الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، أننا معشر القوميين كتبنا عن الثورة العربية في مصر من منطلق قومي، ونحن في ذكراها الثانية والسبعين ٧٢ عاما، لم تكن كتاباتنا في المقالات يوم الثلاثاء الماضي دفاعا عن نظام سياسي قائم في مصر، بل كان من أجل التوعية، لاستعادة الدور الذي قامت به الثورة، وقواها الحية في الأمة، وذلك في سبيل إسناد قوى المقاومة الحالية في فلسطين، ولبنان، واليمن، والعراق، وسورية.. وفي تقديري ان كلا من ثورة يوليو، وجبهات المقاومة الحالية يحيل إلى الآخر نظرا لوحدة الهدف في مواجهة الاحتلال الصهيوني…
وكانت الكتابة تذكيرا بالدور السابق لقيادة مصر الناصرية في الدفاع عن فلسطين، وما ألهمت به المرحلة الناصرية أمتنا ، كتوحيد الجهود العسكرية، والسياسية التي أثمرت، بكثير من البذل، ليكون العطاء وطنيا، وقوميا، وكانت نتائج ذلك عظيمة...
ولا يستطيع الطاعنون نكران ذلك مهما إسقطوا على المكشوف، أو بالإيحاء احقادهم الشخصية على الثورة - وعصرها، وكتابها، ورموزها الثقافية بما فيهم محمد حسنين هيكل، الذي يعقد الواهمون التشبيه به مع غيره، وبفقدان وجه الشبه، يكون، كتشبيه الحبال المهترئة بالأفاعى الحية - أو انتماءاتهم السياسية الدفينة في وعيهم المناهض لثورة ٢٣ واسنادها لإنجاح الثورات العربية، وذلك انتصارا للأمة على المحتلين الامبرياليين ، علاوة على ما تحقق عمليا، ونظريا، كالوحدتين العربيتين في تاريخ العرب الحديث، بفضل الاستجابة لمطالب الأمة، وترجمتها للوعي الوطني، والقومي، واستئناف المشروع النهضوي العربي، واخراجه من حيز الكمون إلى الفعل العملي بفضل نجاح الثورات العربية، وقياداتها المخلصة، ونضج الوعي التحرري العربي يومها..٧
وتأتي الذكرى هذه السنة في وقت عصيب، إذ تكاد تطمس معالم عصر التحرر العربي، وثورات التحرير، وهو العصر الذي لو تتبعنا مظاهر القضاء عليه، لكان الوقوف على مآلات " لاءاته" في الخرطوم الثلاث، كافيا، لمفعول تلك الردة التي تصدح بها الأصوات الناعبة، والأقلام المدعية التي حولها الإقليميون الآن في هذا العصر الموصوم باستبداد طغاة الأستسلاميين، واسنادهم بالطوابير الخماسية، وجحافلها المتأمركية، والمتصهينة معا …
ولمن يرتاب في هذه المعطيات الممضة على واقع الأمة، وعلى التحسر القاتل جراء الإبادة الجماعية في غزة هاشم، وما ترتب على ترك الواجب على أمتنا من مواقف، استحالت الى السلبية، الهالكة التي لا تعبر عن أي مستوى من الاحساس بعلاقات الأخوة العربية، أو الدينية، أو حتى الشعور بالمسؤولية تجاه هذه المجازر الصهيونية، وثقل تبعات هذا الترك، والهروب المشين، وأثره الفاجع على مصير الأمة حاضرا، ومستقبلا..!
فليتابع القارئي العربي الكريم كتابات هذه "العينة" الممثلة في الكتابة " المتذاكية"، غير أنها في مضمونها " غبية" نظرا لقصر نظر اصحابها، و ضحالة تصوراتهم المتساوقة مع وسائل الإعلام المرئي الرسمي في الأقطار العربية ليرى حدود التخلف السياسي الحاصل، كسبب ونتيجة معا، وذلك لاستكمال الصورة القاتمة عما وصلت إليه أوضاع الأمة من سوء الحال، ولنبدأ بالجانب النظري في" الوعي" قبل الحديث عن الواقع بفضائحه، وانكشاف أنظمته السياسية التي يسيرها الوكلاء، كالمستجلبين في حملات الغزاة بداية القرن التاسع عشر لمجتمعات الأمة، وغيرها من الأمم المقهورة ..!
أما ارتدادات ذلك على الوعي الحالي، وانحداره من الوعي القومي إلى الإقليمي، وجعلهما متضادين، وليسا متناقضين فحسب، وذلك لئلا يكون هناك مجال لرصد الجزيئات الإيجابية على الأقل، وحل المشاكل الحاصلة في المتناقض بين المصالح فيما هو قومي، وما هو وطني من جهة تقديم الأولويات،،، ليصل الوعي إلى مستواه العدمي، كحد اسوأ، من أي مستوى سابق في تاريخنا العربي، وذلك منذ سبعينيات القرن المنصرم، حين ابتدأ بعصر الانفتاح الذي كان اولى الحلقات لتوظيف قوى الطوابير الخماسية الأمريكية، ومجاهديها من شباب العرب الذين اختطفوا إلى افغانستان، ثم اعيدوا إلى الأقطار العربية، وتحديدا لما كان يسمى في الزمن العربي الجميل ب " دول الطوق"، لتدميرها، ثم بعد ذلك تمدد التدمير إلى دول الصمود، بواسطة الطوابير الخماسية.. ولأن " افغانستان للإفغان" بعد أن شارك الشباب العربي في اسقاط الحكم التقدمي المسنود من طرف السوفييت،، وتولي الحكم اتباع امريكا قبل ان ترجع الى افغانستان، فتحارب اتابعها بالأمس طيلة عشرين عاما..
ومنذئذ إلى الآن حصل الأرتداد القهقري في الوعي العربي بالتزامن مع دور " الوكلاء"، رموز التخلف السياسي التابع للامبريالية الامريكية، وربيبتها الصهيونية، فلوثوا البيئات الاجتماعية العربية بمظاهر الوعي الطائفي، والجهوي، والإثني، والحزبي، والقبلي، والأسري حتى، وقد يصل الأمر إلى اختفاء الألقاب في الهوية الوطنية، لتستبدل ب " الآلاء " ك" آل حمد، آل هيان، آل راشد، آل الصباح، آل سعود…!
وحتى مفهوم المجتمع في الدباجة الدستورية، لم يلتزم به في الإعلام الرسمي الذي جعل من المجتمع العربي في كل قطر " أمة" بينما هوجزء من الأمة العربية، ولو شاهد احد نشرة الاخبار في قناة اعلامية رسمية، سيسمع عن الأمة الموريتانية، والأمة الجيبوتية، والأمة الكويتية، والأمة القطرية، والأمة البحرينية، والأمة القمرية، باعتبارها أقل الأقطار العربية كثافة سكانية، واحرى بوسائل الاعلام أن تهتم بتوعي المواطن على انتمائه لمجتمعه ، والمجتمع لهوية الأمة العربية ،، وهذا نموذج من الاختلال في تنمية الوعي في الاقطار الصغيرة من جهة الكثافة السكانية..
أما أخواتها الكبيرات، فقد اتسع الفتق على الرقع في المغرب العربي، والمشرق، والخليج، وتلك الأخوات الكبيرات من الأقطار، يجري التنظير الاعلامي، والتعليم المدرسي على اهواء، وغرائز التحكم لقادتها من وكلاء أمريكا، ليس التحكم في المجال البشري لتوطيد احكامهم، فحسب، بل كذلك في الأقطار ذات الكثافة السكانية الأقل، وذلك خارج منطق العلاقات الاخوية، وعلاقة الجوار الجغرافي، وإنما، كحدائق خلفية، " زرايب " كنظرة امريكا الشمالية ،لدول امريكا الجنوبية، لذلك فاليمن العظيم، والبحرين" وتصغر في عين الصغير صغارها"، والإمارات بقيادتها المتصهينة، فهذه الاقطار مجتمعة في منظور قادة النظام الحاكم في السعودية، هي حدائق خلفية له، وقل الشيء ذاته بالنسبة لموريتانيا في منظور النظام الملكي المغربي الشقيق، وتونس في منظور النظام الجزائري، وليبيا، والسودان في سياسة الحكم الحالي في مصر بينما تخلى، إن لم أقل باع في المزاد علاقة مصر بفلسطين، وب"غزة" حاليا يقتل اهلها علما انها احتلت في سنة ٦٧، وكانت تحت الحكم في مصر..!
( يتبع)