هناك أوجه شبه عديدة بين مختلف أشكال التنويم، خصوصاً إذا كان المقصود منه حذف الوعي والاستغراق في غيبوبة لا يصدر عنها غير الهذيان والشخير، والتنويم المغناطيسي يمارسه محترفون منهم من يزعمون أنهم يخاطبون الباطن الإنساني ويملكون المفاتيح السرية للروح،
.لكن التنويم الأيديولوجي يمارسه دهاقنة متخصصون في فقه التغريب، ونزع الإنسان من واقعه وسياقه الاجتماعي والحضاري، فالتجريف هو المرحلة التي تمهد لتعبيد الطريق إلى الجهة الأخرى بحيث يكون الذاهب عائداً والشمال جنوباً والشرق غرباً والشروق غروباً.
ومن تقنيات التنويم الأيديولوجي غسل الذاكرة وإعادة الكائن إلى درجة الصفر، تماماً كما يتم إفراغ الإناء من محتواه كي يصب فيه سائل آخر. وحين تكون ضحية هذا التنويم أو التغيب أقل ثقافة وأقرب إلى السذاجة، فذلك يسهل المهمة، لأن هذه الضحية تكون بلا دفاعات وبلا مصدات عقلية، فهي أقرب إلى العجينة الرخوة الطيعة التي يمكن تشكيلها بسهولة.
وحين يصل الارتهان الأيديولوجي إلى مرحلة الانكفاء والتشرنق حيث ندرة الأوكسجين، تكون مرحلة الدوغمائية أو العمى هي خاتمة المطاف. ومن تورطوا في هذا الانغلاق سواء كانوا أفراداً أو جماعات اختنقوا وهم لا يعلمون، والتنويم الأيديولوجي ليس فناً مستحدثاً أو طارئاً فقد مورس منذ القدم، لكن ما تطور هو أدواته وأساليبه تماماً كالتعذيب الذي استفاد من التكنولوجيا، والحروب التي كرست المنجزات العلمية لتدمير البشر، لأن لكل منجز علمي وجهين، تماماً كالسم الذي قد يكون ترياقاً لكن بنسبة محددة أو الكي الذي يراد منه العلاج لا التعذيب.
ومن أهداف هذا التنويم حجب كل المعطيات والوقائع عن الضحية كي لا يتاح لها أن تقارن أو تحاور نفسها. فالمنطق خارج مدار هذه العملية. لأن المطلوب من المنوم أن يتحول إلى ببغاء تردد الصدى فقط، فهي لا تقول شيئاً من تلقاء ذاتها، وإذا لم تسمع صوتاً تردد صداه تبقى صامتة كالحجر أو القبر.
لقد استخدمت مناهج جديدة لتحديث التنويم الأيديولوجي، منها تلفيق المشاهد المتلفزة من خلال الفيديوهات سريعة الانتقال والعدوى، ومنها الحجر الكامل على العقل بحيث لا يمارس الحدّ الأدنى من وظيفته، لأن المطلوب هو التنفيذ فقط، وقبول الأوامر حتى لو كانت متناقضة، لهذا سرعان ما يتحول التَّنويم إلى إماتة. فالغيبوبة في إحدى درجاتها تكتمل ولا يرجى لمن استغرق فيها أي عودة!
خيري منصور