إلى المنكفئين أقول لهم تفجير ''البيجرات'' خسارة وليست هزيمة/ إشيب ولد أباتي

2024-12-15 19:13:47

    إن تسارع الأحداث في الأسبوع الماضي، وانعطافها في  اتجاه لم يكن متوقعا لدى  الرأي العام العربي، وقواه الحية بقيادة المقاومة العربية الإسلامية في لبنان، والعراق، واليمن، وفلسلطين…

 قد شكل  صدمة للشارع العربي الذي استبشر قبيلئذ  بانتصار المقاومة اللبنانية على جيش العدوان للكيان  الصهيوني، والمقاومة في غزة على العدوان الهمجي، والإبادة الجماعية.. 

إن ما حصل في سورية، كان مؤامرة دولية بأدوات إقليمية، و السيء، بل الأسوأ فيها، كان  تدمير القوات  العسكرية في سورية على أيدي المجرمين الصهاينة، وقد اظهر عامل ارتباط، لا انفكاك  بين انقلابيي النصرة، وبين الأحتلال الصهيوني للجولان، وللقرى العربية، علاوة على احتلال مدينة القنيطرة…

أما العامل الثاني، فهو دور الإعلام العربي الذي واكب الانقلاب، وحوله إلى (ثورة) كونية، لتضاهي الثورة الفرنسية سنة١٧٨٩م، في فتح السجون، واطلاق السجناء الجناة، والسياسيين على حد سواء، وما تلا الثورة البلشفية سنة ١٩١٧م من تغيير يتوقع، والدور الإرهابي للإعلام  بهدف تزييف الوعي العام، وحشر الوعي العربي في زاوية الهزيمة النفسية، والفكرية، واقناع الرأي العام العربي على أساس، أن هذا الانقلاب الداعشي، يبرر التغيير في الوعي العربي على غرار ما حصل قبل من ارتداد في الوعي بين مثقفي أوروبا، والعالم المعاصر على إثر فتح السجون بعيد موت " ستالين"..!

والسؤال الموضوعي، هو:  هل كان بامكان اعلام انقلابيي النصرة، أن  يتحدث عن كبائر الأمور من اجرام، يستدعي المقاومات في كل قطر عربي خليجي، كما يستدعي الانقلابات في كل إمارة خليجية على حدة، وتوظيف الإعلام الحر، والعصرني لهذا الأساس، غير أنه إعلام  ناطق باسم الأنظمة التي  جردت المواطنين العرب، حتى  من هواياتهم، لينضموا إلى "البدون" الظاهرة العربية التي، لا مثيل لها في مجتمعات العالم المعاصر…!

والمفارقة المضحكة، والمبكية معا، أنها بدأت في "الكويت" على أساس قطري، ومتابعة الأصول العربية للأسر، والأفراد على أساس أن اجدادهم،  قدموا من البصرة، أو من بلاد  الحجاز قبل تكون هذه المحميات السياسية، وفي هذا تجاهل بحقائق الواقع، والماضي القريب، لأن الكويت، كانت جزءا من العراق قبل، واثناء الحكم الانجليزي  في ثلاثينيات القرن الماضي ..

كما  تناسى  الجميع، أن  أمراء الكويت، كانت رواتبهم الشهرية، " أمدادا "، من تمر البصرة، باعتبارها جزءا من الوحدة الاجتماعية العربية قبل، وتحت الاحتلال الإنجليزي.. وهذه معطيات تاريخية، تفرض حقائقها على مستوى الحاضر، والخروج عليها لن يشكل، إلا استثناء لا أسس قواعدية، ليستند إليها…!

بينما إمارة قطر، جردت قبيلة كاملة من  "الهوية" القطرية، لوجود أفراد ، تزعموا انقلابا على الأمير الأب ، وفشل الانقلاب، لكن تبعاته أصبحت " ثأرا" قبليا، داخل الدولة المعصرة بأعلى دخل للفرد، وبناطحات السحب،، ولازال الثار القبلي هذا، يعاني منه مكون اجتماعي، اضطر معظم افراده  للهجرة من قطر إلى السعودية.

 بينما السعودية جردت المعارضين من هوياتهم، وتابعتهم  صباح مساء بالسحل في السجون، والقتل في سفاراتها، وقل الشيء نفسه في  البحرين، والإمارات الإبراهامية..!

   فهل هذا الإعلام العربي المتأمرك، عنده وجه أبيض اخلاقيا، وقيميا، ليرفع صوته عاليا  في محاريب الإعلام المعاصر، أو يمتلك رسالة للغيير لصالح مجتمعاتنا العربية، إن في سورية، أوالعراق، أو لبنان، بعد هذا  التواطؤ مع الأنظمة التي لا يوجد فيها برلمان، عدا برلمان الكويت الذي ما إن يتجاسر عضو منه، بتقديم  طلب لمساءلة الحكومة - على غرار ما يفعل البرلمانيون في الأنظمة المعاصرة -  حتى يصبح ذلك مبررا لحل البرلمان بقضه وقضيضه..!

 وهذا الانفصال عن الواقع، والأنفصام لشخصية الأعلامي الاسترزاقي في تلك المراكز الاعلامية في الوطن العربي الذي يراد "خلجنته" باخضاعه لسياسة" التطبيع": الاستسلام، والأمركة، " كالقط  يحاكي صولة الأسدي " في تصدير السياسة التدميرية للأقطار العربية، ومساندتها للحوادث بقوالبها القشورية، وفي الظواهر الصورية المعصرنة  دون أن تكون قادرة  على أن تصبح "سلطة رابعة"  في مجتمعاتها الخليجية، لأن مفعولها في الواقع في الخليج العربي، أقل ما يمكن أن توصف به، أنها في امتحان مزمن، والنتيجة المعلقة على جبينها، هو " صفر مكعب"، وهذا جعلها أبواقا اعلامية تحاول عبثا مصادرة الوعي العربي الوطني، والقومي في الوطن العربي، ولا تختلف في شيء عن " قناة " الحرة، وقناة" CNN"، لأنها  تدور في حلقة مفرغة ما لم تعلب دورها في بيئتها الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، وتطرح قضايا المواطن، والاسرة، والنظم الاجتماعية في مجتمعات" العربية" ، و" الجزيرة"، و"الحوادث"..؟!

 وعلى الرغم من ذلك، فطنين هذا الإعلام المزيف للحقائق، لا يفتر عن تقليب الظواهر، كجعل الليل  نهارا، والنهار  ليلا مظلما، وقاتما فيما لم يتورع عن مساندته للانفصاليين، حتى ولو انقلبوا على الأنظمة السياسية الحديثة، واستطاعوا تغييرها الى الأسوأ منها، لكن ذلك لن يغير من حقاىق الأمور، فالإرهابيون، سيبقون في   سجل حاضر الأمة، كحركات: "الحشاشين" في تاريخها، و"الزنج" في ثورتهم التي احتمى ارهابيوها بالجبال لمدة سبع عشرة سنة قبل القضاء عليهم، وكذلك  "القرامطة" في تاريخ الأمة..

فالتاريخ - للأسف - يعيد نفسه حقيقة عندما تكون الظروف الحالية  من جنس تلك السابقة، كالتخلف الاجتماعي، والثقافي، والتفكك الاجتماعي بالتجزئة القطرية على أساس " فرق تسد" الاستعمارية، وغياب الوعي، وانعدام القيادة السياسية للأمة العربية، وتعطيل دور القوى العسكرية المدافعة عن مجتمعات الأمة، وانفلات  الأمور إلى هذا الحضيض، حتى تحالف على حاضر الأمة، ومستقبلها (٢٢)  خائنا في قصور الرجعية العربية مع الأعداء في الخارج، والمحتلين في الداخل…!

أما العامل الثالث، فكان هذا الفريق المساند للانفصاليين والاعداء على حد سواء، ويجمع هذا الفريق كلا الجنسين من الكتاب، والكاتبات العرب، ويكتب بعضهم  في  هذا الموقع " رأي اليوم " المدافع عن قضايا الأمة، والمساند  ل"طوفان الاقصى"، وقوى المقاومة العربية الإسلامية في هذه المعركة الممتدة طيلة سنة وثلاثة أشهر…

ولن تنتهي المعارك التحريرية في فلسطين، وأقطار الوطن العربي، حتى تتحرر فلسطين  من البحر إلى النهر…

وما فات الطابور الخامس من الكتاب المناوئين لانتصارات المقاومة، هو غياب الرؤية الموضوعية، والمستقبلية لهذا الصراع الوطني، والقومي الذي لم ، ولن يفهم أبعاده الانفصاليون، والانتهازيون، والمتخاذلون من الكتاب، و الكاتبات مثل تلك التي ترى في تفجير" البيجرات" هزيمة بكل المقاييس التي تستدعي في نظرها المفقوء، ومنطقها المتهافت، الاستسلام، ولا شيء غير الاستسلام، ورفع الراية البيضاء للكيان الصهيوني، واختفاء المقاومة في الوجود الاجتماعي، وتسليم الحكم السياسي للانفصاليين والأنعزاليين من اتباع السفيرة الأمريكية في بيروت، وهذه دعوة صريحة للقتلة المجرمين اصحاب السوابق في مذابحهم مع الصهاينة للأبرياء، وللأغتيالات البشعة للقادة السياسيين في لبنان العظيم..!

إن هذا الفريق، يدافع عن تمنياتي المحبطة، ولا يعرض الحقائق في الواقع، فهو يتمنى الهزيمة بدلا من توصيف تفجير" البيجرات "، كحادثة  عبرت بحق  عن خسارة في الأرواح، ولكن هل أدت إلى رفع الراية البيضاء أمام العدوان الصهيوني على لبنان؟

لا أدري لماذا التركيز على رؤية المستشرقين، والزج برؤاهم  في موضوع العدوان على لبنان،، ولعله من قبيل  اللجوء إلى اسناد الموقف، واستعارة رؤية المستشرق، والمتغربة معا، وهي  تشف عن وعي زائف، ذي اتجاه موال للكيان الصهيوني الذي وظف معظم الانفصاليين، والمتأمركين ، وقد عرفوا بانفسهم  بما كتبوا، ويكتبون، وصحصح  باطلهم بتحديد هوياتهم الانعزالية، الخيانية، بمقولة " سقراط:" تكلم فأقول لك من أنت، وماذا تفكر فيه؟"

فهم مواطنون عرب، ولا شك في ذلك، ويجب أن يعبروا عن توجهاتهم السياسية، وتسمع اصواتهم ، ولو أن مواقفهم، لا تدافع عن الثوابت الوطنية في المحافظة على الوحدة الديمغرافية، والحدود الجغرافية، والنظام السياسي الذي يمثل خيارا سياسيا عاما علاوة على أن مواقفهم  مساندة  للكيان الصهيوني على حساب الأمة العربية في فلسطين، كما في سورية، كما في لبنان، كما في الأردن، لكن في المقابل، نراهم، يتجاهلون، أن هذه الجغرافيا العربية من المحيط إلى الخليج، هي عقار مشترك بين أبناء الوطن العربي، وهي ملكية للتمتع، والأستغلال، لجني ثمراتها، ولكنها ليست ملكية خاصة للمساومة، ولا " للتطبيع"، أو التنازل،أو إبرام الصفقات مع قوى الخارج التي عبر عنها الكتبة  بطروحاتهم الأنهزامية، في أن قوى المقاومة، بتفجير" البيجرات" انهزمت، وأن نضال الأمة انكفأ إلى غير رجعة..!

كلا، والف لا،، حتى لو انهزمت المقاومة العسكرية الآن في المعارك، فهي  امتداد لمقاومات يومية، وموسمية، وانتفاضات، وثورات على أرض فلسطين منذ ١٩٢٠م، لذلك، فالمقاومة الحالية، والمستقبلية، هي الأسلوب المتجدد، والعابر للأجيال، والحقب التاريخية، وهي التعبير الحي الذي لن يموت جسمه الاجتماعي، إلا عندما  يقف مستسلما، وهذا ليس من قوانين السيرورة التاريخية للأمة العربية التي ترى " أن أوقات الخطر، هي دائما فرصة الأمم الحية" - على حد تعبير جمال عبد الناصر، لذلك فرفض الهزائم، هو بالمقاومة المتجددة جيلا بعد جيل، ولن يتوقف الصراع مع الكيان الصهيوني، ولن يجديه نفعا تفريخه للطوابير الخماسية المساندة له،، حتى يتحقق النصر بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر…

والقارئ للتاريخ العربي إبان الاحتلال الصليبي لفلسطين طيلة أربع سنوات، ومائتي سنة، يعرف أن مقاومة المحتلين، تواصلت حتى تحررت القدس، ومدائن فلسطين واحدة بعد الأخرى،، لهذا فالخسارة في معركة عسكرية، أو اجتياح الاحتلال الصهيوني، لقطر عربي، فلن يشكل نهاية للصراع الوجودي، ف"لبنان" على سبيل المثال، أحتل سنة ١٩٨٢م، حتى وصل المجرم  "شارون" إلى  قصر بعبدا، وشرب القهوة فيه، ولكن هل نسى اللبنانيون الشرفاء - في بداية التسعينات -  نداء العسكريين الصهاينة في مكبرات الصوت: " أيها اللبنانيون، لاتطلقوا النار علينا، فنحن ذاهبون عنكم"..؟!

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122