؟
وهل تحتاج موريتانيا للمهاجرين كقوة اقتصادية، لانعاش مشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية على غرار التنمية في” رو واندا” حتى يبرر ذلك مسلسل مشروع التهجير الذي سيغير التركيبة الاجتماعية، وبالضرورة البناء الاجتماعي في المستقبل المنظور.. ؟
ولعل الأمر يطرح التساؤل التالي: هل سيكون نقل المهاجرين من أوروبا الى موريتانيا في إطار الطرد الإجباري، تمهيدا لارسالهم الى دولهم، كما كانت تقوم بذلك المغرب سابقا، بينما المغرب الآن يستقبل المهاجرين، ويأخذ أموالا من صندوق الأمم المتحدة، ومن دول الاتحاد الأوروبي.. بينما نجد أن الحكومة التونسية الحالية، رفضت ذلك لمخاطره المتوقعة على التكوينة الاجتماعية؟..
والجدير بالذكر ان المعلومات شحيحة عن الاتفاقية الأوروبية - الموريتانية التي لم تقدم للبرلمان الموريتاني للمصادقة عليها، حتى يتم التأكد من مضمونها، هل هو استقبال للمهاجرين لإبعادهم عن القارة العجوز، ووضعهم بالتالي في سجون موريتانية؟ وإلى متى؟ أو أن الأمر يتعلق بدمجهم اجتماعيا، وثقافيا، وبمراعاة الحقوق المترتبة لهم من طرف الموقعين على الاتفاقية في ترحيلهم من، وإلى مستقبليهم ، وتوطينهم داخليا..؟
وبالتالي، ألا يحول بلادنا العربية - الاسلامية التي كانت تستقبل الفاتحين، والهجرات العربيا البينية في ربوع الوطن العربي … إلى حديقة خلفية ك” غوانتانامو " لسجن أبناء قارتنا من الاخوة الافارقة، والآسيويين، وهو الأمر الذي يشوه سمعة موريتانيا بين الاقطار العربية والاسلامية حين تستقبل المهاجرين ب”رشوة “ على غرار "روواندا " التي شوهت سمعتها الحكومة الانجليزية السابقة ؟!
و هناك سؤال محوري، يتعلق بجهل حكومات اقطارنا العربية خلال الثلاثين سنة الأخيرة حين، وقعت على اتفاقية المنظمة العالمية للتجارة الدولية، و لعل من اجابيات الأخيرة، أن فرضت التنازل عن نظام “ الكفيل “ العبودي في اقطار الخليج العربي ،، وإذا كانت موريتانيا من الأقطار العربية التي، وقعت على الاتفاقية المذكورة، فعليها الالتزام بما فرضته - الاتفاقية - على اعضائها الدوليين، ومنه استقبال العمال، وبعد خمس سنوات ، يلزم إعطاء وكل منهم الإقامة الدائمة، وبعد عشر سنوات الجنسية الوطنية …؟
أما إذا كانت موريتانيا ستستقبل المهاجرين من منطلق حاجتها للعمال في سوق العمل، او للزيادة في الكثافة السكانية، فإن الأمر، سيكون تأثيره واضحا على البناء الاجتماعي، نظرا لاختلال التوازن بين” الإثنيتين” : العربية الافريقية، والإفريقية السمراء .
وفي إطار الالتزام بحقوق المهاجرين، فحسب الاتفاقية المبرمة مع الأمم المتحدة - وهي افضل بكثير من الاتفاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي - تعطى كل دولة مقابل استقالها للمهاجرين مكافأة مالية، يتكفل بتقديمها صندوق الأمم المتحدة للمهاجرين بالسكن اللائق، والإعادشة، وتأمين صحي خلال سنتين لدراسة ملف كل مهاجر على حدة من طرف السلطات الأمنية للدولة المستقبلية، وذلك لمعرفة مدى استحقاق المهاجر لتلك الحقوق التي افتقدها في بلاده ، كمبرر للهجرة منها،...
وفي الحالة أن موريتانيا من الدول المستقبلة للمهاجرين ، تكون ملزمة بتقديم إقامة عمل للمهاجرين سواء، أكانوا ممن قدموا للجوء، كسياسيين، او طلابا للجوء الإنساني…
فأي الاحتمالين ستستقبل موريتانيا المهاجرين ؟
ويشترط في ذلك ان يأتي المهاجرون من تلقاء انفسهم، ويقدمون طلبات للجوء، أما إذا كانوا مطرودين من اسبانيا، أو دول الاتحاد الأخرى، ولا يرغبون في الاستقرار في موريتانيا، فهم في هذه الحالة، يكون نقلهم في إطار الاعتقال القسري في بلادنا وبالتالي ، لا يعتبرون مهاجرين من منظور الأمم المتحدة ، وإنما هم سجناء مبعدون، لأسباب احترازية للحفاظ على الابنية الديموغرافية للشوفينية الأوروبية، وهذا يذكر بما حدث من تهجير للأفارقة إلى” كينيا” حيث هجروا اليها من أمريكا الشمالية دفعا لتهديدهم للبناء الاجتماعي الامريكي..
فهل المهاجرون الذين ستستقبلهم موريتانيا، يشكلون تهديدا على النمو الديمغرافي الطبيعي، أو أنهم بالأحرى، قد يشكلون زيادة سكانية مطلوبة..؟
والسؤال السيادي الذي يطرحه الموريتانيون، هو: من هي الجهة التي تطلبهم لموريتانيا: الحكومة الوطنية، أو حكومة اسبانيا،أو المسؤولة الصهيونية في رئاسة الاتحاد الأوروبي..؟!
و هل ستقدم الاتفاقية للبرلمان الموريتاني من أجل المصادقة على ظاهرة التجنيس، او السجن المفتوح، أو المغلق، أو أن الاتفاقية ستبقى في مكاتب الوزارة الخارجية، والقصر الرئاسي؟
وأين دور الأحزاب الوطنية المعترف بها إداريا، وأكثرها من الموالاة، كواجهات استعراضية لبرلمان الوطني الذي غلب عليه الطابع التجاري للمستثمرين، وتجار الشنطة،، ولعله محرم على الحراك السياسي للمثقفين الثوريين غير المرخص لاحزابهم حتى الآن، وما أكثرهم، ومن ضمنهم حزب “ الحركة الشعبية الناصرية” الذي ينتمي له الكاتب ؟!
لذلك فإن الدعاية التي روجت للأتفاقية في وسائل التواصل الاجتماعي ، كأنما هي دعوة للرأي الوطني العام لتوعيته على الاتفاقية، ومن الخطأ فيها لغة “ التهييج” الذي لا مكان له في هذا الموضوع نظرا لحساسيته، ووصمه لسمعة بلادنا التي تهم كل مواطن غيور بغض النظر عن موالاته، او معارضته للنظام السياسي الحالي…!.
ولذلك فالدعوة ملحة للأحزاب السياسية المعترف بها، وغير المعترف بها، إذا كانت تعبر عن وعي وطني عام ، وللبرلمان التشريعي في موريتانيا، وللحكومة الوطنية، من أجل دراسة هذا الاتفاقية التي، تشكل قضية شائكة من منظور وطني، وقومي، وكذلك من منظور الإخوة في القارة السمراء الذين ستقع على رؤوسهم “ صاعقة “ هذه الاتفاقية التجارية التي تعيد الى الذاكرة الرحلات التجارية للقراصنة الأوروبيين السابقين، وجابوا الآن، كقادة لأوروبا بهذه الاتفاقية المشبوهة .. وهذا يستوجب دراستها قبل استئناف الرحلات العكسية من أوروبا إلى أفريقيا، وهي من حيث المضمون ، لا فرق بين تحويلها للبشر الى “ قيمة” للبيع في تحول مخيف للفقراء من دول الجوار الإفريقي إلى فائض “رمزي” تجاري في الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين..!!
وهذا لن يقبل به أصحاب الضمائر الحية على أرض الرباط، و أحفاد “ المرابطون”، كما لن يقبل به الأفارقة، والآسيويون، وحكوماتهم الوطنية، فضلا عن الأعباء الأخرى التي لا تحصى ، واقلها المضاعفات على مستوى الأمن الداخلي، وحراسة الشواطئ البحرية، ومواجهة عدم" التكيف" الاجتماعي، وما يترتب على ذلك من مظاهر الجريمة التي، قد تشكل تحديا كبيرا، كما هو حاصل في دول أوروبا،، فكيف بنظامنا السياسي الذي يكافح في سبيل وضع أسس للدولة بما يضمن الاستقرار للنظم الاجتماعية في الحضري، والقروي على حد سواء، ومنذ الاستقلال الوطني سنة 1960م..
ونتمنى من الله تعالى، ان تكون الاتفاقية، ما زالت في متناول موريتانيا: حكومة، وبرلمانا، وقوى حية في الحراك السياسي العام، وذلك لدراستها من طرف النخبة المثقفة، وتقديم مقترحات للحكومة الحالية من اجل فهم الاتفاقية، وكشف اسرارها السياسية، والابعاد الاستراتيجية التي، ستشكل ضغطا غير متوقع على النظامين الأمني، والاقتصادي، فضلا عن تعزيزها لمتغيرات كامنة، لكنها مرئية للبصيرة، وللنظر المبصر، وستظهر لاحقا، كمشكلات اجتماعية أولية، تهدد مستقبل الوطن، والوحدة الاجتماعية، والثقافية، وذلك من منظور الباحث الاجتماعي، وليس من منظور المعارض السياسي الذي يبحث عن الهفوات في التسيير الإداري المنتظر اصلاحه في الولاية الثانية للرئيس محمد ولد الغزواني الذي يواجه بوطنيته، وشعبيته، تيار السياسة الخارجية الذي تسلل اليه رموز “ الابراهيمية” المتصهينة التي تقودها سياسة “الإمارات” العربية على ما نبه الى ذلك في الفترة الأخيرة بيان الخارجية الجزائرية في الشقيقة..