أعزاءنا القراء نعيد لكم اليوم نشر آخر مقابلة أجراها المرحوم بإذن الله أحمد فال ولد أحمدو الخديم مع وسيلة إعلامية. أجرتها معه وكالة الرائد بتاريخ 20 يوليو 2020 وتمحورت أسئلتها حول إصلاح التعليم المرتقب، وضرورة تبوؤ اللغة العربية مكانتها فيه.
المقابلة كانت بعنوان: "الباحث أحمد فال الخديم: فشل التعليم عائد إلى الاعتماد على اللغة الأجنبية بدل اللغة الأم"
.أجرت وكالة الرائد الإخبارية مقابلة مع الأستاذ الباحث أحمد فال ولد أحمدو الخديم أحد المهتمين بالنظام التربوي، تناولت موضوع إصلاح التعليم المرتقب، وما يعانيه النظام التربوي فى بلادنا من فشل وتراجع فى جميع مستوياته.
الأستاذ أحمد فال رد على جميع أسئلتنا واستشكالاتنا بكل وضوح وأريحية فكان الحوار التالى:
س 1- يجري الحديث هذه الأيام عن إصلاح جديد للتعليم هل لديكم معلومات عن طبيعته وما ذا ينتظر منه ؟
ج : للأسف ليست لدي معلومات مؤكدة عن طبيعة الإصلاح المرتقب ، وحسب ما يتسرب من القرائن فإنه لن يبتعد كثيرا عن نمط الإصلاحات السابقة .
أما ما ينتظر منه فإن المجموعة الوطنية تتوق وتتشوف لحدوث إصلاح جذري شامل تأخذ فيه اللغة العربية واللغات الوطنية مكانتها الدستورية ، ويتم فيها تجاوز الإصلاحات السابقة التي جاءت كلها لدعم مكانة اللغة الفرنسية إن لم يكن بالمقدمات فبالنتائج .
س 2- موريتانيا تراجعت في السنوات الأخيرة من الرتبة الثانية إلى الأخيرة في دول الجوار ما هو سبب ذلك ؟
ج : يعود تدني مستويات التعليم في بلادنا إلى عدة عوامل أهمها في نظري :
1- الاعتماد على اللغة الأجنبية بدل لغة الأم .
2- عدم ملاءمة المناهج المتبعة مع واقع البلد الثقافي والاجتماعي .
3- ضعف تأهيل المدرسين والمؤطرين .
4- ضعف أداء أجهزة الرقابة والمتابعة .
5- غياب دور وكلاء التلاميذ .
6- ضعف البنى التحتية وندرة الوسائل التربوية .
7-.ما يعانيه المدرسون من امتهان للكرامة وغياب للتكوين المستمر وتدنٍّ للإمكانيات المادية التي يحصلون عليها من رواتب وعلاوات وغيرها .
8-عزوف التلاميذ عن التحصيل اتكالا على عدم فاعلية المراقبين، واعتمادا على الغش في الامتحانات .
س 3 - ألا ترون أن مخرجات منتديات التعليم 2013 يمكن أن تشكل لبنة قوية لأي إصلاح جديد ؟
ج : بالفعل نرى أن مخرجات منتديات التربية والتكوين 2013 تشكل لبنة أساسية – بل وضرورية – لأي إصلاح جديد فقد انعقدت هذه المنتديات في جو سادته روح الجدية والبحث عن أنجع الطرق لإصلاح التعليم ، وصدرت عنها توصيات هامة من أبرزها ضمان التعليم باللغات الأم على جميع مستويات النظام التربوي وبالأخص في مراحل التعليم القاعدي ذي السنوات التسع .
ونرى في نفس الوقت أن أي خروج أو تجاوز لهذه النتائج هو انحراف عن النهج السليم الذي يتمثل في الاعتماد على ما تم إنجازه والتمسك بجوهره مع إمكانية تحيينه أو إجراء بعض الإضافات عليه وهذا ما نتمنى أن يتبناه القائمون على مشروع الإصلاح الجديد.
س 4 – ما هي أهم عوائق التعليم في بلادنا ؟
ج - لُغَةُ التدريس .
س 5 - هل ترون أن النظام الحالي جاد في إصلاح النظام التربوي بالشكل المطلوب ؟
ج :نعتقد استنادا إلى حسن الظن أن النظام جاد في إصلاح النظام التربوي طبقا لتعهدات فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني في برنامجه الإنتخابي ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل سينجح النظام وإرادته السياسية في التغلب على إرادة الدولة الفرنسية وأتباعها من افرنكفونيين "البضان بالخصوص" ؛ فقد أثبتت التجارب السابقة أنه كلما حصل شبه تقدم لصالح العربية في جانب أو أكثر من جوانب مسار التعليم عندنا ؛ تدخلت مصالح الدولة الفرنسية وأتباعها من البيضان خصوصا "أكررها" لصرفه عن تلك الوجهة .
ومن أبر ز أمثلة ذلك - لمن عنده ذاكرة - أن النظام الصادر بتاريخ 18 – 10 – 1979 الذي أقر البولارية والسوننكية والولفية كلغات وطنية ، وبَدْءَ العمل على كتابتها ؛ اقرأوا جيدا : "كان من المقرر أن يمتد العمل به من 1979 على أن تبدأ المرحلة الثانية من 1986 حيث تصبح اللغة العربية هي اللغة الأولى رسميا وتحل اللغات الوطنية محل اللغة الثانية " نهاية الاستشهاد .
ما ذا حدث ؟
كلنا يتذكر مسلسل ما سمي "مشروع دعم وتطوير النظام التربوي الموريتاني المعروف اختصارا باسم "B A R S E M" الذي بدأ في عام 1991 واستمر إلى نهاية عام 1998 ، وحل محله مشروع تعزيز وتحديث النظام التربوي الموريتاني المعروف اختصارا باسم :
C R E S E M والمشروعان ممولان من بعثة التعاون الفرنسي M C F في بلادنا .
وقد استمر الأخير حتى 2002 حين استبدل بمشروع دعم الإصلاح التربوي المعروف اختصارا باسم A R S E M (طبعا إصلاح 1999 الذي جسد الإرادة الفرنسية في إقصاء اللغة العربية واللغات الوطنية وإحلال الفرنسية محلها) .
ومع أن الهدف المعلن لمسلسل "ابارسم" من 91 – 98 لم يكن المساس بمكانة اللغة العربية ولا رفع مكانة الفرنسية في الظاهر، إلا أنه كان بمثابة الدراسة والسبر المتأني لمسار التعليم العربي في سبيل الوقوف في وجهه لاحقا ، وهو ما أظهرته النتائج : إصلاح 99 ، واعتماد مقاربة الكفايات المجهولة ، ومشروع دعم الإصلاح التربوي "a r c e m" الآنف الذكر ، فلم يكن مسلسل "بارسم" في حقيقته إلا تمهيدا غير معلن لإيقاف المسار الآئل إلى توطيد مكانة اللغة العربية وكتابة اللغات الوطنية .
كما أننا نتذكر القرارات الصادرة في حدود سنة 2007 بتسريح مئات المعلمين وأساتذة المواد العلمية العربية ، وإحلال أساتذة فرنسيين أشباه أميين محلهم، والاعتماد بعد ذلك على ما يعرف بمقدمي خدمات التعليم العديمي الخبرة والتكوين.
وأخيرا وليس آخرا الالتفاف على نتائج المنتديات العامة للتربية والتكوين 2003 والتي كانت ستكون لو طبقت حينها خطوة مهمة في سبيل إصلاح التعليم.
س 6- هناك من يتحدث عن تعامل الدولة مع مكاتب خبرة بعضها أجنبي هل هذا صحيح ؟
ج : لا أستطيع أن أجزم بصحة أو عدم صحة ما يتحدثون عنه في هذا الجانب.
لقد بلغني فعلا – والخبر محتمل للصدق والكذب – أن المصالح المختصة تتعامل مع جهات بعضها أجنبي في شأن هذا الإصلاح ، فإن صح ذلك فمعناه الاستمرار في النهج التغريبي الذي كان سائدا ، والسير قدما في سبيل محو اللغة العربية واللغات الوطنية من نظامنا التربوي كما تريد فرنسا .
من جهة أخرى قرأت في بعض وسائل التواصل الاجتماعي مقالا مفاده أن هذه الجهات تشترط على المكاتب التي تتعامل معها في هذا الموضوع أن تكون تقاريرها مكتوبة بالفرنسية ، والعلم عند الله .
س 7- ألا ترون أن تدريس المواد العلمية بلغة الأم أفضل من تدريسها باللغات الأجنبية ؟
ج : نعم لقد أثبتت جميع التجارب الكونية أن التعليم بلغة الأم هو أقوى ضمان لتحقيق جودة التعليم كما أظهرت أن جميع دول العالم بدون استثناء تدرس المواد العلمية بلغاتها الوطنية ، وهو أمر يدركه الجميع بما فيهم كافة المسئولين الوطنيين عن التعليم ، فهل سيعملون بمقتضاه أو يتجاهلونه؟
ونورد هنا أن من أبرز مزايا تعليم المواد العلمية بلغة الأم مقارنة بغيرها زيادة سرعة القراءة بـ 43% وقدرة الاستيعاب بـ 15% مع زيادة المشاركة أثناء المحاضرات وزيادةٍ في نسبة التحصيل العلمي ب 66% ، والسبب واضح لأن تفهم الطالب للغة المحاضرة وشرحها يعفيه من بذل مجهود مضاعف ينصرف نصفه لفهم اللغة والتعرف على المفردات الصعبة الأجنبية ، وينصرف النصف الآخر من الجهد لاستيعاب المادة العلمية نفسها .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكالة الرائد: نشكركم .
أجرى الحوار أفلواط/ الداهى