قبل أيام قرأت على حساب المهندس عبد الحكيم جمال عبد الناصر، على الفيس بوك، خبرا صادما استهولته، وبعد تفكير وتأمل لم أستغربه!
.
أمّا نص الخبر الصادم فيقول بأن قرارا من( رئاسة الجمهورية) ـ يعني من الرئيس مرسي ـ قد اتخذ بسحب العاملين في ضريح الرئيس جمال عبد الناصر، لأنهم على ملاك رئاسة الجمهورية، وأن أمر العناية بالضريح قد حول إلى قيادة الجيش المصري!
يقول الخبر، إنه حتى الموظف المكلف بتنظيف المكان قد تم سحبه بأمر من (الرئاسة)، أي رئاسة مرسي!
استهولت الخبر الصادم لأنه غير لائق بمقام (الرئاسة) والرئيس، ولم أستغربه بعد قليل من التفكير والتأمل، لأنه صادر عن رئيس إخواني، فالحقد صفة لازمة لهذه (الجماعة) ضيقة الأفق!
لماذا إحالة الأمر على الجيش؟!
لأن الرئيس الإخواني مرسي ـ هنا تتجلى إخوانيته، وتصغر رئاسته لمصر ـ ومن يحيط به ويوجهه من الإخوان، استنفدوا، كما يبدو كل أسلحتهم التي سخروها للنيل من شعبية وحضور جمال عبد الناصر، وزمنه، وفكره، ولم يبق بين أيديهم سوى إحالة جمال عبد الناصر الذي رحل عن دنيانا قبل 42 سنة وبضعة أشهــــر، وهو قائــــد وزعيم ملء السمع والبصر..على (المعاش)، و(إعادته)، ربما، إلى الكلية العسكرية للتدريس فيها، أو إلحاقه بإحدى قطاعات الجيــــش المصري ليخــــدم على ملاكها، وهكذا يجرّد من (الرئاسة) التي تجاوزها ليتــــبوّأ موقع قائدا للأمة العربية، بإجماع غير مسبوق على زعيم في بلاد العرب، وليتكرس بمواقفه الداعمة لحركات التحرر عربيا، وأفريقيا، وعالميا، قائدا عالميا في مجموعة دول عدم الانحياز، وزعيما من أبرز زعماء العالم الثالث.
مرسي والإخوان ـ وهذا فعل إخواني شنيع، وناقص، ويدلل على صغار، ويعبر عن الحقد المتأصّل في نفوس هؤلاء (القوم)، وضيق أفقهم، وقصور نظرهم ـ يتصرفون وكأن الرئاسة فرصة لتصفية الحسابات، ولاحتكار السلطة، وهو، وهم، لايتصرفون انطلاقا من مصلحة مصر، ودقة المرحلة، وخطورتها، وحاجة مصر لكل أبنائها للنهوض بها من عثارها، وأزماتها، وإنقاذها من الانهيار الذي لا نتمناه لها، فالأمل معقود عليها عربيا، ولو أدركوا حالة مصر لمدّوا أيديهم لكل القوى السياسية المصرية، لأنه بغير وحدة هذه القوى، وتجميع الطاقات، لا مخرج لمصر من أزماتها، ومما يكاد بها، ويدبر لها.
يظن مرسي والإخوان، أنهم بهذا القرار البائس يقللون من قدر جمال عبد الناصر، الذي حاولوا تصفيته اغتيالاً عام 1954، ولكنه نجا برجولة وشجاعة، حين ظل واقفا في مكانه على المنصة، وأهاب بالجماهير المحتشدة أن تتماسك وتثبت في أماكنها: فكلكم جمال عبد الناصر...
أنكر الإخوان فعلتهم الإجرامية التي ستبقى وصمة عار في تاريخهم غير الناصع، واتهموا ثورة 23 تموز/يوليو، بأنها دبرت تلك (المسرحية) للتنكيل بهم، ولكن بعض أبرز قادتهم اعترفوا فيما بعد أن (التنظيم) هو الذي دبر محاولة الاغتيال!
أمّا التنظيم، لمن لا يعرف، فهو الجهاز الذي بناه الإخوان لتصفية كل من يختلف معهم، وهو استقى أفكاره من كتاب (معالم على الطريق) لسيد قطب، ذلك الكتاب الذي يُكفّر المجتمع، ويرى أنه عاد إلى الجاهلية الأولى، ولذا تتوجب (مجاهدته)!
الإخوان غير مطمئنين لموت جمال عبد الناصر، وفي هذه معهم حق،فهو ينغص عليهم (رئاستهم)، مع كل صورة له ترفع عاليا بأيدي جماهير مصر، في كل المدن، والميادين، وفي كل مسيرة، ولقاء، واجتماع، والمدهش أن صورته ترفع بأيدي أجيال من شباب لم يعيشوا في زمنه، ولا عرفوه عن كثب، ولكنهم تعرفوا على مواقفه المتحدية للأمريكان، والغرب الاستعماري، وعرفوا من آبائهم عمّا وفرهم لهم من تعليم، وفرص عمل، وفدان أرض يزرعونه، مكنهم من التحرر من ظلم واستبداد الإقطاع الطفيلي، وكانوا يحصلون على رغيف العيش دون أن يسفحوا ماء وجوههم في الركض وراءه.
فعل ينم عن صغار، وأحقاد لا تليق بمن خاطب المصريين بأنه سيكون رئيسا لهم جميعا!
ليس الناصريون في مصر وكل الوطن العربي، من سيدينون هذا الصنيع الرديء المبتذل، وغير اللائق، ولكنهم ملايين العرب مشرقا ومغربا، وحتى كثير من الأحرار في العالم، وخاصة أبناء الشعوب التي دعم (ناصر) كفاحها لنيــل الحرية من الاستعمار والاستعباد، فهل حسبها الرئيس مرسي جيدا، ومن يحيطون به، قبل اتخاذ هذا القرار؟
قد لا يستغرب ملايين العرب، هذا العداء، وهذه الكراهية، للزعيم جمال عبد الناصر، من الإخوان، في حين يرسل الرئيس مرسي (رسالته) الفضيحة، الطافحة بالحب، والصداقة، والمودة، و(التزلف)، لرئيس الكيان الصهيوني شمعون بيرس! فالإخوان لا يغفرون لناصر حرمانه لهم من السلطة، بينما هم حاليا يريدون الاحتفاظ بهذه السلطة بالرضى الأمريكي، والتودد للكيان الصهيوني!
لم يستعد الإخوان الناصريين والقوميين العرب وحدهم، فهم استفزوا حزب (النور) السلفي، الذي وإن التقى معهم في المنطلقات الإسلامية، إلا إنه ضاق ذرعا بتجاهلهم له، وتقليله من شأنهم، رغم أنهم آزروا مرسي في انتخابات الرئاسة، في دورتها الثانية، وتحالفوا مع الإخوان في مجلس الشعب!
لم يبق مع الإخوان إلاّ الإخوان، والرئيس مرسي الذي أعطى انطباعا بالطيبة بعد انتخابه رئيسا، بدأت خسائره تتراكم، وكل هذا بفضل سياساته الإخوانية، بفضل توجيهات (المرشد)، وشورى الجماعة، والبطانة المحيطة بالرجل.
من اتخذ، واتخذوا، هذا القرار، يسيئون للشعب المصري الوفي، ولجيش مصر العظيم نفسه، ويفاقمون خسائرهم التي تتراكم يوما إثر يوم، وبسرعة عجيبة، لا يحسد عليها ألإخوان، والرئيس الإخواني.
فقط عدوهم هو جمال عبد الناصر، فمن خاطب بيرس برقة عاشق، منح (السادات) بمناسبة حرب أكتوبر أرفع وسام، وهو يعرف ما فعله السادات بمصر، بجريمة كامب ديفيد، بارتهانه سيناء تحت هيمنة محطات الرقابة الأمريكية، وحرمان الجيش المصري من السيادة عليها، وهذا ما تدفع مصر وجيشها ثمنه باهظا في هذه الأيام تحديدا، حيث تحولت سيناء إلى خطر داهم على أمن مصر!
دائما تمنى كثيرون، ونحن منهم، أن يبدأ حوار جاد بين الناصريين و(الإخوان) لتجاوز الماضي، والتأسيس لعلاقة صحية قائمة على مصلحة مصر، والأمة العربية، ولكن (اختطاف) الثورة المصرية قبل أن تنضج، وجعل صناديق الاقتراع نهاية للمطاف، وكأن شعب مصر الثائر كان كل همه إيصال الإخوان للحكم، وليس تحقيق أهداف الثورة التي رفعها بالشعار البسيط المعبّر: عيش، حرية، عدالة الاجتماعية.
مطلوب من الرئيس مرسي الاعتذار عن هذا القرار، والعودة عنه، وتحميل الجهة، إن وجدت فعلاً، وتصرفت من غير علمه، التي اتخذته، المسؤولية عنه، ومعاقبتها، تبرئة لنفسه أمام شعب مصر، والأمة العربية.
هذا التطاول على قائد الأمة العربية سيخسّر الإخوان فوق خسائرهم، وسيضعهم في مواجهة مع ملايين العرب، فهل سيستيقظ الرئيس مرسي، ويبتـــعد عن الإخوان، ليكون نزيها في منصـــــبه، الذين يتسببون له يوميا بخسائر، هو في غنى عنها، خاصة وهو في ستة أشهر من رئاسته خسر الكثير، بينما ناصر مازالت صوره ترفع عاليا، ومبادئه تحملها عقول وضمائر كثير من ثوار مصر، والعرب، والعالم!