نواكشوط- «القدس العربي»: التحاور مع الدكتور إسلكو ولد أحمد ازيد بيه رئيس حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا وأقرب المقربين من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز له أهمية قصوى في الظرف الراهن الذي تمر به موريتانيا.
.
فالأزمة السياسية التي سببها انقلاب آب/أغسطس 2008 لم تجد حلا جذريا بعد رغم الحوارات والإنتخابات، والرئيس ولد عبد العزيز أنهى مأمورية كثر حولها اللغط وبدأ أخرى بحكومة كثر حولها وحوله الكلام..وأمام الرئيس في عهدته الجديدة ملفات متراكمة فوق بعض واللغط كثير حول علاقات موريتانيا مع إسرائيل.. وهل هذه العلاقات مقطوعة فعلا أو متصلة بحبل سري غير مشهود بالعين المجردة.
كلها قضايا مع أخرى ناقشتها «القدس العربي» مع الدكتور إسلكو ولد أحمد إزيد بيه رئيس الحزب الحاكم في موريتانيا ورئيس جامعة نواكشوط سابقا ومدير ديوان الرئيس لفترة طويلة وأحد القليلين الذين يحظون بثقة محمد ولد عبد العزيز الرجل القوي في موريتانيا، فكانت ثمرة ذلك النقاش الحوار التالي:
○ هل أنتم راضون عن مخرجات الاستحقاق الرئاسي الأخير الذي قاطعته المعارضة الراديكالية؟ وهل تعتقدون أن المأمورية الجديدة تتأسس على شرعية سياسية وشعبية قوية لا على الشرعية الإنتخابية وحدها؟
• اسمحوا لي بداية أن أشكر صحيفة «القدس العربي» على هذه الفرصة الطيبة التي سيحصل لي الشرف من خلالها أن أخاطب قراءكم الأفاضل.
بالعودة إلى سؤالكم، نعم، نحن في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، راضون بالفعل عن مجريات استحقاق الواحد والعشرين من حزيران/يونيو الماضي، لأسباب أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
كونها أول انتخابات رئاسية تنظمها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، هذه اللجنة التي أقرها الحوار السياسي الوطني، سنة 2011.
التنوع السياسي للمترشحين خلال هذا الاستحقاق، حيث قبل المجلس الدستوري ملفات خمسة مترشحين، من بينهم سيدة.
التراجع الكبير في مستويات الانفاق المالي على نشاطات الحملة الأخيرة، مقارنة بما عهدناه خلال الحملات الرئاسية السابقة.
أجواء الحرية والسكينة التي سادت خلال فترة الحملة الانتخابية الأخيرة ويوم الاقتراع والتعاطي الإيجابي للأجهزة الرسمية مع متطلبات المرحلة، رغم احتدام التنافس السياسي والحدة المفرطة لبعض الخطابات الفئوية الضيقة.
مستوى الرضى الجيد الذي عبر عنه المراقبون الوطنيون والعرب والأفارقة والدوليون، بخصوص حرية وشفافية ونزاهة الانتخابات الأخيرة.
النتائج المشرفة التي حصل عليها مرشحنا السيد محمد ولد عبد العزيز.
أما بخصوص المعارضة الراديكالية الموريتانية، فقد دأبت منذ بعض الوقت على مقاطعة الانتخابات، لسببين اثنين، أولهما أنها تعلم علم اليقين أنها غير قادرة على الاتفاق على مرشح موحد وثانيهما أن حظوظها في الفوز الانتخابي، حتى وإن وحدت الترشيح، معدومة. الكل داخل البلاد والمتتبعون للشأن الموريتاني، يعلم أن هذه المعارضة شاركت في الانتخابات الرئاسية سنة 1992 و2003، و2007 في ظروف لا تتوفر فيها أبسط ضمانات للشفافية والنزاهة. بعدها شاركت في الانتخابات الرئاسية سنة 2009، في ظل حكومة وحدة وطنية كانت المعارضة الراديكالية تمسك فيها بوزارات سيادية كالدفاع والمالية وخاصة بوزارة الداخلية التي أشرفت فعليا على سير الانتخابات آنذاك، وعلى الرغم من ذلك جاءت النتائج الانتخابية هزيلة بالنسبة لمرشحيها… أما اليوم وقد تم اعتماد قانون انتخابي توافقي، يجعل من اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الجهة الوحيدة والدائمة التي تشرف على كل اقتراع وطني، من ألفه إلى يائه، وحيث أن أعضاء اللجنة المذكورة يشترط فيهم ألا يقل عمر كل واحد منهم عن ستين سنة وألا يكون ناشطا في أي حزب سياسي وأن تجمع أطراف الحوار الوطني على تسميته، فمن المضحك أن يتذرع قادة المعارضة الراديكالية بهاجس الشفافية لمقاطعة الانتخابات. فاللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات لا تضم موظفا واحدا تابعا للدولة وتتمتع باستقلالية تامة على الأصعدة المعنوية والإدارية والمالية.
لقد راهنت المعارضة الراديكالية الموريتانية، خلال الاستحقاق الرئاسي الأخير، على تدني نسبة المشاركة. فنظمت مهرجانات ومسيرات وسيرت قافلات على عموم التراب الوطني، تدعو من خلالها إلى مقاطعة الانتخابات، إلا أن نسبة المشاركة وصلت إلى 54.56٪، وهي الأعلى إقليميا مقارنة بالانتخابات المماثلة الأخيرة في دول الجوار الموريتاني، فالانتخابات الرئاسية الجزائرية التي جرت يوم 17نيسان/ابريل الماضي، سجلت نسبة المشاركة ٪51.7 ، وفي جمهورية مالي، سجلت انتخابات 28 تموز/يوليو 2013، نسبة المشاركة ٪49.8، أما في جمهورية السنغال، فقد كانت هذه النسبة ٪51.58 في الانتخابات الرئاسية الأخيرة المنظمة يوم 26 شباط/فبراير 2012، وسجلت الانتخابات التشريعية المغربية الأخيرة المنظمة بتاريخ 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، نسبة المشاركة ٪45.40 . فهذه النتائج توضح مجتمعة –وبشكل لا يترك مجالا للشك- مستوى الفشل السياسي الذريع الذي منيت به المعارضة الراديكالية الموريتانية، خلال الاقتراع الرئاسي الأخير. وتؤكد نسبة المشاركة القياسية في هذا الاقتراع الشعبية الثابتة للسيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، حيث نجح في الشوط الأول ولمأمورية ثانية.
○ من الملاحظ أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لم يتول كامل تسيير حملة الرئيس محمد ولد عبد العزيز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة كما كان يجب: فقد سحبت حمى المبادرات التي نظمها مستقلون، البساط من تحت الحزب وحتى أن الرئيس كلف مدير حملة من خارج قيادات الحزب، ما هو تفسيركم لكل هذا؟
• لقد قرر رئيس الجمهورية أن يترشح مستقلا، الشيء الذي ينم عن إرادة صادقة في إشراك كل الطيف الداعم لفخامته خلال المأمورية الأولى، في العملية الانتخابية، خاصة الأحزاب المنضوية تحت لواء «ائتلاف أحزاب الأغلبية الرئاسية». وهذه خطوة سياسية منطقية تماما. فلو تم اختيار المدير العام لحملة مرشحنا من داخل صفوف حزب «الاتحاد» لاعتبر شركاؤنا ذلك انحيازا سياسيا على حسابهم، ونحن تفهمنا ذلك ودعمنا قرار الرئيس اعتماد مدير عام للحملة لا ينتمي لأي من الأحزاب الداعمة له. أما الحديث عن سحب البساط من تحت حزب «الاتحاد» من طرف أي كان، فهذا ما لم يحدث ولا يمكن أن يحدث، نظرا لاتساع القاعدة الشعبية للحزب وللأغلبية المريحة التي يتمتع بها داخل الغرف البرلمانية والمجالس البلدية. أما المبادرات المستقلة فتشكل نمطا من أنماط التعبير الديمقراطي، حيث يسعى أصحابها إلى تسليط الأضواء على جهودهم الخاصة خلال الحملات الانتخابية، دون الإنخراط في التشكيلات السياسية. وعلى الرغم من ذلك، فإن جل المبادرات التي نشطت خلال الحملة الأخيرة كانت ترفع ألوان حزب «الاتحاد» وتشرف البعثات الرسمية للحزب على فعالياتها.
○ سجل معارضو النظام (المنتدى والرئيس الأسبق ولد محمد فال) ضعف مستوى التمثيل الدولي في حفلة تنصيب الرئيس: ألا ترون أن ذلك يشكل موقفا سلبيا مفاجئا تستبطنه الأطراف الدولية التي تربطها بالرئيس مصالح وروابط خاصة؟ ثم ألا يتضمن ذلك رسالة قد تكون مزعجة للرئيس؟
• عندما فشلت المعارضة الراديكالية الموريتانية في ثني الموريتانيين عن المشاركة في الانتخابات، آثرت أن تقوم بحملة خارجية هذه المرة، لثني الرؤساء الأجانب عن المشاركة في حفل التنصيب، فاستغلت الأجواء الأمنية الخاصة في منطقة الساحل والصحراء لتخويف الأجانب من السفر إلى موريتانيا، فبعض الدول تحظر على مواطنيها العاديين السفر إلى بلادنا -لأسباب لا علاقة لها بموريتانيا، بل بالحالة العامة في شبه المنطقة، خاصة في دولة مالي المجاورة- فما بالكم برؤسائها؟ إلا أن المعارضة الراديكالية فشلت مجددا حيث شارك جل رؤساء شبه المنطقة في حفل التنصيب، كما شاركت فيه شخصيات رفيعة المستوى من العديد من دول العالم. فترويع ضيوف موريتانيا، حيث الأمن والاستقرار السياسي، يعتبر مظهرا من مظاهر اليأس السياسي الذي آلت إليه المعارضة الراديكالية. أما بخصوص رئيس الجمهورية والرئيس الدوري للاتحاد الافريقي، فقد شارك، خلال الشهر الحالي وحده، في القمة الإفريقية- الأمريكية الأخيرة في واشنطن وترأسها إلى جانب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، كما شارك، إلى جانب الرئيس الفرنسي أولاند، في احتفالات الذكرى السبعين لإنزال «النورماندي» فهذان الحدثان كفيلان بدحض ادعاءات المعارضة الراديكالية التي تعودت على شخصنة الصراع السياسي واختزاله إلى حد جعل الشباب والنساء والأطر يهجرون صفوفها، ليبقى فيها رجال مسنون شاركوا في الحقبة الاستثنائية وأخطائها الفادحة في حق الوطن، ولم يعودوا قادرين على الـتأقلم مع عالم سريع التغير ومعقد التحديات.
○ لا تقر المعارضة تقييمكم لمأمورية الرئيس الأولى، وهي تشكك في الإنجازات التي تعددونها أنتم في الداخل والخارج: فهل لكم أن تعطونا في كلمات قليلة تقييما مقنعا لهذه المأمورية؟
• في كلمات قليلة: هذا أمر صعب لأن حصيلة المأمورية الماضية كبيرة ومتنوعة، لكني سأحاول الإيجاز إن شاء الله.
فعلى الصعيد الأمني يشهد القاصي والداني أن موريتانيا هي الدولة الوحيدة في شبه المنطقة (وليست الأقوى اقتصاديا ولا عسكريا) التي هزمت الإرهاب، عندما روع سكان مدننا كانواكشوط والنعمة وهدد حوزتنا الترابية انطلاقا من غابة واغادو المالية واعتدى على ضيوفنا. فالساسة الأجانب والخبراء الأمنيون يقرون بذلك.
في مجال الوحدة الوطنية، تمت تسوية ما كان يعرف سالفا بملف «الإرث الإنساني» حيث عاد اللاجئون من السنغال وتم تعويض ذوي ضحايا أحداث 1989-1991 الأليمة. وسنت قوانين أقرها الحوار الوطني، تجعل من ممارسة الرق جريمة ضد الإنسانية وأنشئت محاكم خاصة للبت في قضايا الاسترقاق القليلة التي يطلب من القضاء الموريتاني النظر فيها.
أما بخصوص الشق الاجتماعي، فقد قامت الدولة بجهود كبيرة لحل مشكلة أحياء الصفيح، فشيدت أحياء سكنية جديدة يتوفر فيها الماء والكهرباء وشبكات الطرق والمرافق التعليمية والطبية، لصالح السكان السابقين لأحياء الصفيح. وتم تشييد وتجهيز العديد من المستشفيات العامة والمتخصصة (الأمومة والطفولة، الأنكولوجيا، القلب…إلخ). وأنفقت الدولة أموالا عمومية طائلة على «دكاكين أمل» دعما لأسعار المواد الاستهلاكية الأساسية (الأرز، القمح، السكر وزيت الطهي).
أما على صعيد الحريات العامة، فحدث ولا حرج: فموريتانيا تصدرت الترتيب العربي في مجال حرية الصحافة خلال السنوات الثلاث الماضية، حسب منظمة «مراسلون بلا حدود» وإذا كانت بلادنا قد استطاعت تجنب ويلات «الربيع العربي» فالفضل في ذلك يعود إلى المستويات المتقدمة لممارسة حريات التعبير والتظاهر والتنظيم، فقمع المتظاهرين السلميين وكبت الحريات شكل وقودا حقيقيا لإشعال فتيل الحروب الأهلية وتبرير التدخل الأجنبي في دول «الربيع العربي».
في مجال البنى التحتية، شيدت شبكات الطرق والمطارات والموانئ، فالوجه الحضري للمدن الموريتانية تغير تماما خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتشكل العاصمة انواكشوط اليوم أكبر شاهد على ذلك.
في المجال الاقتصادي والمالي، ظلت البلاد تنمو بوتيرة مطردة، حيث لم يهبط معدل النمو السنوي تحت 6 ٪ خلال المأمورية المنصرمة، وتم بذل جهود متواصلة لمحاربة الفساد، كما تمت مضاعفة الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية، بإضافة محطات لتوليد الطاقة النظيفة (الشمسية والهوائية) وتم تطوير القطاع الزراعي، حيث أصبح الإنتاج الوطني من مادة الأرز مثلا – ولأول مرة- قريبا من أن يسد احتياجات البلاد من هذه المادة. وسجلت الميزانية العامة أول فائض لها في تاريخ البلاد، كما ارتفع احتياطي العملات الصعبة لدى البنك المركزي إلى مستويات غير معهودة. وأنشئت شركة وطنية للطيران المدني. في المجال الدبلوماسي، أعاد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز النظر في علاقات موريتانيا الخارجية بشكل ينسجم وهويتها الحضارية ويخدم مصالحها الحيوية، ونال الرئيس ثقة القادة الأفارقة فأصبح رئيسا لمنظمة الوحدة الإفريقية ولعدة تجمعات إقليمية أخرى.
فجرد حصيلة المأمورية الماضية قابل لأن يتواصل طويلا.
○ ما هي أولويات الرئيس محمد ولد عبد العزيز، حسب رأيكم، في فترته الثانية التي بدأت بعد تنصيبه؟
• هناك ثوابت في أولويات فخامة الرئيس تتعلق بمحاربة الفساد ومكافحة الإرهاب والاهتمام بالشرائح الاجتماعية الأقل حظا وتشييد البنى التحتية وتطوير وتنويع الاقتصاد الوطني، ينضاف إلى هذه الثوابت أولويات أخرى كمكافحة التفرقة العنصرية والفئوية داخل صفوف الشعب وتمكين الشباب والنساء.
○ تتهم المعارضة نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز بالفساد وتعطي أدلة على ذلك منها عدم تصريح الرئيس بممتلكاته: ما حقيقة الموقف من قضية الفساد؟
• لقد أشرت الى أجواء الحريات العامة الاستثنائية التي نعيشها اليوم في موريتانيا، بعد فترة من الحكم الاستبدادي دامت عقودا، فالمعارضة الراديكالية التي لم تستطع التعبير عن آرائها لفترة طويلة، تستغل اليوم الحرية استغلالا سيئا من خلال التهور الإعلامي لبعض رموزها، حيث تحاول تعويض العجز الانتخابي عن طريق خلق واقع إعلامي افتراضي لا يلامس الحقائق على الأرض ولا يقيم وزنا لنبض الشارع الموريتاني. وخلافا لما تروج له المعارضة الراديكالية، فإن رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز قد صرح بممتلكاته، سنة 2010، طبقا لما تقتضيه القوانين الموريتانية، فمن منظور القانون المحض، رئيس الجمهورية احترم كل الإجراءات شكلا ومضمونا. وإذا كانت هناك شخصية موريتانية واحدة يشهد لها الموريتانيون بالشجاعة والصدق في الوقوف في وجه الفساد فهو الرئيس الحالي، والأمثلة على هذه الشجاعة كثيرة ومعروفة… ولا أدل على ذلك من
المبالغ المالية التي استعادتها الدولة رسميا، عبر التفتيش المباشر للمؤسسات العمومية، حيث استرجعت الخزينة العامة ما مجموعه 1.500 مليون أوقية.
○ يتحدث البعض عن وجود اتصالات خفية بين النظام والمعارضة محركة من جهات خارجية مهتمة، قد تفضي لحل البرلمان وتنظيم انتخابات مسبقة يشارك فيها الجميع: هل أنتم على اطلاع على شيء في هذا الخصوص؟
• الحوار بين الأغلبية الرئاسية الداعمة لرئيس الجمهورية والمعارضة، متواصل ويتخذ أشكالا تمليها الفاعلية والمصلحة الوطنية، ولا أعتقد أن للجهات الخارجية دورا في هذا الحوار. أما بخصوص حل البرلمان وانتخابات سابقة لأوانها، فلا علم لي بهكذا مقترحات.
○ ألا تخشون أن تكون المعارضة، كما ألمح لذلك المنتدى، مقبلة على تطوير آليات عملها ضد النظام بما قد يربك المأمورية الثانية والأخيرة؟
• نحن بلد ديمقراطي حيث صوتت أغلبية ساحقة من الشعب الموريتاني لصالح سياسة معينة ونهج إصلاحي جربتهما خلال المأمورية المنصرمة، وليس بمقدور أي كان، سواء طور أساليبه أو أبقى عليها، أن يفرض على الشعب الموريتاني رؤية لا تقنعه. فالمعارضة الراديكالية الموريتانية «جربت» كل آليات العمل السياسي، حيث طالبت كتابيا بحوار وطني، سنة 2010، لتقاطعه رسميا بعد إقراره. واعتمدت شعارات «الرحيل» و»الربيع» والتظاهر في الشارع، ففشلت فشلا ذريعا. وعادت فشارك بعض أقطابها ( أحزاب «المعاهدة» وحزب «تواصل») في الانتخابات البلدية والتشريعية 2013، لتقاطع الانتخابات الرئاسية الموالية. فأرجوحة «الثورة» و»المقاطعة» أنهكت المعارضة الراديكالية شعبيا وسياسيا ومعنويا. واعتقادي أنه إذا لم يتم تغيير رموزها، فسيتواصل «سباتها الشتوي» الحالي، لعقود قادمة… فإذا كانت قد عجزت عن إرباك الحكومة، بعد «اتفاق داكار» مباشرة وأثناء المأمورية المنصرمة، فإنها لن تكون قادرة على عمل أي شيء يذكر خلال المأمورية الحالية.
○ ما هو تقييمكم للربيع العربي؟ وهل تعتقدون أن ناره انطفأت أم أنها تحت الرماد؟ وهل موريتانيا أصبحت في مأمن من ثورات هذا الربيع؟
• اعتقادي أن الربيع العربي فخ خطير روجت له أوساط خارج العالم العربي، منذ نكروبونتي ورفاقه وحتى الفيلسلوف الفرنسي برنار هنري ليفي، ووقعت في شراكه أوساط سياسية عربية غير محصنة فكريا أو أخلاقيا وسخرت له رافعات إعلامية مشبوهة، وساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في المهزلة، داخل مجتمع عربي يجهل عموما الثقافة الرقمية وقراءة ما بين سطور الخطاب السياسي الأجنبي، فحصلت الإنتكاسة: حروب أهلية طاحنة، غزو أجنبي مدمر، خراب اقتصادي وحضاري، تقويض دول بكاملها: كارثة بكل المقاييس… أما بخصوص موريتانيا، فأعتقد أن تجربة 2008-2009 وأجواء الحريات العامة التي تسود البلاد والنهج الإصلاحي الذي اعتمده الرئيس محمد ولد عبد العزيز ونضج الشعب الموريتاني، كفيلة بدرء أي «مفسدة» قد تقدم عليها عقول مريضة أو ساذجة، تماما كما حصل في الماضي.
○ هل تعتقدون أن موريتانيا تتوفر بالفعل على مقومات حقيقية للتعددية السياسية؟
• التعددية السياسية واقع معاش في موريتانيا، داخل غرفتي البرلمان، داخل المجالس البلدية على عموم التراب الوطني، في الإعلام وفي الشارع، إلا أن البعض يفهم هذه التعددية بأنها تعني تقاسم السلطة، وهذا فهم خاطئ. فصناديق الاقتراع تشكل المصدر الوحيد للسلطة في البلاد، إلا أن البعض لم يستوعب بعد هذه المعطاة الأولية… فتحسين الإطار الديمقراطي، يجب أن يشكل الشغل الشاغل للطبقة السياسية، كما هو الحال في أعرق الدول ديمقراطية.
○ قامت الداخلية الموريتانية مؤخرا بحل جمعية «المستقبل» الثقافية والعلمية المحسوبة على حزب «تواصل» الإسلامي، وفسر المراقبون ذلك بأنه استهداف للإخوان المسلمين في موريتانيا، وأن هذا الاستهداف ما زال مطروحا وأنه قد يصل لحل حزبهم ضمن تنسيق بهذا الشأن مع محور مصر والسعودية: هل من بيان عن هذه القضية؟
• لا أعتقد أن هناك استهدافا لأية جهة سياسية موريتانية، فحزب «تواصل» ينشط على عموم التراب الوطني، على غرار الأحزاب الوطنية الأخرى، وأحد قادته أصبح، مؤخرا، زعيما للمعارضة الديمقراطية خلفا لرئيس حزب سياسي معارض آخر، وبرلمانيوه يزاولون عملهم بحرية والحال نفسه بالنسبة لممثليه في المجالس البلدية. أما جمعية «المستقبل» فلا علاقة لها نظريا بالسياسة، إلا أنها كأي منظمة موريتانية ملزمة باحترام الترتيبات القانونية التي تضبط العمل الخيري في البلاد والمسطرة القانونية واضحة بهذا الخصوص. فحل جمعية لإعتبارات تتعلق بخروقات قانونية محضة لا يشكل استثناء إداريا يلزم توظيفه سياسيا. فخلط الأوراق ممارسة لا تخدم الديمقراطية ولا الشفافية.
○ تتحدث أوساط إعلامية مقربة من أوساط المعارضة عن إستمرار العلاقات بين موريتانيا وإسرائيل بطرق خاصة رغم أن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز قطعها: ما وجه الحقيقة في هذا الملف؟
• إنهم يتحدثون عن فساد أول رئيس موريتاني يعلن حربا مفتوحة على الفساد والمفسدين، ويتحدثون عن علاقة سرية بين الرئيس الذي قطع العلاقات الدبلوماسية المشينة مع إسرائيل والدولة العبرية، فحرية التعبير مصانة في موريتانيا … والقافلة تسير.