إشيب ولد أباتي : '' وين الملاعين.. وين، ويييييين'' ؟!

2024-01-08 22:13:33

كلما أشعل الصهاينة حربا على الأمة في فلسطين، أو غيرها ،، كلما  كانت الاسئلة  تطرح بأساليب مختلفة  في نوعها، ودرجة السخط  فيها، والجهات المعنية بها...

والآن يظهر أن الأسئلة بعد غزو " غزة"، وحصار مدن الضفة الغربية، قد  وصلت درجة من الغضب العارم على الجهات التي وجهت لها التساؤلات بنبرة غير اعتيادية هذه المرة، فمن هي تلك الجهات ؟

هذا الذي سيتعرف عليه القارئ العربي في الفقرة الأخيرة من المقال، علما أنه - المقال -  مهدى للفريق الذي طرح هذه الأسئلة  وحولها الى أغنية  راقصة،  ولعله من الرقص المعلن عن موت ليس الراقصين ، بل الميتين سريريا  في هذه الأمة من " الملاعين"…

       والباحث العربي  في الشأن العام للأمة – وليس الشأن القطري الذي دجن " وعي " الكثير من النخب التي  لم تمت جسديا فحسب ، وإن ما سبقها " وعيها " السياسي في موته، على حياتها بقرون، وذلك   بفهمها لقضايا الأمة، و أسلوب الإثارة  الهابط  في أقصى حدوده ، اللذين عبرا  عن فهم ذاتي  للقضايا الجوهرية بالأسلوب الذي شف، و يشف عن وعي خارج  مراحل الوعي الحداثي الذي شهد قطيعة بينه،  وبين وعي تلكم الرموز من النخب العربية التي يشير وعيها  إلى هزيمة الأمة في حاضرها –

يرى  أن  الحروب  الصهيونية  السابقة في  الكتابات  التنظيرية، لم تخل  من الإشارة الى التركيز على المبادئ  التي بررت تلك الحروب النازية،  وأساليبها في الطرق التي اعتمدت  لتحقيق تلك الغايات الأسوأ في السلوك البشري ، لأن القتل حرمه الله تعالى، لإقصائه للوجود البشري الذي اقتضى  الشرائع الالهية، كما أن التشريع الوضعي  محكوم  بضوابط  مانعة للقتل من أجل القتل،   أحرى " الانتقام" الذي يعنى: ألا يفكر واحد من المجتمعات المعاصرة،  كالعرب عامة، والفلسطينيين خاصة   في استرداد  حقوقهم المغتصبة ..

 ولهذا،  فمبدأ  الحروب الصهيونية  على عرب  فلسطين في مدنهم، وقراهم،  كان  بهدف غائي، ألا وهو: إفراغ المجال العمراني، والقروي،  ب" منهج" القتل غير الرحيم ،  والتهجير لمن بقي حيا من عرب فلسطين ..

ويلاحظ أن التفكير الصهيوني الذي صاحب الهجرات الى فلسطين،  انطلق من فرضية " إمكان تفريغ فلسطين من أهلها"، وهذا يدعونا الى الرجوع  للبحث عن العلاقة هذا التفكير النظري، بتطبيقاته خلال حروب  الإبادة المتكررة ، كسلوك  إجرامي لا يمت للإنسانية بصلة، لأنه سلوك حيواني، يتتبع  إشباع الغرائز..! 

وهو غير مسموح به  بين المجتمعات  بقدر عدم السماح به  للفرد  نظرا لما وضع لمنعه من  مبدأ " سد الذرائع "، كضوابط زاجرة، و"تبعات"،  تغيب الأفراد في السجون طيلة سنوات أعمار  المجرمين…

      وعودة الى المقدمات الأولية  للتنظير، ومظاهر تطبيقه في الحروب الصهيونية،  ذلك  أن" الفرض" النظري  من  منظور  التجريب ، والقابلية للتطبيق، يصبح" قانونا"، فيتجاوز بذلك  مستوى الافتراض النظري الى  القانون  الحتمي، كالقوانين في العلوم التطبيقية ،،  بيد  أن العلوم الإنسانية، تسمى ب" العلوم الرخوة" نظرا  لصعوبة تطبيق القوانين  الحتمية  على ظواهرها التاريخية، والاجتماعية، والإنسانية -  الأنتروبولوجيا -،  والنفسية، غير أن الصهاينة  اعتمدوا في حروبهم الاجرامية  على إفراغ المكان من ساكنته  بمنهج  القتل الجماعي ، الذي يدفع إلى الفرار، كعامل  قهري، باعتباره  الوسيلة  المتبعة للصهاينة في تحقيق غاياتهم القصوى..!

 ولقد استجلب  الصهاينة معهم إلى فلسطين  نظرية " إفراغ المجال " الموجهة  بالسلوك العام في السياسة، والأمن، وإبادة التجمعات الحضرية، والقروية، لتضحى النظرية " قانونا"  طبق على سكان   فلسطين  في أكثر من 500  قرية، وأكثر من  مدينة في الفترة التاريخية المحددة في  1930-1967م.

ومن هنا  علينا عدم استغراب   ترويج مفهوم " " النكبة الثانية" الذي أطلقه  قادة الكيان الصهيوني  في  بداية حرب الإبادة الجماعية  لأهل " غزة" منذ ثلاثة أشهر،  فبدأوا   على أساسه بالمسح  التدميري  لمنشآت الأنظمة الصحية، والتعليمية، والإدارية، والتجمعات الحضرية في أحياء مدينة غزة،  حتى استحالت الحياة فيها ، وبدأ تقويض أركانها   بتدمير العمران  لأحيائها  السكنية  واحدا بعد الآخر بطريقة  ممنهجة، فبدأوا  بشمال المدينة، ثم  شواطئها البحرية،  لتطويقها ؛ والتوجه  إلى مختلف الاتجاهات، وإعطاء  الساكنة  الفرصة للفرار نحو الحدود المصرية..!

 ولن يسيطر الصهاينة  على الحدود مع مصر، لأن ذلك يقضي على" الفرار بحثا عن النجاة من القتل" الذي يساعد  على تحقيق الغاية  من الحرب الكونية هذه المرة نظرا  لاشتراك العالم الظالم اجمعه، بما فيه " وكلاء " أمريكا في الوطن العربي الذين  أصبحوا يقومون -  ليس  " شاهد ملك"  القزمي -  بأسوأ  الأدوار المطلوبة منهم،  وهم الذين  فتحوا سجونهم  مرات عديدة منذ 1969م.  كما حصل الآن مع  المحتجين،   بالتوقيفات  الإدارية في الأردن، ومصر،  وذلك رفضا للاحتياجات  الشعبية التي عبر بها الجمهور العربي  عن  تضامنه مع أهل غزة ، ومدن الضفة الغربية المحاصرة..! 

و قد يسأل  المواطن العربي، السؤال التالي:

لماذا انخرطت الأنظمة  في المشاركة العملية  لتقاسم  جريمة  كل من نظامي " كامب ديفيد" في مصر، ووادي عربة" في الأردن"، اللذين اتفقا  مع الصهاينة في حصر  الحرب القائمة  على غزة  للقضاء على مجتمعها تحت مبرر العداء المشترك لنظامها المزدوج  " الحمساوي- الفتحاوي " من جهة سيطرة كل منهما على جزء من مؤسسات  التسيير الصحي، والتعليمي، والإداري، والتخطيط الحضري، والأمني، والسياسي؟ 

و لماذا رفض  النظامان  التهجير  نحو كل من صحراء سيناء من غزة، وإلى الأردن من الضفة الغربية؟ 

 والإجابة  على السؤال تعيدنا  الى الهدف الغائي الذي يتذرع  الصهاينة  لتبرير الحرب به ، ألا وهو  "الانتقام" من  الفلسطينيين،  لاقتضام  فلسطين، وإيجاد مبرر للحروب   مجددا في أي  تجمع  فلسطيني سواء، أكان في سيناء، إذا حصل التهجير في صحراء سيناء، أم في الأردن، أم  لبنان، لأن  الفلسطينيين،  سيكونون  قوى مقاومة في أي  فترة،  كما في الماضي منذ ثورة  القدس، وحيفا 1920م. وفي الحاضر منذ الثورة  المسلحة في 1964م. الى الآن، وهو الأمر الذي  يؤكد مواصلة النضال ، ومواجهة الكيان الصهيوني، وذلك لاسترداد الحقوق المغتصبة،  وهذا الذي سيعيد الصهاينة، والامبريالية الغربية  إلى تطبيق مبدأيهما من الحرب مجددا لاحتلال سيناء ، وذلك إحقاقا للحلم الصهيوني بالوصول إلى " النيل"، وقد يسبق تلك الحرب،  أخرى  للسيطرة على  الأردن دون الحاجة  للوصول إلى" نهر الفرات"  بعد أن جف  نظرا للسدود التركية، وسياسة حكوماتها الظالمة التي، لا ترى في الأقطار العربية المجاورة،  إلا ممتلكات سابقة  انتزعت منها، ويجب استرجاعها، وفرض الطاعة عليها على غرار قانون "الحريم التركي" في العلاقات الزيجية.. ! 

وهناك سؤال  يبقى مطروحا حول  الحروب المفتوحة على الفلسطينيين ، وهو لماذا لم  يتوقف الصهاينة  عن حروب الإبادة الجماعية، حتى  في فترة  سقوط  قادة " منظمة الفتح" الممثلة الشرعية الوحيدة التي آثرت قيادتها الاستسلام،  وكذلك معظم  أفراد المجتمع ،  لكن المثير للحرب،  هو الوعي في ثقافة الأمة،  ومعتقدها الديني، وهما اللذان حالا  - ويحولان - دون  إيثار المصالح الفردية على القومية، خلافا لما حصل لليابانيين بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية..؟!

  ويبقى أمام الانظمة التابعة، إما  الحروب بالجيوش النظامية ضد قوى المقاومة  الفلسطينية ، كما حصل  في الأردن في   أواخر الستينات، وفي سورية في السبعينات،  مخيمات " تل الزعتر" ،  حيث انتهت مجازر  أنظمة الخيانة، والعمالة  في سبيل توجيه الفلسطينيين إلى لبنان، وهي سياسة " الطريق المسدود" - كما اسماها المفكر  الراحل عصمت سيف الدولة - وكان الهدف منها تجميع الفلسطينيين في  لبنان،  الحديقة المفتوحة للصهاينة من الداخل اللبناني، وعلى حدود  فلسطين  حيث،  وجد الصهاينة مبررا للحرب على التجمعات الفلسطينية  الأكبر في لبنان، والقوى الساندة للقوى الفلسطينية التي  لم تعدم  مساندين كثرا، بل تنافسا محموما بين  الأنظمة العربية، وهي تحضر للقضاء على كل قوى المقاومة في الأمة على عهد الانقلابات المضادة الأمريكية، وكان كل له هدفه الخاص به، فمن الانظمة العربية من أراد بالمساندة إغراق الثوار الفلسطينيين بالمال من أجل إيثار المصالح الفردية والعائلية،  بينما كانت أنظمة عربية أخرى، تسعى لإحياء مشروع المقاومة  الذي  سيقضي على المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين..

وفي مواجهة قوى المقاومة الفلسطينية العربية، كان  السلوك الإجرامي الاستعماري، هو المرجعية التي استمد  منها الصهاينة مفهوم " الانتقام" :

وفي الذاكرة الاحتلالية ارتبط " المفهوم "  باحتلال الجزائر في العام 1830م. انتقاما  فرنسيا، ثأرا لنظام سفيرها الذي ضرب بمروحية هوائية عند ما غلظ  الحديث عند  مطالبته بتسديد الدين الجزائري على فرنسا…!

 والانتقام :

في الحرب الصهيونية على لبنان في العام 1982م.  ثارا لمحاولة الاغتيال الفاشلة للسفير في لندن  من طرف مجهول..

والانتقام :

بالحرب الحالية على غزة، ثارا من  قوى المقاومة في "طوفان الأقصى" في  السابع  - 7- من أكتوبر..

 ويلاحظ  في كل الحروب السابقة،  ان الصهاينة، قاموا بها   لتحقيق الهدف الغائي لتفريغ " المجال " من كل وجود فلسطيني، إن في لبنان،  أو في فلسطين، ومستقبلا في سيناء، والأردن إن حصل التهجير..

والسؤال التالي، هو ما  مدى تماثل، او اختلاف  الحرب  الصهيونية " الانتقامية"  في غزة حاليا  عما كانت عليه في لبنان سنة 1982م.؟

وقد روت الممرضة النرويجية " ماريانا إيركسون"  مشاهداتها، وكانت تشتغل ممرضة في عيادة خاصة بالأطفال المعاقين عضويا، أو عقليا، وذلك في مخيم "عين الحلوة "..إذ قالت:

 أنا ((  ممرضة من النرويج تركت لبنان بالأمس، بل طردت بالأمس من لبنان- قالت لمحديثها - كل ما رأيته في التليفزيون، وكل ما قرأته في الصحف شيء آخر غير الحقيقة))، ثم استطردت في وصف المأساة قائلة:

(( كل شيء في المخيم ، كان قد انتهى: البيوت، والبشر، وكل شيء، وعندما خرجت لحظات في الفجر لم اتعرف على المكان، كانت هناك حرائق  في البيوت التي تهدمت، وكان هناك أشخاص قلائل،  يجوسون وسط الأنقاض، يبحثون عن أقاربهم، أو عن جثث أقاربهم، ويسعلون مثلي طول الوقت، لم يكن هناك صوت آخر غير السعال، وأنين خافت  مكتوم، لا تعرف إن كان يصدر من البيوت القائمة، أو من تحت الأنقاض، وعلى الأرض، كانت الجثث،  والأشلاء  في كل مكان ، وبالذات حول  الملاجئ .. كانت  حفرا في الأرض مغطاة، ومبطنة بالأسمنت، وكانت  تصلح الى حد ما  ضد الغارات الجوية.. ولكن مع المدفعية الثقيلة التي كانت تدك البيوت والأرض، تحولت معظم المخابئ إلى مقابر  لمن لجأوا إليها ، وكانوا يتكدسون بالعشرات: أطفالا، ورجالا، ونساء في المخابئ.. رأيت واحدا منها ، وكان قد تحول إلى بحيرة صغيرة تطفو فوقها رءوس، وأذرع، واستطعت أن أحصي من الجثث الطافية…)).

وهذه المشاهد، تكررت في كل مخيمات فلسطين: عين الحلوة، الرشيدية، والمية مية، وصبرا وشاتيلا،،

و السؤال الذي يطرح على أمتنا، هو ما الذي دفع بالصهاينة إلى تكرار حروب الإبادة الجماعية التي لن تتوقف، إلا بالوقوف في وجههم، ومن منطلق مبدئي، وبذات الأسلوب التداولي في حرب الإبادة الجماعية للصهاينة ما لم يخرجوا من فلسطين، فستكون مقبرة لهم، كما جوبهت فرنسا في الجزائر بثورة التحرير الشعبية  من قوى الداخل، وقوى الخارج العربية، الإسنادية،  حتى ولو أدى ذلك  إلى مشاركة الامبريالية في حرب كونية، كحرب السويس 1956م  حيث بررت  فرنسا  مشاركتها على أساس توقيف السلاح القادم من مصر إلى الجزائر ؟

 والموقف  المبدئي  للحرب المقبلة ، هو الذي يطرح به  السؤال  في عنوان المقال "  وين  الملاعين ..؟! "

كان موقف الانظمة العربية ذات التأثير الفعال في الحرب الصهيونية في العام 1982م. لم يختلف عن موقف جميع الأنظمة في وقتنا الحاضر..!

والاقتباس التالي  سجل هذا الموقف الرديء لأنظمة  العواصم العربية الفاعلة حينئذ : (( .. أدير مؤشر الراديو من المغرب إلى بغداد، وأنتظر في كل لحظة ، أن يحدث شيء ..أقول لنفسي، لابد أن شيئا سيحدث ، شيئا غير تلك الصور التي تخرج بها التليفزيون والصحف، عيني كل دقيقة ، أنتظر شيئا آخر يغير ذلك  الهوان ، ولكن  لاشيء غير الدبابات، والقنابل تطير وتدك، والطائرات تقصف، وجنود إسرائيل الأصحاء، يبتسمون في وجهي  على الشاشة، ويرفعون رشاشاتهم بعلامات النصر..

 وفي المخيمات يجري الأطفال العرايا، والأمهات بالشباشب البلاستيك، وهن يلطمن الوجوه وسط أكواخ انزلقت أسفلها على جدرانها، لتصنع اكواما مهووسة من التراب، والطوب، واسياخ الحديد الملتوية وسط  دخان أسود، ودخان  أبيض…

ومصر: 

 تعرب عن  الأسف، ولجنة الاقتصاد تعقد اجتماعات لبحث الخطة الخمسية…

والسعودية : 

تعرب عن الأسف، وتعلن  ثبوت رؤية الهلال، وتبعث رسائل للملوك والرؤساء..

والجزائر:

تستنكر وتعلن تيسيرات  جديدة للمستثمرين الأجانب..))

      بينما في المواجهة الحالية، يسجل تغيير في  مظاهر الانتصار الصهيوني في وسائل الإعلام العالمية، إذ لم  تظهر الابتسامات ، وعلامات النصر، ووجوه الجنود الصهاينة الباشة، الهاشة بالانتصارات الوهمية، غير أن الذي لم يتغير بعد، هو  موقف "  الملاعين" ، فلا زال، كما كان  منذ 40 سنة، هو  ذات الموقف، وإن اختفت بعض الملامح في مواجهة حروب  الإبادة  للفلسطينيين  التي تشير الى تعزيز متغيرات في مواجهة  الصهاينة ، أو في المستقبل من جهة  غياب الانتصار الصهيوني في الحروب،  لكن دون أن يسجل " الملاعين "، أي موقف  إيجابي في الصراع العربي الصهيوني،  وهنا يتضاعف السخط  على "الملاعين"، ويضحى السؤال عن " وين الملاعين؟ " هو من باب التشهير بسلوك   بعد كل جولة في المواجهة بإذن الواحد الأحد..

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122