الفساد الإداري والمالي ظاهرة تنخر جسم الدولة الموريتانية خاصة منذ تولي العسكر زمام الأمور سنة 1978م، وقد عشعش في مفاصل الدولة وفي أجهزتها المختلفة؛ وهذا ما أدى إلى نهب الثروات الوطنية(الحديد، الذهب، النحاس، السمك، الثروة الحيوانية والمائية...) وجعل 80% من المواطنين تحت عتبة خط الفقر .. وكل رئيس قعد على كرسي الرئاسة يعلن القيام بإصلاحات في مقدمتها مكافحة الفساد، وهذا الرئيس الحالي(ولد الشيخ الغزواني) أعلن في مستهل مأموريته الأولى أنه لن يكون ظهيرا للمفسدين، وقطع خطوة مهمة في هذا السبيل، وتتمثل في تقديم بعض رموز الفساد للمحاكمة مؤخرا، وعلى رأس القائمة الرئيس السابق للبلد محمد ولد عبد العزيز.
.
.
ورغم تحفظ بعض المواطنين على هذه الخطوة بالنظر إلى تمسك الرئيس ببعض المفسدين في مناصب عليا، واعتبار البعض الآخر أن العملية مجرد مسرحية محكمة التمثيل.. رغم ذلك كله؛ فإن هذه الخطوة سابقة قضائية وخطوة مهمة في سبيل مكافحة الفساد والمفسدين .. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا الصدد: ما السبب في تفشي ظاهرة الفساد في موريتانيا؟
إن السبب في الفساد الإداري والمالي في موريتانيا يعود إلى سبب رئيسي هو:
غياب مفهوم الدولة لدى مسيري الشأن العام الوطني، فالمسؤول أيا كان إذا تولى مسؤولية عمومية لا يدرك أن الدولة مؤسسة اجتماعية سياسية عمومية خدمية.. تضمن للمواطنين حقوقهم في الأمن النفسي والصحي والغذائي والثقافي والاجتماعي ..
فالمسؤولون في أغلبهم يعانون مما يسمى "الأمية الوظيفية" وكل واحد منهم يعتقد أن المال العام ملك له يتصرف فيه كيف شاء، ويحتال عليه بشتى الوسائل.. ولا يؤمن إطلاقا بالوطن والمواطن..
فمتى نقضي على الفساد في بلادنا الغنية بالثروات الاقتصادية حتى يسود الرخاء مجتمعنا الفقير في أغلبه؟
إذا كان رئيس الجمهورية الحالي(محمد ولد الشيخ الغزواني) جادا في تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين، ومكافحة الفساد وخلاياه؛ فإن عليه أن يتخذ جملة من الإجراءات في مقدمتها:
1) إعادة الاعتبار للدولة كمؤسسة اجتماعية تسهر على أمن المواطنين وممتلكاتهم، وتحميهم، وتدافع عن مصالحهم في الداخل والخارج؛ ومن ثم ترسيخ مفهوم الدولة من خلال الحملات الإعلامية وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية بشكل فعال حتى يشعر المواطن بالحماية من الدولة ولا يحتاج إلى الاحتماء بالقبيلة أو الجهة ..
2) تطهير الإدارة من المفسدين وأعوانهم .
3) تطبيق مبدأ "من أين لك هذا؟" كقاعدة في تسيير الشؤون العامة .
4) اختيار المسؤولين على أساس الكفاءة والأمانة والنزاهة وخدمة الوطن وتطبيق مبدأ المكافأة والعقوبة بشكل صارم على الجميع بدون تمييز .
5) تقوية أجهزة الدولة العسكرية والمدنية بالكادر البشري المؤهل علميا ومهنيا لمهامه المسندة إليه، والمسلح بالقوانين والنظم الصارمة التي لا يمكن اختراقها تحت أي طائل كان.. حتى تكتسب الدولة المصداقية وتستعيد هيبتها المسلوبة من قبل المفسدين والأميين الجهلة .
6) وعي كافة أفراد المجتمع بأهمية الدولة في ضمان الحياة الكريمة وتأمين المستقبل .
7) إصلاح النظام التربوي انطلاقا من ثوابت المجتمع الوطنية والثقافية والحضارية، واعتمادا على متطلبات التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة .
8) تفعيل دور القضاء في توفير الأمن ورفع المظالم بإنزال العقوبات الرادعة بكل شخص صدر منه ما يهدد أمن وسلامة الوطن والمواطن .
9) تخصيص دعم مستمر من قبل الدولة للمواد الاستهلاكية الضرورية(اللبن، القمح، السكر، الأرز، الزيوت) حتى تكون في متناول المهمشين والفقراء ..
10) الحد من التبعية الاقتصادية للمؤسسات الاستعمارية الدولية كالبنك الدولي، من خلال تطوير الصناعة في البلد؛ وذلك من أجل الحفاظ على سيادة الدولة وكرامتها ؛ مما يمنحها كامل الحرية في اتخاذ قرارها السياسي الوطني .
________________
الأستاذ: أحمدو سالم بن المصطفى
انواكشوط؛ بتاريخ: 16 مارس 2021م