نواكشوط- "العرب اليوم"- من الشيخ بكاي - الشاعر والأديب والسياسي الموريتاني ناجي محمد الامام شخصية موريتانية بارزة في البلد ومعروفة في عالم عربي أطلق عليه بعض أدبائه "متنبي موريتانيا".. كتب الشعر ومارس السياسة وخبر المعتقلات والمنافي..
.في هذا الحوار تحدث ناجي إلى "العرب اليوم" حول الأدب والسياسة و"ثقافة السلطة" و"السلطة والثقافة"، وعن علاقاته بالأحزاب الحاكمة، ونظرته إلى الساحة الثقافية والأدب في بلاده..
نص الحوار:
من أنت ؟
- كاتب يحاول أن يكتب بشكل مختلف للناس عن الناس والعدل والحب يمارس الحلم اليقظ بالثورة والوحدة العربية و الخبز والدفاتر الملونة والملابس الجديدة لأطفال البسطاء..
أخوض منذ ثلاثين سنة تجربة استصحاب واستبطان جملة من الرؤى التي تريد للثقافة أن تكون تعبيرا عن الحضارة الإنسية المكتملة أي هذا السلك الناظم
الذي يبدأ بطريقة إمساك الصبية الفرنسية بالملعقة عندما تحرك مكعب السكر في الفنجان. والحركة المتوارثة لرد البيضانية "طرفها" لستر خصلات مرسلة عَمدا من غرتها الأثيثة وهي "ترد" بخفر على" سلام" مختزل؛ ولاينتهي بلوحة بيكاسو عن "الغرنيقة" بل يتجاوزها إلى طقوس "البانتو" و رقص دراويش مولانا الرومي وشاهنامة الفردوسي و عمارة "الأينكا" وأنصاب حمَير و"تيدنيت" أهل آوليل و أبتهالات كهنة الطاوية أمام معبد السلام السماوي".
- كيف تنظر إلى الساحة الثقافية في العالم العربي وفي بلدك؟
الساحة الثقافية العربية بلقع بعد سقوط بغداد وخراب طرابلس و حصار دمشق واصفرار عشب تونس وتكلس القاهرة..
أما في بلاد "اللون الباهت" (موريتانيا) فلا ساحة ولا ميدان لأن الذي كان فيه الشعر يسمى الزرائب، وانتهت مع حرائق القيم التي اندلعت في "أسباب " وأوتاد الخيمة وبقي "الرثاء" لحالنا.. و"التأويل"..
ما هي في رأيك علاقة الثقافة بالسلطة، والعكس؟
الثقافة والسلطة:
لم أعرف منذ وعيت علاقة بين الاثنين فقد ظلت السلطة تمارس تسلطها والثقافة تلعق ما بقي من حذائها إلى أن أكلتْ بثديها وتلاشت من حيث هي قيمة، و بقي اسم يطلق على كل عاهة مستديمة لانتفاء الحاجة إلى تحديد ماهيته.
السلطة والثقافة:
في العالم الثالث للسلطة مع الثقافة مقاربتان: أوسعهما انتشارا أن تعتبرالثقافة "ملهاة" كــ"الرياضة" ضرورية لشغل الناس ولاسيما الشباب و الملتاثين بالتعلم عن السينيْن (السلطة والسياسة) ومن أجل هذه المهمة تبذل النفقات الكثيرة في مظاهرها دون جواهرها فتكثر المسارح والأجواق و الطباعة والنشر ودورالسينما والمهرجانات والنوادي والحذر من المضامين الكبرى..
والمقاربة الثانية وهي الأرقى : تحقيق الهدف الإنمائي بوضع خطط طموحة وفق "مفهوم ثقافة التنمية" التي هي تصور نهضوي بديل لمفهوم "تنمية الثقافة" الماضوي الإتباعي العقيم
تميز الموريتانيون قبل قيام الدولة بثقافة نخبوية عالمة مناقضة للتصنيف الذي درج عليه التعريف الكوني بأن البادية بيئة جهل والحضر بيئة علم.. أما اليوم فلا أعلم لهم "ميزة"
ما ذا عن أحوال اتحاد الأدباء الموريتانيين؟
الاتحاد القائم احترم من فيه، ولست معنيا به فأنا أنتمي لتيار الابداع الذي يقيم تحت التأسيس .""الاتحاد العام لأدباء وكتاب موريتانيا
متى يرى هذا الاتحاد النور ؟ وأي مشروع يحمل؟
- قريبا بحول الله ويحمل مشروعا حداثيا نهضويا يفضل الإفصاح عنه في حينه
أنت من المؤسسين الأوائل لاتحاد الادباء، لماذا تخرج عنه وتشكل آخر؟
- بالنسبة للحالة الأدبية قررتُ مع زملائي أن نمارس رؤيتنا للعمل الأدبي، والتعددية تفسح المجال لذلك.. أما عن ما مضى فقد آليت على نفسي أن لا أعود للحديث عنه فلا حاجة لأجترار ما فات.
ما هو تقويمك للرواية الموريتانية؟
- هناك فراغ نفسي و جمالي لا يملأُه إلا فن السرد ومازال يحبو لكنه واعد من خلال قامات ولد ابنو والمختار السالم ولدي ثلاث روايات قدمت للطباعة منذ مدة لكن عقبات تحول دون اتمام ذلك نرجو أن تذلل قريبا أو نبحث عن ناشر بديل
كيف ترى الجيل الجديد، وما هي نصائحك له؟
- لا أحب النصائح الأبوية في الحقل الابداعي ولكنني أرى أن الحداثة لم يمكن لها مما جعل متأدبينا يجترون نماذج ماضوية أضحت من اللقى المتحفية إن صلحت.
والحركة النقدية في البلد ماذا عنها؟
- هناك غياب النقد الذي تطارده الذاتية و الزبونية و الشللية التي تعبتر كل نقد لنص مساسا بقائله و هذا في أس ما نحن مبتلون به في هذا البلد.
ما هي أهم المشاكل التي تواجه الثقافة في البلد؟..
- الطباعة والنشر عقبتان بالغتا الصعوبة، وبدونهما لا حراك.. وهنا يذكر الاخ كابر هاشم ذكر الحمد والشكر.. كابر هو الذي طبع ونشر منتوج الادباء باسم وتمويل الاتحاد أيام كان رئيسا له..
هل من شعور خاص لديك نحو "وزارة الثقافة"؟
الشعور تجاه وزارة بعينها أو عنوان بعينه لا أملكه، و لا أشعر به لأنه يعطي انطباعا غير موضوعي، و يشي بأني معلق بيافطة محددة ..أنا لا أستمع للإجراءات الخصوصية (التعيينات) ولا أسأل عنها فلإفلاطون جمهوريته التي تملأ فراغات مابين سطوره وسطوعه..
- متنبي موريتانيا وصف أو اسم أطلق عليك ماذا يعني؟
- في الثمانينيات استدعيت لمهرجان الحرية الشعري في سبها بليبيا و حضرته أسماء الشعر الأكثر لمعانا، و فوجئت بهم يصدرون ملتمسا يلقبني متنبي شنقيط.. وبالمناسبة كانت لي كلمة قلت فيها إنني أعتز بمالئ الدنيا وشاغل الناس ولكنني لا أمدح ولا أذم .. (للمرجعية مجلة الثقافة العربية المحكمة عدد6 لسنة 1987)
- عرفت السجون والمعتقلات والمطاردات وساهمت في بعض التجارب السياسية الحديثة، لكن تبدو بعيدا عن الشأن السياسي منذ بعض الوقت... هل اعتزلتها؟
- أنا أحمل الهم السياسي في مسامي منذ السنة الخامسة الابتدائية سنة اعتقالي الاول و ما زلت..
دخلت معتركها فاعلا و منفعلا منذ الثمانينيات وساهمت في ميلاد وتشكل عدة حركات و أحزاب سرية وعلنية آخرها الحزب الموسوم بالاتحاد من أجل الجمهورية الذي وضعت اللمسات الأولى على ميلاده صحبة من لايزيد عددهم على أصابع اليد وتقلدت موقعا قياديا فيه لمدة سنة تقريبا.. أما مستقبلاٌ فالآفاق مفتوحة..
عرفت بحمد الله السجون السياسية داخليا وخارجيا بمساعي داخلية و تمرست على المنافي وحاولت أن أتأقلم مع الحلول التوفيقية التعددية التي يقيمها المحيطون بالأحكام منذ الحزب الجمهوري وقبله حزب الشعب مررورا ب"عادل" و"الإتحاد" فكانت متشابهة تشابه الأوراق في الغابات .. كانت تجمع فلول الحركات السياسية والمتسلقين واللامنتمين فيتبادلون اللكمات تحت الاحزمة ويشتبكون في ظل القادة للظفر برضاهم و عندما يتبدل الطقس تعود حليمة إلى عادتها القديمة ،وذلك ما يفسر تبديل الجلود وتبادل المواقع والتوالد المرضي للظاهرة التي أضحت طبيعة ثانية ..من هنا الرد على سؤالك عن سبب الابتعاد : لقد ابتعدتُ كما تعلم بنفس الطريقة عن الجمهوري في سنته الأولى، و "عادل" لما يكمل لبن سنة ...والحديث عن المستقبل ، يكون في وقته إن كان في العمر بقية...