يشكل التعليم مكونا مهما في تطور و ازدهار الشعوب، فتحقيق تعليم نوعي هو رهان التطلع نحو الإقلاع الحضاري. و قدا أجمعت الدراسات التي تناولت النظام التربوي الموريتاني على إخفاقه في تحقيق الأهداف المنشودة، مثل تعميم التمدرس وتكافؤ الفرص و الاستفادة من تعليم عصري يتسم بالجودة و يستجيب لحاجات سوق العمل.
.و هذا ما جعل الأنظمة السياسية المتعاقبة على هذه البلاد تبقى مشغولة بالبحث عن سبل لعلاجه. فمنذ بدايات الاستقلال و محاولات إصلاح النظام التربوي متواصلة. و قد كانت إصلاحات 1967- 1973 – 1979- 1999،أهمها لكن ظروفا كانت تقف دون أدائها عملها. فما العوامل التي عرقلت هذه الإصلاحات؟ و ما الحلول التي يمكن اقتراحها اليوم؟
و من أجل المساهمة في إصلاح النظام التربوي الوطني قامت مجموعة " المثقفون" المكونة من ساسة و مختصين تربويين و باحثين بتشخيص هذا النظام التربوي سعيا إلى الوقوف على مواطن الداء و وضع "معالم على الطريق" للنهوض به. و قد عينت المجموعة لجنة لنقاش جدول الأعمال:
• تقديم ورقة تحدد الخطوط العريضة لوضع تصور يسهم في إصلاح النظام التربوي الموريتاني
• وضع معالم على الطريق لتنظيم المداخلات
• تحديد الفترة الزمنية لإنهاء النقاش و صياغة أهم ما تم الاتفاق عليه و تقديمه للمجموعة العامة بغية وضع اللمسات الأخيرة.
و قد التأمت اللجنة تحت إشراف الدكتور سيدي عبد الله ولد المحبوب رئيسا و عضوية كل من:
1. ابوه ولد محمدن ولد بلبلاه
2. المصطفى ولد أحمد ولد معاوية
3. أم المؤمنين بنت محمد المامي
4. التلميدي ولد أحمد سيدي
و بعد مداولات اللجنة اقترحت ما يلي:
العنوان العام:
النظام التربوي في موريتانيا:
مساهمة في التشخيص والعلاج
القضايا المقترحة للنقاش:
1. صياغة الغايات و الأهداف
2. التعليم:
• البرامج
• طرائق التدريس
• لغة التدريس
• التقويم و الامتحانات
• الكتاب المدرسي و الوسائل الديدكتيكية.
3. ظروف التدريس:
• المدرس و مشاكله
• التلميذ و مشاكله
• البنى التحتية
4. الحكامة: أية طريقة لتسيير النظام التربوي الموريتاني و من المسؤول؟
• من المسير : الفاعلون السياسيون و الشركاء في الحقل التربوي؟
• طبيعة النظام التربوي: المركزية أو اللامركزية
1. النقاش: يكون حسب مراحل ثلاثة:
المرحلة الأولى : متدخلون رئيسيون يتناولون الموضوع كل حسب طريقته و هم :
• محمد فال ولد بلال
• محمد ولد خباز
• المختار ولد محمد موسى
• المختار ولد الجيلاني
المرحلة الثانية
المعقبون يتناولون القضايا المثارة من طرف الجماعة الأولى بالنقاش و التعليق و هم:
• محمدو الناجي ولد محمد أحمد
• ديالو يايا ييرو
• محمد الحافظ ولد حمان
• محمد عمر ولد الشيخ سيدي
• الشيخ ولد معط
المرحلة الثالثة
فتح النقاش للكل لإثراء الموضوع و إضاءة مختلف جوانبه
2. الصياغة
يعلق النقاش لتشرع لجنة في صياغة مسودة. و بعد الانتهاء ترد إلى المجموعة العامة لوضع اللمسات الأخيرة حول العمل.
النظام التربوي في موريتانيا:
مساهمة في التشخيص والعلاج
مقدمة:
يتميز النظام التربوي الموريتاني بسمتين أساسيتين:
الأولى كونه يستلهم الإسلام و يستمد منه قيمه الأساسية
الثانية أنه يقفو النظام الفرنسي ويتخذ منه بعض مناهجه. و لذلك فهو نظام يقوم على ثنائية ضدية، قد يختلف طرفاها و قد يتكاملان. فهو من جهة يستمد بعض أصالته من المحاظر و من جهة أخرى يستأنس بنظام يتسم بخلفية علمانية غربية.
ومنذ نشأة الدولة الحديثة، مع طلائع الاستقلال، وهو محكوم بمركزية مطلقة، تجعل كل القرارات تصدر من أعلى الهرم، و في الفترة نفسها ظلت الأنظمة السياسية المتعاقبة على هذا البلد تقدم رجلا و تؤخر أخرى سعيا إلى إصلاح هذا النظام بتقديم الحلول الناجعة و تلافي أسباب الخلل و التأهيل للاستجابة للتحديات الجديدة. فقد عرف هذا النظام منذ ما قبل الاستقلال وحتى 1999 ما يربو على أربعة إصلاحات كان أهمها 1967 ـ 1973 ـ 1979 ـ 1999.
والمتأمل في واقع هذا النظام التربوي يلاحظ أنه يواجه تحديات كبرى أهمها:
1- ضرورة المواءمة على مستوى التعليم الأساسي والثانوي بين مطلبين يخضعان لمنطقين مختلفين: ـ توسيع طاقة الولوج من أجل تحقيق تعليم قاعدي للجميع ـ الرفع من مستوى الجودة عبر توفير تعليم جيد وأفضل (وهذا يعني الجمع بين الكم الذي يقتضيه المطلب الأول والكيف الذي تستدعيه الضرورة الثانية).
2- التحدي الثاني يتمثل في ضرورة تكييف التعليم ما بعد القاعدي (التعليم الثانوي في مرحلته الثانية) مع مطلب مزدوج هو تلبية رغبة الوكلاء في وجود مدرسة تحقق لأولادهم فرصة للدراسة الجيدة لنيل أكبر الشهادات و الاستفادة من مختلف التخصصات إلى جانب الاستجابة لحاجات الاقتصاد من اليد العاملة المؤهلة التي تشكل الوظائف الوسيطة على مستوى القطاع غير المصنف.
3- التحدي الثالث هو ضرورة توفير الموارد البشرية والمادية التي يلزم توفيرها وتعبئتها لتحقيق هذه الغايات.
وانطلاقا من كون النظام التربوي هو القطاع الحيوي، الذي يجب أن يجسم خيارات المجتمع ويحقق طموحاته، وانطلاقا من كون مستقبله أصبح موضع شك وتساؤل ومبعث قلق متزايد بالنظر إلى الأخطار التي تترصده بينما كان في السابق محل احترام و كان المشرفون عليه محل تقدير من طرف الجميع. انطلاقا من هذا كله أصبح لزاما على القوى السياسية و الاجتماعية تحمل مسؤوليتها للتصدي بشجاعة للتحديات القائمة اليوم في وجه النظام التربوي. و بذل قصارى الجهد لتلبية مطالب الأجيال الناشئة في مجال التنمية والحرية والكرامة.
وقد حرصت مجموعة "المثقفون" على تقديم مساهمتها في التفكير القائم حاليا في بلادنا حول أزمة هذا النظام والوسائل الكفيلة للخروج منها، مركزة على المحاور التالية: الغايات والأهداف، التعليم، ظروف التدريس، الحكامة
و هي مساهمة تطبعها الموضوعية و الشفقة في كشف مواطن الخلل و في تصور العلاج بعيدا عن التجاذبات السياسية والعرقية. و ذلك من خلال المحاور التالية:
المحور الأول صياغة الغايات والأهداف
حددت اليونسكو أربعة أهداف للتعلم: فالإنسان يتعلم ليعلم، ليعمل، ليكون وليتعايش.
و الناظر في نظامنا التربوي يتبين له شبه إجماع على حاجته إلى تحديد الغايات المنشودة من العملية التربوية لغياب إطار شمولي يلم شتات المجهود التعليمي المقام به.
و غياب هذه الغايات كان له الأثر السلبي على مواءمة البرامج للمقتضيات الجديدة وتكييفها مع حاجات سوق العمل.
الغايات
ضمان تعليم جيد منصف وشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة لبناء إنسان، موريتاني، متشبث بالدين الإسلامي، مؤمن بهويته، مستوعب لعلوم عصره قادر على الاندماج في المسار الاقتصادي و الاجتماعي و التكنولوجي، مؤمن بمبادئ الديمقراطية و حقوق الإنسان متصالح مع ذاته متسامح و منفتح على الآخر.
الأهداف
• ترسيخ القيم الإسلامية في عقل ووجدان التلميذ
• إرساء مناخ ملائم لتنمية شخصية التلميذ و الانخراط ضمن الحياة الاجتماعية بسهولة
• تقويم سلوك التلميذ و التصدي للظواهر السلوكية المنافية لقواعد التعايش السلمي
• تعميق الهوية الموريتانية و الإيمان بالدفاع عن الوطن و حوزته و كرامته
• ترسيخ قيم الديمقراطية و الانفتاح على الآخر و احترامه
المحور الثاني التعليم
البرامج:
تمتاز البرامج المعمول بها حتى إصلاح 1999 بشيء من الارتجال حين إرادة المراجعة و الإصلاح. فهي:
لذلك يتعين إدخال بعض الإصلاحات من أهمها:
• التحيين المتواصل استجابة للتحولات المطردة و انسجاما مع الأهداف و الغايات
• إضافة مادة تسمى مادة القرآن الكريم في المرحلتين الأساسية والإعدادية إلى جانب مادة التربية الإسلامية
• توجيه البرامج إلى البناء الفكري للمتعلم وتنمية مهارات الملاحظة والتحليل لديه والاستدلال والتفكير العلمي.
• إعادة النظر في تدبير الزمن الدراسي والتخفيف من كثافة البرامج وكثرة المواد المدرسة.
• إنشاء لجنة وطنية لمتابعة المناهج و اقتراحات تحديثها باستمرار.
طرائق التدريس
لا يزال التلقين أسلوب التدريس الشائع في كل مراحل التعليم. فرغم دوره في تنشيط الذاكرة وتعزيز القدرة على الحفظ والاستظهار و المساعدة في تدريس مواد معينة، فإنه بالتعميم يصبح معيقا للتفكير ومميتا للإبداع كما يتعارض إلى حد بعيد مع الهدف المتعلق ببناء العقول المنفتحة والمبدعة والمنتجة. و رغم اعتماد مقاربة الكفايات بطريقة غير رسمية فإن تطبيقها تعرقله صعوبات منها كونها:
- أدخلت دون تمهيد ولا حتى تعميم رسمي يجيز توظيفها
- لم يتم التعرف عليها في جذورها وغاياتها
- لم يكون المؤطرون عليها بما فيه الكفاية.
- لم تخضع للتجريب لبيان مدى فعاليتها
- لم يتم إعداد كتب مدرسية ولا معدات ديدكتيكية عليها
و لهذا يجب تحديث طرائق التدريس و تحيينها باستمرار لتطوير مهارات التعلم و إشراك الطالب في بناء المعارف واكتساب المهارات ومسايرة الركب الحضاري مع القيام بدورات لتأهيل المدرسين و توظيف تكنولوجيا الإعلام و الاتصال.
لغة التدريس
ثمة إجماع عالمي على أن اعتبار اللغة الأم في التدريس أقرب الطرق لاستيعاب العلوم والمعارف وتخريج أجيال قادرة على الإسهام في التطور. و هو أمر لا يتعارض مع مطلب تدريس اللغات العالمية كأداة مساعدة على تطوير البحث العلمي والانفتاح على المجتمع العلمي. ولكنه ليس مبررا كافيا لأن يصبح تعلم اللغات الأجنبية في حد ذاته هدفا رئيسا للتعلم، بله أن تحل محل لغة وطنية، وهو أمر أخطر من جهلها. وبناء على هذا يجب:
• اعتماد لغة وطنية موحدة لغة للتدريس فهي عامل حاسم في تحقيق الانصهار الاجتماعي، وتوحيد الشعور الوطني، وبناء أرضية صلبة لنمو الفرد و المجتمع.
• اللغة العربية هي اللغة الوطنية المؤهلة لأن تكون لغة التدريس الموحدة في مختلف المراحل التعليمية، بحكم بنيتها كلغة عالمية، وبوصفها اللغة الرسمية للبلاد، ولغة القرآن الكريم، ومطلبا شعبيا ملحا.
• الاستفادة من اللغات العالمية بالاختيار بين لغتين -على الأقل- يتم الشروع في تعلمهما بدءا من السنة الأولى من المرحلة الإعدادية.
• العمل على تطوير اللغات البولارية والسوننكية و الولفية حتى تستوفي الشروط الألسنية الضرورية التي تؤهلها للترسيم، وجعل الشعب بمختلف تشكيلاته يتعامل - ولو شفهيا- بكل اللغات الوطنية حتى يتحقق التواصل الاجتماعي.
• افتتاح كلية للألسن لتخريج كفاءات وطنية قادرة على سد احتياجات البلاد في مجالات الترجمة وتدريس اللغات وتطوير البحث اللغوي.
التقويم والامتحانات
لأسلوب التقويم المتبع لقياس مدى استيعاب التلميذ، في نظامنا التربوي، لمضامين المقررات و اكتساب مهارات جديدة طريقتان: تقويم شفهي وتقويم كتابي و كلاهما استرجاعي. و مع أهميته فإنه يعاني بعض الصعوبات منها:
• أن التقويم ليس مادة يتدرب عليها المدرس خلال فترة التمهين الأولي أو التكوين المستمر
• صياغة أسئلة التقويم في واد والأهداف في آخر
• التأثر بالعوامل الذاتية
• الاقتصار على نمط واحد (الأسئلة والأجوبة الاسترجاعية )
• انتشار ظاهرة الغش في جميع المراحل.
• فوضى في عمل أغلب لجان الامتحانات (تسرب أرقام التوهيم، السرعة في التصحيح رغبة في إنهاء العمل، عدم الاهتمام بالتصحيح النموذجي المتفق عليه).
و بناء على هذه النواقص يستحسن ما يلي:
الكتاب المدرسي والوسائل الديدكتيكية
رغم أهمية الكتاب المدرسي والوسائل الديدكتيكية في تهذيب،الطفل وتنشئته الاجتماعية وإسهامها في ترسيخ أشكال التعلم المدرسية فإن الكتاب المدرسي لا يتلاءم مع البرامج ولا مستويات التلاميذ، كما أن التأليف في هذا المجال لا يزال يفتقر لكثير من الشروط منها:
لذلك لابد من مجموعة من الشروط لبلوغ أدنى المرام:
المحور الثالث ظروف التدريس
يعتبر المدرس حجر الزاوية في إنجاح العملية التربوية. غير أن نظامنا التعليمي يعاني النقص الحاد فى الموارد البشرية و تدني مستوى تأهيل المدرسين في المرحلتين الأساسية والثانوية لاسيما في مجال اللغات والمواد العلمية المدرسة بلغة أجنبية وعدم ملاءمة التكوين الأولي والتكوين المستمر لسياق الازدواجية الذي فرضه إصلاح 1999.
فهناك شبه إجماع على أن الصيغ المعتمدة في الاكتتاب إلى حد الآن لا تستجيب للمقتضيات الراهنة والمعايير الدولية المطلوبة لممارسة مهنة التدريس. حيث لم تستقر بعد رؤية النظام التربوي على فلسفة واضحة وناجعة في الاكتتاب. فحينا يتم اكتتاب مجموعة لتتدرب في المدارس المهنية المعدة لتلك الغاية وحينا آخر تعتمد الطريقة المباشرة.
هذا الضعف الواضح في الأداء يرافقه بل و يعززه تدني الراتب. فالرواتب معدة منذ الاستقلال و لم تتم مراجعتها بصورة جادة إلا مرة واحدة و دون النظر في ظروف السكن والصحة و الضمانات العائلية.مما قد يدفع بعض المدرسين تحت وطأة الظروف الاقتصادية إلى البحث عن عمل مواز قد يبتعد به كثيرا عن مجالات المعرفة و رسالاتها.
و لتصحيح هذه الوضعية لابد من توفر الشروط التالية:
• اعتماد التكوين كأحد المعايير اللازمة لممارسة مهنة التدريس و التركيز على اللغة في التكوين الأولي و التكوين المستمر.
• تحسين المستوى المادي و المعنوي و الصحي للمدرس وحصوله على حقوقه العادلة في الترقية والتحويل و تفعيل القوانين المتعلقة بالتحفيز والترقية واعتبار العلامة السنوية ( التربوية و الإدارية ) في التحويل والترقية واعتماد التكوين كأحد مقاييس الارتقاء المهني.
• توفير الظروف الملائمة للعمل من بنى تحتية و معدات ديدكتيكية
• اعتماد معايير شفافة و موضوعية في تحويل المدرسين.
على مستوى التكوين :
ينبغي إعداد خطة للتكوين الأولي تستجيب لمتطلبات التكوين المنشود، بحيث تضمن تخريج مدرسين مهنيين قادرين على القيام بالمهمة على أحسن وجه و تنطلق من:
2- ظروف التلميذ
ليست الظروف التي يعيشها التلميذ ملائمة سواء على مستوى العيش والسكن و الصحة أو على المستوى التعليمي. فبالإضافة إلى التفاوت في الظروف بمختلف أنواعها نلاحظ ما يلي:
و للمساهمة في حلحلة هذه الظروف يجب توفر مجموعة من الشروط تحسن مستوى التلميذ المادي وتشجعه على مواصلة الدراسة منها:
3- البنى التحتية:
تعود صعوبة العمل في أغلب المدارس إلى ضعف البنية التحتية ورداءة التجهيزات التربوية إن وجدت و غياب الوسائل التعليمية الضرورية. فمن أهم ما يميز المباني المدرسية ما يلي:
و بناء على هذا يجب: