فى ظل خريطة ديمغرافية ومتغيرات دولية صعبة، تتسم بسيطرة تامة للقوى الأجنبية الاستعمارية وطموح طافح لقوى إقليمية إقصائية، تسعى اليوم دولة الإمارات العربية المتحدة جاهدة للبقاء فى المشهد كدولة فاعلة، يحسب لها حسابها فى المشهد السياسي والاقتصادي والاجتاعي؛
دولة الإمارات العربية حددت ملامح سياستها من خلال انتهاج سياسة الانفتاح والتحاور والتسامح سبيلا إلى خلق مناخ هادئ يلتقى فيه الجميع ويتم فيه التلاقى والتحاور وفق ءاليات تضمن مصالح الجميع وتسمح بالتعايش والاحترام، وتحول دون تغول القوى على الضعيف
هذه السياسة مكنت - حتى الآن - دولة الإمارات من الحضور بقوة فى سياسة الشرق الأوسعط، التى تتكالب عليها القوى الدولية والإقليمية والتى لا تريد للدول العربية أن يكون لها أبسط حضور، بل تريدها غنائم تقسمها بينها حسب نفوذ كل طرف.. غير أن دولة الإمارات التى تدرك جيدا صعوبة الوضع العربي المقسم والمنقسم على نفسه رفضت الخنوع وانتهجت سياسة الانفتاح ولم الشمل العربي من أجل أن يبقى أمل عربي فى الأفق يرفض التبعية لإيران عبر التشيع، ولتركيا عبر الأخونة، ولكل القوى الظلامية عبر أخطبوطاتها وأجنداتها الانغلاقية والتى لا تثمر سوى الموت والدمار.
ولمواجهة هذه التحديات ركزت دولة الإمارات فى المقام الأول على تنقية المشروع العقدي وتقديمه فى ثوب إصلاحي شمولي يأخذ فى الحسبان المصالح العليا للأمة وينبذ التعصب والغلو، ولتقنين هذا المشروع وتقديمه للعالم أعطت القوس باريها من خلال إسناد هذا المشروع العقدي لهيئة علمية تتكون من كبار علماء ومفكري الأمة الإسلامية برئاسة العلامة الشنقيطي الشيخ عبد الله ولد بيه فكانت نتائج حوار الأديان والتعايش السلمي محط إعجاب المجتمع الدولي بجميع على اختلاف ملله وتباين ءارائه ومعتقداته.
وقد أعطت نتائج هذا المشروع العقدي لدولة الإمارات سمعة دولية وقبولا فى المنتديات العالمية جعلتها فى مقدمة الدول الإسلامية المهيئة لتصدر العالم الإسلامي بعد أن دحضت الدعاية التى قامت على أساسها الثورة الإيرانية، وعرت مشروع الحركة الإخوانية التى تمتطيها القيادة التركية لاستعادة الدور العثماني فى المنطقة، وأظهرت أن الدين الإسلامي دين انفتاح وتحرر ويصلح لكل زمان ومكان، وليس دين مرجعية أو فئة.
أما على الصعيد العربي فقد اعتمدت دولة الإمارات مقاربة تقوم على لم شمل البيت الخليجي، ومد جسور التعاون المثمر مع مختلف الأقطار العربية شعوبا وحكومات، وتصحيح الأخطاء التى وقعت إبان ما عرف بالربيع العربي، سعيا إلى خلق مناخ يسمح ببناء الثقة بين الأنظمة العربية التى شتتها عواصف "الرببيع العربي" فى السنوات الأخيرة.
ولم تقف المقاربة الإماراتية عند هذا الحد بل تجاوزته لتشمل الدبلواماسية الثقافية والاقتصادية والاجتماعية فى جميع الدول العربية، حيث تم تعميم البيوت الشعرية ومراصد اللغة العربية، وتنظيم المهرجانات الثقافية وتكريم الشخصيات الثقافية والأدبية ... هذا بالنسبة للجانب الثقافي أما على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فقد مولت دولة الإمارات الكثير من المشاريع الاقتصادية وشيدت المستشفيات وبنت الفنادق الفاخرة فى شتى مدن وأرياف الوطن العربي. كما تدخلت بسخاء لإنقاذ اقتصادات الدول العربية الضعيفة إبان جائحة كوفيد19 وأقامت المستشفيات المتنقلة فيها، ووقفت مع الشعوب العربية والإسلامية فى ساعات المحن.
وفى بلدنا موريتانيا قدمت دولة الإمارات منذ زيارة سمو الأمير المؤسس الشيخ زايد بن سلطان ءال نهيان لنواكشوط أواسط سبعينيات القرن الماضى الكثير من التمويلات والخدمات الجليلة لبلادنا.. فقد اكتتبت ءالاف العمال قضاة وباحثين وأساتذة وشرطة... كما مولت بسخاء مشاريع تنموية هامة وشيدت المستشفيات ودعمت الثقافة والتعليم، وكانت خير سند لنا فى مواجهة الجماعات الإرهابية والقوى الظلامية التى زعزعت استقرارنا فى العقد الأخير.
ومما يميز سياسة دولة الإمارات أنها تقدم خدماتها مجانا ولم تتحيز إلى فئة لا عرقية ولا عقدية ولم تسع للتدخل فى الشأن الداخلي.
ومهما يكن فإن سياسة دولة الإمارات الانفتاحية قد لا تكون محل رضى الجميع خصوصا لدى بعض القوى الشعبية الغير معنية بالإكراهات الرسمية لكنها فى أغلبها (أي سياسة الانفتاح) تبقى جديرة بالدراسة والمناقشة بالنسبة للقوى القومية التقدمية علما بأن كلا الطرفين (الإمارات والقوى القومية ) يتقاسمان جميع الأهداف ويواجهان نفس التحديات، ولا شيئ يحول دون القتائهما خدمة للمصالح العليا للأمة.. فهل سيدركان حاجة كل منهما لجهود الأخر ويتكاتفان من أجل رفع التحدى؟؟؟