بسم الله الرحمن الرحيم
إذا كان الشاعر الحساني مرهف الحس مفتونا بسحر الطبيعة والعاطفة والجمال, يختار في التعبير عن ذلك أجمل وأرق وأعذب الكلمات وأمتع الأساليب ، محلقا في غيابات ومداءات الخيال حالما مترنما على نغم الترف والبذخ والمجون، فـإنه كذلك ظل متمسكا بضوابط الالتزام الديني والأخلاقي والسلوكي ، متصالحا مع ذاته ملامسا لواقعه مؤمنا يقضاياه بالفحص والنقد المستنير من زاوية الأدب الجاد المشحون بالدلالة المرشدة والرسالة الموجهة للفرد والمجتمع المرتكزة على التأصيل و التأويل والتحليل للسلوك والعقلية مشكلا خطابا توجيهيا لعلاج وتصحيح وتقويم الاختلال في منظومة القيم والأخلاق والسلوك. وإذا كان الوجه في الجسم هو مبعث التعبير والإيحاء وإظهار إشارات القبول والانجذاب و الاستحسان، والوجاهة في القوم تستوجب الحكمة ورجاحة العقل والأهلية للنصح والإرشاد ، والاتجاه هو تحديد المسار وتمييزه وإفراده من بين طرق شتى تقي سالكها شر الانزلاق والانحراف والتيه ، فإن التوجيه هو إنارة الدرب وتبيان الصواب من الخطإ ومساعدة الآخرين على تلمس طريق الهدي والخير والصلاح. وإذا كانت بعض المجتمعات تمرر خطاباتها التوجيهية من خلال النوافذ والأركان والزوايا المكتوبة في المجلات والصحف الملقاة عند عتبات المنازل أو على طاولات قهوة الصباح فإن مجتمعنا تميز بطريقته الشفهية الروائية الحكائية المستمدة من ثقافتنا البدوية والعلامة المميزة للإنسان الصحراوي من ذكاء خارق وسرعة في الضبط والحفظ والبديهة ، نتداول الأدب بشكل عام وأدب التوجيه بشكل خاص في مجالسنا العامة والخاصة ونبدع في نطمه حتى يدخل كل البيوت ويفهمه الجميع ونجتهد في مبانيه وفي معانيه حتى يكون أدبا سلس اللغة واضح الأفكار عذبا عند الإلقاء وعند التلقي يؤدي بكل نجاح دوره التربوي المراد له أصلا ليستدل به العالم والفقيه في درسهما المحظري ويورده الأب خلال جلسة نصح لأبنائه ويبدع فيه الشعراء على المنابر الدينية والسياسية والإعلامية والتوجيهية و ينتقيه الفنان ليكون شاهدا أمينا يفتتح به المقام ويفتح به شهية الحاضر لمجلس أزوان وقد ظل ومازال التوجيه حاضرا بقوة في الشعر الحساني متخذا من الكتاب والسنة والأخلاق الحميدة منبعا وعمقا ومرجعية وقاعدة.
وقد يختلف موضوع التوجيه حسب السياقات والدواعي والعلاقة بين الموجه والموجه فمرة من الأب لإبنه كوصية محمد ول هدار لابنه امحمد رحمهما الله حيث اختزل له أسباب النجاح والتميز في الحياة في نصوص رائعة تداولتها الأجيال جيلا بعد جيل دارت حول علو المقام والإلمام بالأحكام والتعلم بالمنهج القويم وعدم الخوض في أعراض الناس والتحلي بآداب المجلس / لاترض يامحمد /....التواضع وحذر الافتتان والتباهي بالجاه والمجد والتركيز على علوم الشريعة ولا تخلو الوصية الأبوية من عتاب تربوي رادع./سرك يمحمد لاتعطيه..../ وتعتبر المجاراة التي أبدع فبها الأديب دمب ول الميداح أطال الله عمره وأنعم عليه بالصحة والعافية لوصية محمد ول هدار إبداعا رائعا أعاد صياغة الفكرة مع تطابق في توفر الأسباب الموضوعية في السياق والعلاقة والهدف وهذ يؤكد بأن غرض التوجيه من الثوابت الراسخة الخالدة بصفته الوسيلة المثلى لتهذيب النفوس وتحصين المجتمع بزرع القيم الفاضلة.
وعادة ما يكون التوجيه مباشرا صريحا باستخدام أفعال الأمر وأفعال النهي كما ورد في روائع الحاج ول كتاب رحمه الله والتي اختار لها بت بوعمران الذي يناسب التركيبة اللفظية لصغة الأمر والنهي وتساعد موسيقاه الجميلة في عذوبة القراءة والتكرار مما يساعد على سهولة الإيصال وشد الآذان.
وفي نصوصه حرص ول كتاب على توجيه الكثير من الدرر الجميلة المفيدة للإنسان في سلوكه و معاملاته , التحذير من مال اليتيم والرفق في التعامل معه وتجاوز العقد النفسية بخصوص حوز لعظام و عدم فهم ملاحظات الناس بأنها أسهم لفظية حادة موجهة للاستهداف.
لا تعود اوكيل اليتام ؤلا اتعود اعليهم خصام
ؤلا ادير افراصك لعظام ؤلاتحوز اعظام الردمه
ؤلاتوجه شورك لكلام كان كمن حد ابكلمه
الحذر من التغريد خارج السرب وعدم الشذوذ عن الجماعة وحسم المواقف في العلن بعيدا عن المكر والخداع والخوف والتردد.
لاتلوم ابن عم اجناو لاتعافي ل ماعفاو
كوم منهم فالظوا مشاو لاتمسك عنهم صدمه
ءكان كومك فالظو امشاو لاتحاني مشي الظلمه
عدم جعل المال الغاية الكبرى من الحياة وتحصيله بطرق مستقيمة وبذله لمن يحتاجه تحاشيا للبخل:
ءتم واسي ميسور الحال ء لاتواسي للمال اكبال
ءلا اتشيع ابكره ازكال باش مالك فيدك ينم
مال ماه من كسب إحلال لاتشيتك بيك العتمه
ومرة يكون التوجيه من موجه رقيب يرى أن من واجبه تذكير مجتمعه بما ينبغي وبما لا ينبغي حتى يبقى المجتمع محصنا من الاختراقات التي تدمر القيم وتطمس الهوية وتدفع بالمجتمع إلى هاوية السقوط.
عامل تم الناس ابلملاس كانك مره تسلك من باس
ساس الناس وتم الا عاس من حيوان الناس ء شيها
فصلك لاتلحك بيه الناس لا تكبظ منها واعطيها
حد ادور الغلظ اخلي ليل الناس ال فيديها
فيديها وامن الناس ال داير لمهابه يشريها
عظ السانك لاتجرح حد يسو جابر فيه المقصد
واتكلم فالموجب محد لكلام اعل موجب ساس
ؤكلل فالتيتير ؤفالرد عود امن الناس العساسه
واتحفظ فلفاظك وامشي بكياسه واكعد بكياسه
واتفكدني واعرف عن شي مايتواس مايتواس
قريبك لا تكطع رحمو والنهي ارع لاتقتحمو
والغايب خليلو لحمو والحاضر خليه ابوقرو
لا تبغي حد اعل شحمو ؤ لاتكره حد اعل فقرو
حسناتك لا توقد يهلي فالخلق ؤ لاتفلش مكرو
شكرك واسيه ؤحمدك ل من له الحمد والشكر
كما أن التوجيه يأتي بأسلوب النقد الاجتماعي للعقليات والمسلكيات الطارئة على المجتمع شرط أن تكون ضارة وسلبية.
أما الأمور الطارئة ذات الطابع الإيجابي الموافق للشرع فإن التوجيه إليها من واجب الشاعر حتى يظل الأدب مواكبا لمستجدات العصر مرنا مبتعدا عن التحجر و الجمود.
وبخصوص اختيار الرفقة الحسنة من أهل الخير والوقوف بكل وفاء أثناء المواقف الحرجة على المرء أن يدقق في اختيار الأصدقاء يقول الأديب الكبير المختار ول مولاي اعل رحمه الله:
لصحاب الا ذيك ال ذاك ال فيه انت فيه امعاك
همك تبغيه ء لاتنساك تتعهد لك عهد ابساسو
فالش زاد امل فكفاك فللاه اكولو وواسو
خالك نوع اوخر واعجب ماهو حامل كاع الباسو
والا حد اتم احجب يكانو يسلك من باسو
كما أن الشاعر الحساني ظل ناقدا فاحصا أمينا للجانب الاجتماعي والسياسي بأسلوب المرشد الحريص على الصالح العام الداعي إلى الاستقامة والعدل والشعور بالمسؤولية وتغليب المصلحة العليا على المصالح الشخصية الضيقة وفهم أساليب اللعبة الديمقراطية والتفريق بين الخلاف والاختلاف:
يقول المرحوم ول باكاه
هاذي ظرك الحمله سنتات.......
وقد ظهرت إبداعات كثيرة في أدب التوجيه والنقد الاجتماعي في السنوات الأخيرة بأساليب تدور في فلك الصراحة والغنى والقاموس اللغوي المختار والشمولية في الطرح كما في إبداعات الأديب الزميل أحمد ول الوالد
يالشعب الوحده فيك امنين تخلك تحمد ذاك ء فمنين
وامش فيها بصلاح البين اعليك اصلاح ال بينك
حل العين ال عت العين فالغير الوحده ماعينك
وافظهرك وحدت بلك دين ءعاد اعليك اتخلص دينك
ءعاد اعليك اتكركر يمين عنك تحميها يمينك
واحميها بكوف امع دين للوحده كوم امع دينك
ءعسك من وحدين امعادين دينك وارضك وامعادينك
اشلك بارض الوحدين اخرين اعل اهلك وارضك مالينك
ذوك الا جبرو فيك اللين لانليان الهم ملينك
ج لرضك يسو كنت امنين هاذو نحن متنكلينك
لعت المرظ بيه اتلين امرظينك وامسكرينك
كان انشكرت لك دار افحين لاتنس دارك من حينك
والوحده بيناتك من كين وجبت يالشعب ء من كينك
واجب لك تشهار السكين فالفركه شهر سكينك
مدك ليديك اليوم اعليك للوحده واجب مد ايديك
اشبينك شمعاديك اشبيك شمعاديك اشبيك اشبينك
ذال بينك ماهو خافيك وامورك ماهم خافينك
تعرف عن ماظر اتخاويك ماهو دوام اتخاوينك
عت اعليك اتصرمك وذنيك عن تسميات امسمينك
بيهم وحدين امن اعاديك بالتسميات امسمينك
واعرف عنك كنت افماضيك عظم ابلا مفصل راجينك
للزحده تحمي لراضيك كيف اباتك لمخلينك
واعرف عن لخلاق اتكانيك والتقاليد امكانينك
وانبيك ءللاه الناشيك ابلتحاد اموصينك
فالحقوق الدين امساويك والقوانين امساوينك
ماعينك فبلد مايحميك وافعينك للوان اتعينك
لبياظ ءلكحال ابلا عار افعينك وامشل اكرينك
مايفتصلو عل تعوار ءتبك صبعك عور عينك
وقد أبدع الأدباء الشباب في غرض التوجيه
إبداعات رائعة كما في نص الشاب الشيخ محمد الحافظ ول باي الذي شمل شروط العقل السوي
من مودة وكسب حلال ومروءة وعدم إثارة للفتن وخفض الصوت واستحضار الموت:
العاقل ذاك ال بتمام مايشيخ فيه التخمام
والعاقل مايسمع لكلام الشين امل فخوتو
والعاقل مايوكل لحرام يدبر لحلال افقوتو
والعاقل فوان التكدام اكدم للناس امروتو
والعاقل مايرفد رده والعاقل مايرفد صوتو
والعاقل مايفرك مده ةالعاقل ماينس موتو
وقد لعبت البرامج والمسابقات الخاصة بالشعر الحساني دورا ملحوظا في تعاطي غرض التوجيه بتركيزها في الضيوف والمواد والمواضيع على هذا الغرض مواكبة للساحة ومستجداتها وقد حرصنا في الاتحاد الموريتاني للأدب الشعبي على إبراز أدب الرسالة وأدب القضية والأدب الجاد
وغير بعيد عن موضوع المواكبة وربط الأدب ببئته يقول أحدهم من باب الطرافة مجاراة واتكاء على الكاف الشهير في شور تبلييت:
وتحذيرا من خطورة التدخين خاصة على كبار السن مع بعض الاستنكار والاستغراب:
شيباني يكلع ذي تخلع تبليت اسألت المقيت
يكلع تبليت ءيكلع شيباني يكلع تبليت
يقول هو
شيباني يكمي ذ تخلع سكاريت اسألت المقيت
يكلع سكاريت ءيكلع شيباني يكمي سكاريت
أشكركم
بكين ول المبروك