الحرب في الشمال المالي هي موضوع أحاديث سمر الشاي و الصالونات والمكاتب وركاب التاكسي وأصحاب المحلات التجارية، الكل يتابع عن كثب وباهتمام ما يجري في تلك المنطقة،
.
نتيجة لارتباطنا العضوي بساكنتها حيث أنه ،لا يخلو الحديث اليومي بين الاثنين عن القراءة التحليلية للحرب والموقف الموريتاني منها.
تباينت المواقف بين مؤيد ورافض ولكل منهما مبرراته ومسوغاته ،فالرافض للحرب يحاول صياغة مبرره من منظور ومرجعية اسلامية بالحكم على أن هذه الحرب إنما هي امتداد للحروب الصليبية على الإسلام وأنها لا تختلف عما يجري في أفغانستان ... ،حيث أصدر فقهاء موريتانيون وأئمة مساجد فتوى بعدم جواز مساندة الحرب لاعتبارها حرب صليبية على الإسلام بينما مال بعض الساسة إلى تبني الحرب ودعمها ودخل البعض الآخر في موقف ضبابي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وفي اعتقادي أن الموقف الداعي لدخول الحرب أكثر موضوعية من الآخرين .
إذا كان الاتجاه الرافض للمشاركة في الحرب يريد من وراء ذلك الحفاظ على أمن الموريتانيين ووحدة أراضيهم وتأمين حدودهم علاوة على نصرة المسلمين، فإن هذا الاتجاه لم يأخذ في الحسبان الأسباب والتداعيات بل إنه لم يكيف المعطيات واكتفى أصحابه بإصدار فتوى على قراءة عاطفية سطحية وهو ما يهيئ المجال في بلدان أخرى لتشجيع الحركات الانفصالية العرقية وقد يكون بلدنا من أكثر البلدان عرضة لخطر التقسيم إلى دويلات إما على أساس عرقي أو جهوي ويبقى الاحتمال الأول واردا ومقبولا من لدن أكثر دول الجوار بما فيها تلك التي نختلف معها في التشكيلات العرقية ،فمشكل الصحراء والتوتر شبه الدائم على الحدود المغربية وأحيانا الجزائرية كلها أسباب تجعلنا معنيين بالحفاظ على توحيد الدولة المالية والوقوف في وجه الانفصاليين أكثر من الماليين أنفسهم فالخطر يهددنا أكثر مما يهددهم خاصة إذا استمر الموقف الموريتاني متفرجا على الحرب الدائرة هناك مكتفيا بإغلاق الحدود ، وهو خيار لن يفهم من الماليين أولا والأكواس ثانيا والمجموعة الدولية ثالثا إلا أنه دعم ومباركة لتقسيم أراضي جمهورية مالي ومساندة للحركة الانفصالية الأزوادية كما أن الأزواديون والحركات المسيطرة اليوم على الشمال المالي لن تفسر الموقف الموريتاني هذا إلا بأنه عبارة عن الدعم القوي لها ومباركة الانفصال والاستقلال عن الدولة الأم .
إذا كان الدافع لرفض الحرب هو الحفاظ على الجالية الموريتانية وممتلكاتها في هذا البلد وتأمين المدن والقرى المحاذية للحدود المالية فإنهم بذلك يعرضون آلاف الموريتانيين ومصالحهم في أكثر من دولة إفريقية وأربية (إفريقيا الغربية وفرنسا)للخطر وخطر التصفية العرقية والاستهداف العنصري والمشاكل وسيل التعقيدات والعراقيل والمحاصرة في كل شيء فامن المواطنين يجب أن يراعي أمن المقيمين في الخارج .
فالدفاع عن شعب أزواد على حساب الموريتانيين ومساندة جماعات التطرف والغلو التي نشرت الرعب في النفوس ورعت تهريب المخدرات والأسلحة وشجعت على الانتحار وقتلت واختطفت الذميين والمعاهدين من البلدان الإسلامية وضرت بالإسلام أكثر مما نفعته، فقتل الأبرياء المسلمين ومن عاهدهم ليس من الإسلام في شيء، بقي لنا أن نفهم أن الفصائل الأزوادية ليست موريتانية لا علاقة تربطنا بهم غير علاقة الجوار فهم شعب من دولة جارة لهم خصوصياتهم ولنا خصوصياتنا حتى وإن كانت شبيهة ببعضنا و تتقاسم معه اللهجة والثياب فهذا لايعني أن نخاطر بمصالح الموريتانيين من أجلهم ولا نضع أنفسنا كدروع لهم ولا ننصب أنفسنا كمدافعين عنهم فهم أقلية عربية في دولة إفريقية مثل الأقليات الإفريقية في الكثير من دول العالم لهم حقوق وعليهم واجبات لكن تلك الحقوق يجب أن لاتضر بالحق العام لكافة سكان البلد ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تضر حقوق الأقلية بالأكثرية مثل الدعوة إلى الانفصال وتقسيم البلد على رؤية أو خلفية عرقية أو لغوية وهو ما لاينبغي للموريتانيين بصفة خاصة دعمه لأنهم قد يكونون أكثر عرضة له من غيرهم وعندئذ لن يجدوا من دول الجوار من يساعدهم على استعادة أراضيهم ودحر المتمردين .
إن استتباب الأمن والقضاء على الحركات المتطرفة واستعادة مالي لسيادتها على كافة أراضيها هو استقرار لبلدنا ولجاليتنا وتأمين لمراعي مواشينا يجب أن لايغيب عن الأذهان الموقع الإستيرتيجي لجمهورية مالي باعتبارها البوابة بالنسبة لنا على أكثر دول إفريقيا الغربية .
إن دعم الحرب في الشمال المالي والمشاركة فيها لايعني بالضرورة دعم فرنسا وإنما هو دعم للاستقرار في المنطقة والقضاء على أوكار الإرهاب .
إن دخول موريتانيا الحرب لاستعادة الشقيقة مالي لأراضيها موقف تمليه العلاقات والاتفاقيات والجوار وهو ما يستدعي النظر والتفكير المجرد في رسم خريطة المنطقة ومستوى العلاقات والتكتلات الأمنية . في مرحلة ما بعد الحرب الدائرة اليوم بمباركة المنظومة الدولية بصورة مباشرة او غير مباشرة.
إن الموقف السليم والصحيح والإستراتيجي الذي يخدم البلد ويراعي حقوق المواطنين داخل وخارج الوطن ويصون لهم كرامتهم وعزهم في المنطقة الإفريقية الأكثر ارتباطا بها ،ويضمن للدولة مصداقيتها في المنطقة هذا الموقف الذي يجب على الحكومة اتخاذه في القريب العاجل هو المشاركة الفعالة في الحرب إلى جانب صديقاتها في مجموعة الأكواس وهنا تقضي على عدة عصافير بحجر واحد .
أمام هذه الوضعية الصعبة يصبح من الضروري بل من الواجب على جميع ألوان الطيف السياسي الموريتاني استخلاص الدروس و العبر لتوحيد الصف فالطبقة سياسية كانت أو نقابية وحقوقية أو قادة مجتمع مدني أو فاعلة اقتصادية في الدولة مطالبة اليوم أكثر من أي وقت برص الصفوف والتضامن والتوحد ونبذ الخلاف في هذه الظرفية الحساسة والمتميزة ،وفي هذا المنعرج الخطير الذي يجتازه البلد، الحرب والمناوشات هنا وهناك ،الدمار والخراب في هذا البلد أو ذاك ،كل هذه المعطيات تشكل بالنسبة لنا تحديات تفرض علينا التوافق والتوحد وترك الخلافات وتصفية الحسابات والتقوقع والانكماش ومحاولة لي كل طرف لذراع الآخر ، للاهتمام بما هو أسمى وأعز وأغلى من السلطة وفروعها، ألا وهو الحفاظ على سلامة وتماسك هذا البلد هش البنية العرقية الاجتماعية ،الشيء الذي يقودني إلى التنبيه والتذكير بأهمية المبادرة التي أطلق رئيس الجمعية الوطنية مسعود ولد بلخير والتي تشكل مخرجا توافقيا للبلد ولطبقته ونخبه السياسية والمدنية والنقابية علاوة على الفاعلين الاقتصاديين والحقوقيين ،وهي مبادرة كفيلة بحلحلة الأزمة ولملمة الشمل وإزاحة شبح الأزمات الذي يلوح في الأفق.