الولي ولد طه يكتب: فى تأبين المرحوم الدكتور محمد الأمين المصطفى

2025-12-26 00:01:48

ضاقت واسِعاتُ الزَّمن بكم جسدا وجِرْما، لكنها اتَّسعت لكم نُبْلًا وعطاء، وإخلاصا، واتَّعسَت لكم مُتَبتِّلين في محاريب الجمال، ذوقا وحنينا وشَجَنًا وإنشادا وترتيلا يهُزُّ أوتار القلوب، اتّعست لكم إشراقًا وصباحةَ وجهٍ وابتسامةً وطمأنينَةَ قلبٍ خفاقٍ نحوَ عالَمِ المَلكوتِ وجماله الخالدِ الزاهِي، فكانَ من لطائفِ الله جلّ أن حَرَّكَ نواميسَ الجلالِ إليكَ لتحطَّ الرجال في مدائنِ الجمالِ الأبديِّ الخالد، وأنت عاشقُ الجمال أبدا، وأيُّ كرامةٍ أعظم من وصال العاشق بمعشوقه، أيها الأخُ الأمين الغالي الأبر.

وانتَ ياوالدنا وفتانا وغرةَ أندائنا محمد المصطفى، أتَنسَى رحلتنا القصيرة ذات صيف غابر، بينَ أغشورگيت وألاگ وتلكَ الدُّرَرَ الذَّوقيةَ الرائقةَ التي نثَرتَها في عالم المحبة، وأنتَ من أمليتَ عليَّ في تلك الرحلة أول مرة:

أهلُ المحبة ما نالوا الذي وجدوا 

                         إلا بخدمة ربي إذْ بها انفردوا

تراهمُ الدهرَ لا يمشون من بلد 

                            إلا ويبكي عليهم ذلك البلدُ

الذِّكْرُ مطعمُهم والشكر مَشْرَبُهُمْ 

               والوَجْدُ مركبُهم من أجلِ ذا سَعِدوا

لا يعطفون على زوجٍ ولا ولدٍ 

                     ولا ينامون إذْ حيثُ الورى رقدوا

 

وأنتم إخوتي عترةَ الفضل والذوق … أنتم من معدن عرفاني وذوقيِّ خاص، امتلكتُم قلوبا صافيةً لا تُغالطُها بهَارِجُ اللَّمَعان المُتَحقِّقِ بالفناء.

قدَّمْتم لِأُمتكِمْ شابًّا عظيما شكل جوهرَةً تلأْلَأَتْ بدرًا شقَّ الدّاجيات أمام عيُونِ أجيالٍ غشيتها غواشي الفتن، فانزاحت عنها رِيَبُ الفتانين، وأشرقت في قلوبِها وعقولِها حقائقُ الخلود.

لكن هذا البدر كسائر البدور له حنينٌ للأفول عن عالم الاحتراق، ليُشرِق في عوالم التقدير العظيم للإشراقات العظيمة.

"ألا إنَّهُ مُنَى اللبِيبِ مِنَ الدُّنا

                         ولكِنَّهُ بدرٌ تَلَأْلَأَ وارتَحَلْ"

لقد كان محمد الأمين تأْرِيخًا من التأريخات المُنِيرة على صحفة الزمن، التي نبّهَنا عليها الأصفهاني:

وما هذه الأَيامُ إلاَّ صحائف

            نُؤَرَّخُ فيها ثمَّ نُمْحَى ونُمْحقُ

ولم أَرَ شَيْئًا مثلَ دائرةِ المُنى

             تُوسِّعُها الآمالُ والعمرُ ضيقُ

فلكم فيه أن يربطَ المولَى على قلوبكم بمُلهمات الصبر واليقين، وله الدخولُ الأبدي في أفراح الخلود، في ضيافة ملك الملوك.

ولكم فيه وله فيكم خيرُ خليفةٍ في الأهل وصاحبٍ في السفر.

وللقمريْنِ الآفليْن معه إشراقاتٌ دائمةٌ في عالم الخلود.

ولهم جميعًا في الله أعظمُ سلوَةٍ عن قَرْقَرَى وأعلامِها الغُبْر.

فاللهم كن للجميع في الجميع.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122