هل من المفروض علينا ان نحشر غضب الأمة العربية في حلوقنا، ونبقى مكممي الأفواه بغير اكتراث لهذا الدمار الهالك، فتحترق شراييننا، وتصاب أعصابنا بالتلف لمجتمعات الوطن العربي المعاصرة جراء الأوهام والخوف وغياب الإرادة ؟ ماذا بقي لها غير أن تخرج القلوب، والعقول معا من بؤبؤ العيون لهول المشاهد المفزعة لهذا الواقع المأساوي الذي يلقي بشرر جحيمه متوعدا مصائر المجتمعات العربية في أفران الإذلال والقهر والتجويع والتهجير والاستسلام للمحتل، ورغم ذلك يقولون لنا : اخرسوا ! لئلا تصدموا مجتمعات الأمة بفواجعها بالكتابات الباطشة، وكأنها أكثر فتكا للأمة من الكوارث السياسية، والاحتلالات الافنائية ، وهل بقي ما يحصل السكوت عليه ؟
وبدلا من الإجابة على السؤال، اختلقوا فن التعليل اللامنطقي التالي:
لأنكم تجاسرتم على الطغاة، اصحاب الشأن العام ، المخصوصين به شرعا، وتقليدا متوارثا ، كما اربكتم خطط “التطبيع ” الاستسلامي في برامج الإعلام الهابط، وشككتم في مصداقية المواعيد” العرقوبية”، وكشفتم صفاقة دعاة ” تحرير” ليبيا من المغتصبين، كما أدعى المتحور الليبي في بكائيته في المحافل الدولية، وهو يواري دموع التماسيح التي غيبت وجهه القبيح، وانفه الافريقي الافطس، وسحنته الرمادية، بمنطق التلقين البشع من وزير خارجية إمارة قطر للغاز ..!
قال ضمير الصواب، لعلك مواطن عربي خارج خط الحدود العربية من الماء الى الماء، ومن صحراء الربع الخالي، الى الأوابد منها في مداخل ” نواكشوط “ في هذا الوطن العربي الملاحق بالهزائم الإرادوية، والاحتلالات الامبريالية الصهيونية، والوكلاء العملاء من امثال ” الدبيبة في طرابلس وحفتر العسكري المهزوم في ” أوزو” القابع سفيرا، وكيلا متواطئا مع الامريكان في بنغازي، وعلى الضفة الغربية لليبيا تناوبا لحكم الفاسدين من رموز طابور خامس، احتمت من المصير البائس، لكن المشرف،، بما هو أسوأ لو كانت تعلم، لكن غاب العلم عنها، وكيف لا يغيب عنها، وهي اللاهثة في كل تاريخها وراء مرؤوسيها، لأنها بلا مبدأ... كما غاب عن ابن ” نوح” عليه السلام، مبدأ النجاة حين ناداه والده، فقال سأحتمي بالجبل من الطوفان ..!
وبمناسبة الحديث عن مآسينا العربية في ليبيا العزيزة، ومن المؤسف الى حد التحسر على هذا المصير المؤلم الذي لم يكن متوقعا لشعب عربي قادته حركة المقاومة للمحتل منذ ١٩١١م. ولو انها تقطعت خلال فترات، لكنها بقيت متواصلة الى الاحتلال الأخير "الناتوي" الامبريالي.
وكاد خلال مرحلة قصيرة من عمر التحديث في الوطن العربي، أن يتجاوز عتبة التخلف بعد القضاء على الأمية، والجوع، والامراض، والظلم الاجتماعي نسبيا .. ففي سنة ١٩٩٧م بدأت المصارف الليبية، توزع على كل الأسر الليبية آلاف الدولارات سنويا من عائد البترول، كما كان المجتمع العربي الوحيد الذي لم يتجاوز اربعة ملايين ونصفا، وقد توزعت شبيبته على ما يزيد على ١٤ جامعة دون المعاهد المهنية..وأرسل في بداية التسعينات أكبر نسبة للبعثات العلمية لاسلاك الدراسات العليا ،،، وعلى الرغم من ذلك التطور الحثيث، لم يحل دون تجنيد بعض البعثات وتدريبها في معسكرات “السويد ” و” المانيا” لقلب نظام الحكم من اجل انتزاع ثروات ليبيا من أبنائها بأيدي عملاء لبوا نداء سيدهم “ساركوزيه الصهيوني”، أن استجيبوا لانقاذ ليبيا من دكتاتورها، فهرول اليه طابور النخبة السياسية التي أفسدت النظام السابق طيلة حكمه، وكان المخنث الباكي، يتنقل في طائرة خاصة الى منزله، ومواعه في الجنوب..!
فأين وكلاء “التبعية” وكتابهم في ليبيا تحت الاحتلال… من كتاب ليبيين وطنيين، و قوميين من امثال الراحل” الصادق النيهوم” الذي كان ينادي في كتاباته من خطر فيضانات شواطئ المتوسط على المدن الليبية، كما دعا الى الحاجة للماء الصالح للشرب لليبيين وذلك خلال مائتي سنة،، فشق القذافي رحمه الله ” النهر الصناعي” من أعماق الصحراء ليصل به الى طرابلس، وانتهت معه مأساة الليبيين ذوي الامراض المزمنة، كالفشل الكلوي.. فكوفئ بالقتل على أيدي عملاء فرنسا الذين سيعلقون على المشانق في القريب العاجل،، وإن غدا لناظره قريب ..؟
لذلك نزف البشرى المتفائلة على ليبيا
لذلك نزف البشرى المتفائلة على مستقبل ليبيا للكاتب العزيز، والقريب من القلب ” خالد شحام “، ونطالبه بتجنب الكتابة ذات المسحة الأخلاقية المهيمنة على قاموسه الفكري، ومخاطبته لحثالات ” الوكلاء” بالعتاب من قبيل ” عيب” – وردت في افتتاحية المقالة الأخيرة – التي تعبر عن خيبة الأمل على رأي الكاتب الليبي “الصادق النيهوم”، فالأمر يفرض قاموسا معبرا عن الرفض ورؤى للمواجهة – كما حبرت المقال الرائع باستثناء العتاب – لأن ما واجهته ليبيا، هو احتلال سافر مرفوض بدرجة رفضنا له في فلسطين وسورية، واليمن، ولأن الكتابة من اجل التغيير، أو لا تكون ، وذلك في سبيل قلب الأوضاع العربية وتغييرها، وبناء ما دمرته الزلازل الاجتماعية، قبل الطبيعية، .. وليس لإخراج السجناء السياسيين من السجون العربية، كما حصل من قبل في الثورات العالمية، بل لحرق العملاء احياء الاستحقاقي وليقل عظات السلاطين من الكتاب ما يريدون قوله..ولعله الحل الأوحد المتبقي، وهو الآتي عما قريب، لأنه الأنضج، والمفروض، كخيار وحيد أمام مجتمعات أمة العرب في تبنيها مكرهة لمبدأ شيشرون ” علي وعلى اعدائي”..
ولذلك لن تقف الكتابة الملتزمة بمبدأ التغيير في الوطن العربي قبل محاسبة أوباش الحكم العربي المسنودة بحاصدي أرواح الأبرياء ، تلك الرموز بألقابها، المستعارة، وهي تتناسل - على طريقة فئران " النرويج " - وتورث المجتمعات، كرعاع بحكم قانون الوراثة (الشرعي) الجائر ، فالمجتمعات العربية محاصرة، لأنها قطعان مشتتة المشترك المتحكم في مصائرها، هو هذه المآسي الموزعة على قدر تطور كل مجتمع، وتخلفه، ومهما، يكن فكل مجتمع عربي مستهدف إن كان على اطراف الصحراء العربية، أو في مراكزها الحضارية، ولا فرق بينها ما دام الكل مطلوب لتصفية الحساب معه للحد من صيرورة دورة بيولوجية، كان لا بد من الصرامة لتطبيق قانون تفريغ المساحات من الجموع الأحياء، لذلك فسفينة الموت الزؤام تزحف بسرعة مستخدمة مختلف أساليب الترعيب من بطش الاستبداد بالقوة ، أو بالفعل، وبالتطبيع الاستسلامي، ومستنده ” الابراهامية” التي تقطع الشك باليقين، أن مآسينا العربية، هي من تدبير رب العالمين لأجل البقاء السرمدي لتصحيح المعتقد الرباني المشروط ب” تدبير” الساسة، أوباش الأمة من سدنة “التبعية ” المدمرة..!
لذلك لا مجال للكتابة، إلا بما هو غير مألوف، مخالف لإجماع كتاب الأمة في مهازل الإذعان السياسي، كما في استنطاق شرعنا التنويري الذي يستنطق ب”نعيق الخفافيش” – على رأي الصادق النيهوم – المدمر للعقل العربي ليتوارى في سراب الماضي السحيق، ثقافة، وعقيدة لانتقاء مرجعية مأثورة منه لغلاة هذا الزمن العربي المتصهين، حتى النخاع، و المطموس بكل رديء نظرا لتصدر خطاب متخلف لرهط من كتاب الأمة العربية من ” السبئيين” الجدد، وطفرة في انتاج “وعاظ السلاطين” بتعبير الراحل علي الوردي..
لذلك كان من المتوقع، ان يستدل هذا الببغائي خلال تنفيش فهمه للمحكم من التنزيل ليوحد به خطابه الرث، كما كان حال قساوسة القرون الوسطى في دغم “الناسوت” باللاهوت” من دون مقدمات، ليست خاطئة فحسب ، بل واطئة الى ما تحت ” الماصدقات”، كما في هرطقته التالية: (( ولذا شرع – الله – المحن ، يبتلي بها عباده ليميز الخبيث من الطيب، والصادق من الكاذب ، والأصيل من الدعي..)) ؟!
وبهذا اللغط الفارغ، خدع النشء العربي، واخضعت الأجيال للدعاية للجهاد بحثا عن ” الحوريات ” منذ ١٩٧٩م، و تسيد اصحاب القوالب الجامدة بالقناعات لصد مواجهة القهر، وبتغييب الوعي المزيف، فلا يتدارك الوعي العام واقع الأمة بأنها مصلوبة على حائط من تراب، ومقسمة، ورهينة لنزوات الطغاة، وقوى الأقانيم الثلاثة المذكورة في العنوان اعلاه للمقال.
لذلك فلا إرادة، او فعلا هادفا قبل الوعي التحرري، وامتلاك مفاعيل للتحرك، ورؤية واضحة للتغيير، لأن الإدراك العام تعطل ، واضحى بصيرا، معصوب العيون.. قبل حركات المقاومة الحالية في مجتمعات الأمة ، ووعي قومي لتجاوز التخشب في الفكر السياسي الثاوي، المدخل التمهيدي لتشققات الأرض للزلازل الطبيعية، بالسياسية،، والنتيجة اقتناص حشود من الابرياء، وحشر اجسادها احياء في جوف الارض، او جرفها بالسيول نحو قاع البحار، لتتقاسمها حيتان البحر مع حيتان الفساد السياسي لوكلاء امريكا – كما في ليبيا - والحبل على الجرار، لحصد ارواح اربعمائة، واربعين مليونا، وهو ما ينسجم مع الأطروحة الصهيونية، أن ” العربي الجيد، هو العربي الميت” ..!