أغلب رواة الشعر الحساني ومنشديه يرون هاتين الرائعتين في مرتبة واحدة، ولكنني، رغم إدراكي لروعة تيكفايت ول بوباجه، أرى أن بونايت ول الكصري أكثر حداء لمعارج الادكار والاعتبار في منطوقها الرمزي الباعث على تأمل أبعادها الكونية وأطوارها القابضة مخالبها على الموجودات في طريق افتراق جمعها، وحتمية فنائها.
طلعة البوناية تركت للسامع لذة التطلع والاستكشاف من وراء القرائن والاستنتاجات الكونية المقيسة على وجيز من الحديث عن أطوار شجرة في حيز من الأرض صغير يدلك إيحاؤه، دون لفظه، على أنها كانت شجرة وارفة الظل، زاهية المرأى، وكانت منتزها لصحب وأحبة باعدت الأيام، وربما الموت والفناء بينهم لتصبح لقياهم مجرد حكاية ولى عهد أصحابها إلى الأبد، وحالت بها الحال من بعدهم إلى مجرد جذع منتصب أجرد، ثم إلى ركام تبني منه الأرضة ملاذا (تنبصكايه) لها ولغيرها من الحشرات والهوام التي تفرق جمعها وزالت (تنبصكايته)كما تفرق جمع الشجرة من قبل وزالت (بونايته)
يقول ول الكصري:
/نعرف بونايه كانت هون/
/ دهر بعيد ؤمن هون ؤدون/
/ الا عادت باط اجدر بون/
/ؤعكبت عادت تنبصكايه/
/ وافرق هاذ كامل يكون/
/ اربيب ؤنبتت صدرايه/
/ ماهي بونايه كاع الله/
/ يكطع بالدني خلايه/
/ معود لامته والتنزاه/
اعكوبتهم رد اروايه/
أما طلعة التيكفاية فلا تترك للسامع مثل ذلك التطلع والاستكشاف، وإنما تسرد، بأسلوب تلقائي مباشر، قصة التيكفايه بما كانت عليه من قوام الظلال والزهور وإيواء لتجمع الناس في مشهد احتفالي بالخيل والطرب وغير ذلك لتصل إلى نتيجة هي بالفعل نتيجة طلعة البوناية ولكنها بطابع من المباشرة السردية التي قللت من عنصري التشويق والمفاجأة على ما احتفظت به هذه الطلعة من جمال أخاذ!
يقول ول بوباجه:
/شوف التيكفايه صحيح/
/اجدرها نعرفه والريح/
/ اعليه تتمرغ واتميح/
/ كفته خظر والنوار/
/كادله ما متهوم اطيح/
/والخلق اماسيه عقار/
/وازوان امكيم لبريح/
/افظل اظحاه كل انهار/
/وامنين ازوز الظل ابيح/
/ بيكي يفاوت بالتصبار/
/واتلاويح الخيل اتلاويح/
/غير الرحاله ماه اعمار /
/من تصريف الحي الرؤوف/
/ شوف التيكفايه غفار /
/ازربه كبلته منسوف/
/واجدره عاد افبل غار /
/واجماعته ما تات اتشوف/
/منه عينك رداد اخبار/
