أول موريتاني يمتلك ويقود طائرة، هو العلامة الدكتور محمد المختار ولد اباه طيب الله ثراه، كان يتنقل بها بين نواكشوط والنباغية والتاگلالت وبوتلميت وألاگ واندر ودكار..
يقول في مذكراته، متحدثا عن اقتنائها:
"وخلال متابعتي لأخبار الطيران، قرأت إعلانا عن بيع طائرة في دكار من نوع "جودل" (Jodel D11) بمحرك (Continental) وبمقعدين اثنين، بثمن مائتي ألف فرنك، رأيتها فرصة فريدة، فقررت شراءها، وتمت الصفقة وفق ما أردت، وذهبت إلى دكار لاستلامها.
عندما استلمت الطائرة في السنغال، غادرت مطار دكار مساء، رفقة الأخ العزيز الشيخ بن أحمد فال رحمه الله - الذي كان أول مسافر يرافقني على متنها متوجهين إلى سانلوي التي تبعد مائتي كيلومتر، آملين أن نصلها قبل أن يشملنا الظلام.."
يقول العلامة المؤرخ المختار ولد حامد رحمه الله، في وصف الطائرة:
خفَقانُ قلب العاشق الولهان :: ما منذُ آنٍ تسمَعُ الأذنان
أم صوتُ رعدٍ في روايا حُفّلٍ :: رهنٍ بوبل دافقٍ هَتّانِ
أم ذاك زلزالٌ بعيدٌ مٌؤذنٌ :: بالخسفِ في ناءٍ من البلدان
أم ذاكَ زأرُ الأُسْدِ في أجَماتِها :: أم ذاكَ صوتُ تأجُّج النيران
أم طائرٌ طار الغداة، تعلمت :: منه الطياير حكمة الطيران
برقت به من (تاردانةَ) بكرة :: برقية معْها مشَى في آنِ
فيكاد يشؤوها فينزل قبلها :: لولا توقفه بكل مكان
فله بـ (واد النّون) خمسُ دقائق :: و(الدارةُ البيضاءُ) عشرُ ثوان
وله لدَى (تنِدُوفَ) وقفةُ ساعة :: بمنازلِ الأقيالِ من جاكان
وحنَا على (أمِ القَرينِ) جناحه :: أمّات محموم عليه حوانِ
ومضى مضاء السهم منها حائما :: في مثل ما تتحرك العينان
حتى إذا حاذا (أطارَ) وكان من :: (كنوالَ) مرمى سهمٍ أو سهمان
ألقى على دار المحطة نظرة :: من تحته في الأمعز الصوان
فدنا رويدا نحوها متدليا :: فكأنما يدلى بحبل سوان
حتى إذا أقعى على صفوائها :: متنزلا منها على الصفوان
فإذا جرى طلقا على صم الصفا :: فكأنه خيل على صفوان
فأثار نقعا ملء ما بين السما :: والأرض منسابا كما الثعبان
يأوي لظرف مكانه حتى به :: ألقى البواني وهو ليس بوانِ
بين المحطة والحضيض ضحية :: فكأن بينهما له أبوان
فإذا به بعد التحرك ساكن :: وإذا به بعد التباعد دان
وإذا بإخوته رقودٌ حوله :: مثل الحدوج على ذرى الحيتان
وإذا الخلائق محدقون به فهم :: يلقونه بتحية وتهاني
لو كان ينطق ظل مفتخرا على :: سفن البحار وكل ذاتِ دُخان
و يقول الشيخ عدود رحمه الله في وصف أول رحلة له في الطائرة وهي من مطار داكار إلى أوروبا فاتح يناير سنة 1961
راحت تعثر بالسحاب كأنها :: ضجرا بما تلقى به تتأفف
فكأن دورَ "دكارَ" لما حلقت :: لَبِنٌ بأيدي العاملين مصفف
وكأن غاباتِ الشوارعِ بينها :: حَبٌّ حَصيدٌ في الجَرينِ مجفف
وترى السحابَ كأنه من تحتها :: قطنٌ ينفش تارة ويُلفّفُ
وكأن صوت هزيزها في جوها :: صنجٌ يُثقّلُ تارة ويُخفّفُ
وكأن قنةَ طارقٍ من تحتها ... شيخٌ كبيرٌ في البِجادِ مُلفّفُ
يمشي مديرُ الكأسِ بين رفاقها ... بالرفق مشيةَ سائلٍ يتكفّفُ
فترى الذي عُرضت عليه كؤوسُها :: طورا ينالُ وتارة يتعفّفُ
وقال رحمه الله في رحلة طويلة من داكار قادته إلى جكرتا في مؤتمر إسلامي بإندونسيا سنة 1965:
لا يبلغ الحاجات والأهواء :: كالطائرات تعالج الأجواء
تركت مطار دكار عامدة إلى :: "روما" وقد نشر الصباح ضياء
فتعرضت "ميلان" تعرض نفسها :: فكأنما نزلت بها استحياء
فتوجهت "روما" فأرست عندها :: لاتشتكي نصبا ولا إعياء
فتيممت "طهرانَ" منها بعدما :: نال المسافر بالعِشاءِ عَشاء
فاستقبلت "بومباي" منها سحرة :: والصبح يومئ نحوها إيماء
فعلت حروفا من جبال الهند لم :: تك تعرف الأفعال والأسماء
فكأنها والسحب فوق قنانها :: بختٌ غدت أوبارهن عفاء
وترى محيط الهند طورا مضحيا :: فتخال أنك قد علوت سماء
ويثور أحيانا ضباب دونه :: فتظن ماء البحر صار هباء
فقضت لدى "بومباي" ظهرا راحة :: والشمس يلفح حرُّها الأشياء
وتضيفت "بنكوك" آخر يومها :: والشمس تخضب بالأصيل الماء
فاستودعت بمطارها أختا لها :: ركبا تعدهم لها أبناء
باتوا وظلوا في انتظار ذهابها :: فتوجهت بهمَ "جكرت" عشاء
وذات سفر عبر طائرة نفاثة من باريس إلى بغداد مرورا بإسطنبول، قال الدكتور جمال ولد الحسن رحمه الله:
إنْ تَغدُ من باريسَ جافلةً بنا :: تطوي الفضاءَ كأنها طيفٌ سرَى
وتَنِخُ بإسطنبولَ حيث تلفّعت :: من صفو صحو قصيد شمس مئزرا
وتَبِتْ ببغداد الرشيد لقد طوت :: في يومها عندَ التّأمل أعصُرا
طافت بكل منار عز شامخ :: طال الزمانَ وبذّ أجيالَ القُرى
وسريرِ مملكةٍ ودارِ خلافةٍ :: ومنيفٍ عمران وملكِ أكبرا
لكنما تلك الديار وأهلها :: ولشر ما يتلى الحديث المفترى
تفدي وقلت بالفداء وأهلها :: دارا لنا أقوت وربعا أقفرا
بالجانب الغربيِ من تِنيخلفٍ :: حيث استكفَّ بذلك الغابِ العَرا
وكان من مسائل الخلاف بين العلماء في المنتبذ القصي ، مسألة الصلاة في الطائرة مع بدء الناس السفر فيها والذي طرح إشكالا فقهيا ما بين من تمسك بظاهر حد ابن عرفة الورغمي للسجود وبين مفهوم أعم للسجود.
وكان من بن من أثروا الساحة الوطنية آنذاك ببحث هذا الموضوع نظما ونثرا الإمام الأكبر العلامة بداه بن البصيري برّد الله مضجعه.
وقد حصلت مناظرة شعرية بين العلامة نافع ولد حبيب ولد الزايد ، والعلامة محمد سالم بن عدود رحمهما الله ، حيث مال العلامة نافع إلى عدم صحة الصلاة في الطائرة لاستحالة تحقق السجود كما عرفه بن عرفه وبنى على ذلك سقوط دعيمة الحج إذا كان لا يتأتى إلا بالإخلال بالصلاة وهي آكد.
في حين احتج الشيخ محمد سالم بسجود الملائكة في السماء مع عدم تحقق الحد المذكور في سجودهم إلى غير ذلك من الحجج التي أقامها على ذلك.
ومع أن الشيخ عدود في جوابه جعل المناظرة بين الشيخين بداه ونافع، تواضعا منه وتأييدا لجواب الإمام الأكبر بداه الذي لم يلتزم الرد بالشكل المماثل (الشعر) إلا أن عدود زاد وأفاد ورد، متتبعا حجج نافع، ردا التزم فيه الفقه والنظم، على نحو بديع قوي، من ذلك في المعنى تنبيهه على أن قول ابن عرفة ليس (حدا) كما ساقه نافع وإنما هو مجرد (رسم)، وكذا تحقيقه المناط كما طلب السائل.
ومن حيث الشكل رد عدود على خاتمة قصيدة نافع بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم،: ("ما :: تردد مكي إلى جنب ذي طوى")
فختم هو قصيدته بالصلاة عليه؛ "... ما طاب في طيبة الثوا"، مقابلة "عتنة" بين مكة والمدينة.
يقول العلامة نافع:
أيا علمـاء العصر دمتـم جوابـكم :: بنـسـبة مروي إلى ثقـة روى
أسائـلكم كيف الصـلاة بطـائر :: بأسرع من لمـح لفيح الهـوا طوى
فإن قلتـم صح السجـود بسطحـه :: فقد قلتـم صح السجود على الهـوا
فغـايـة أمر العـلو مع سفلـه إذا :: يكونـان في حكـم السجود معًا سَوا
وإن قلتم صح السجود على الهـوا :: فما هو ذا الإيمـاء يا قـوم مـا هـوا
وهل راكب الطيار كالركـب أم همُ :: لديكم كذي فـرْش على فرْشه استوي
فإن قلتـمُ ركب فقد أجمـعوا عـلى :: فسـاد صـلاة الراكبيـن على النوى
و إن قلتمُ كالفـْرش فالأمـر واضح :: بتفـصيلهم فيمن على فـرُش ثوى
تصـح إذا كان الفـراش ملاصقـا :: وتبطل مرفوعـا وإن كان محـشوا
وقد قـال أعـلام الأئمـة قـولة :: لداء اختـلاف الفهم قدما هي الدوا
إذا مـا اختلفتم في الحقـائق حكموا :: حدود ذوي التحقيق للمنهج السّوا
حكاه القـرافي في الفـروق وإنـها :: بـمبحثـنا ذا ربـع عـزة باللوى
فـهذي حدود للسجـود تواتـرت :: تـبـيـن بيـن الحق منه وما سـوا
حكتـها عنِ اطْباق الأجلاء كتبـهم :: فما مـن كتـاب ريـء إلا لها حوى
تعيـن مسُّ الأرض أو ما بـها يـصي :: ولو قـصبا أعنـي مـجوفة خـوا
فلا تـتـعدوها بـنا واقنـعوا بـها :: فذو اللب لا يثـنيه عن قصده الهـوى
فإن قلتمُ لا فـصل إذ جـرم الهـوى :: فـأي انـفراج ليس في ضمنه هـوى
وأي انفـصال في الـعوالـم كلـها :: فهل ريتم أن لا انفـصال لذي العـوا
إذن فنـصوص الأقدمـين ضلالـة :: وإلـزام هـذا لا أرى عاقـلا نـوى
فهـذا لعمري في الكـلام تهـافت :: وفيـه عن الجدوى نَوًى أيّمَـا نَـوَى
أجيـبوا بتحقـيق المناط وأنشـدوا :: جــوابا به تنجـوا إلى قولـه فـوا
فـما زالـت الأشياخ توقظ نائـما :: وتسمع ذا أذن وترشـد مـن غـوى
وأنتـم بدور في الديـاجي مضيئة :: هـداة إذا ما الـحق بالبـاطل التـوى
وهـذا شعـير هلهل النسج ساقـه :: إليكـم على الإنصـاف ذو جؤجؤ هوى
يـريد جـوابا بالصـواب وإنـه :: لعمـرك ما غـير الصـواب لـه جـوا
وإياكـم والحــز في غير مفصل :: وأقيسـة عن مثلـها تـقـفل الـدوا
وإيـاكمُ والبحـث والنص قـائم :: وإياكـم والرمـي للنـص في الشـوى
فـهذي نصوص الأقدمين صـريحة :: وذو الحق حيث الحـق بان له ارعـوى
إذ الحق لا يخفى على ذي بصـيرة :: وإن هـو لم يعـدم وما كان معلــوا
جزى الله عن ديـن النبي مـشايخًا :: بـحور هُدًى من يأت ساحتها ارتـوى
هـم نصروا الحق المبـين وسلمـوا :: تويـلـيفـنا لـما إلى ظلــهم أوى
لـوازم أخبـار أفدنـاهـمُ بـها :: ضـرورية والـحق وا أسـفي تـوى
ونـصرة دين الحق حسبي وحسبهم :: ولاحـول إلا بالإلــه ولا قــوى
صـلاة على الـهادي ومتبعيـه ما :: تـردد مـكي إلي جـنب ذي طـوى
فأجابه الشيخ العلامة محمد سالم ولد عدود:
تبارك ربي ذو الجلال الذي استوى:: على العرش واستولى على الملك واحتوى
ملائكة السبع السموات سجد :: لسلطانه كل له ذل واقتوى
فمن فضله أن أرسل الرسل للورى :: فمن مفلح أوفى ومن خاسر غوى
وقفّى على آثارهم بمحمد :: ليخرجنا من مقتضى الجهل والهوى
فسن لنا سبل السلام ودلنا :: على ربنا حتى استوى كل ما التوى
وخلف صحبا واصلوا خط سيره :: بإذلال من ناوى وإرشاد من غوى
قَفت إثرهم من كل قرن عصابة :: تُنَشِّرُ ما قد كان طولُ المدى طوى
فمنهم حبيبٌ وابنُه نافعُ الرّضى :: وبدّاهُ شيخِ المصرِ منهلُه الروى
أجاب بنثرِ نافعٍ نظمَ نافعٍ :: بنسبة مروي إلى ثقة روى
وما لي على ذاك المقام تسلط :: فإني من القرمين أخفضُ مستوَى
ولكنه قد يبذل الجهدَ مقترٌ:: وقد تُكرمُ الأضياف والقدّ يشتوى
أنافع إني لم أرد بجوابكم :: مناوَأَة ما للفتى غير ما نوى
فأما الذى استشكلتم من صلاتنا :: بطائرة تنساب في لجج الهوا
وألزمتمونا جعلنا العلو واحدا :: مع السفل في حكم السجود معا سوى
فنقبلُ ما ألزمتمونا ونلتقي :: على موعد للبحث في موضع سِوى
بأي كتاب أم بأية سنة :: يخصص بالسفل السجود لذي القوى
ألم يك سكان السموات سجدا :: بنص أتى عن فالق الحب والنوى
فكم آيةٍ جاءت بذاكَ صريحةٍ :: وكم من حديثٍ صح لفظًا و محتوَى
وذكركم الإيماء ليس بوارد :: فلم ينفذ السهم السراة ولا الشوى
فموطئ ذي الإيماء لم يك سطح ما :: يباشر بالكفين والوجه إن هوى
وإجماع بطلان الصلاة لراكب :: بغير سفين البحر إن لم يخف توى
يجاب على تسليمه أن حكمه :: إذا لم تقع منه الصلاة على استوا
فإن حصـلت أركانها وشروطـها :: كقبلتها صحت على كل مستوى
فطالع متون الفقه من كل مذهب :: تجد سندا جلدا لما النظم قد حوى
وذالكمُ حكم الفراش ففوقه :: تصح وإن جافت قوائمه القوا
إذا كان أرضا للمصلي وأديت :: عليه كما تؤتى على السهل والصوى
وإن كان من بين اليدين معلقا :: فتبطل إذ عن سطحه بان وانزوى
بذاكم نُقولُ الفقهِ جاءت صريحة :: وبالعَزوِ للحطاب يُشفَى من الجوى
ولم يك رسم الورغمي مسلَّما :: وفيه احتمالٌ مبهَِم صوبَ ما انتوى
فيمكن حمل الأرض فيه على الذي :: يُقِلُّك تُرْبا كان أو ماء أو هوا
فإطلاق لفظ الأرض للسفل كالسما :: على العلو معلوم لمن لازم الدوى
إذا ما استحمت أرضه من سمائه :: شهيد معيد نضرة الغصن إذْ ذَوى
وعندكم ما في المفاهيم قد أتى :: من البحث والألقاب فيهن كالهوى
ومسلك تنقيح المناط ممهد :: يسوغ لنا من جمه العذب مرتوى
فنلغى خصوص الأرض من رسم شيخنا :: ونعتبر المعنى الأعم لنا الدوا
فنجعل مَس المرء بالوجه للذي :: عليه استوت رجلاه أيان ما ثوى
ويمكن أيضا حمله حمل غالب :: فتلغى كما ألغيت في الدية الحوى
بخفضِ أعالٍ وارتفاعِ أسافلٍ :: سجودا ونلغي الغور والنجد واللوى
ونَفيُكُمُ جِرميةً للهواءِ لا :: يَسوغ وقد سوّغتم البيعَ للهوى
ولَو لم يكن جِرما لما كان واردا :: لما مر من بسط يداوي مَن ادوى
فلا تسقطوا عن مستطيع دعيمة :: برسم لشيخ في مقاصده التِوا
ولا تَصِمُوا بالجحد للحق أمة :: مفسّقها من رأس نيق قد انهوى
خذوها إليكم مثلها في رويها :: عمامتها فوق القصائد كاللوى
فلم تك واوات الحميدي حكرة :: عليه كما المندوب محتكر لوا
وعودوا إلى القول المبيَّن تظفروا :: بنشر لما قد لفه الشعر فانطوى
وإنا على ما في الجواب نهابكم :: كهيبة ذي شبلين قد مسه الطوى
فألهمنا المولى المهيمن رشدنا :: وأمنـنا من هـول نزّاعـة الشـوى
وصلى على الهادي الأمين وآله :: وأصحابه ما طاب في طيبة الثوا
وقد أجاب الإمام الأكبر بداه ولد البصيرى نثرا على نازلة نافع.
وحين سمع قول الشيخ عدود:
فمنهم حبيبٌ وابنُه نافعُ الرّضى :: وبدّاهُ شيخِ المصرِ منهلُه الروى
أجاب بنثرِ نافعٍ نظمَ نافعٍ :: بنسبة مروي إلى ثقة روى
وما لي على ذاك المقام تسلط :: فإني من القرمين أخفضُ مستوَى
قال الإمام الأكبر بداه، معلقا على قول عدود (فإني من القرمين أخفضُ مستوَى): گطْ الشُّعَرَاءْ إلَ كِذْبُ سَابِگ ظَرْكْ.
كامل الود