بعد ستة عقود من الاحتلال لم تترك فرنسا بأرضنا مكتبا يقيم به مسؤول أو وكيل وتكاد لم تترك مدرسة تستقبل ولدا لنا ولا بنتا ولم تترك مشفي يلوذ به من منا ألم به سقم أو وجع ولم تترك لنا طريقا تسلكه عربة ولم تترك منشأة تنير لنا بيتا أو مكتبا ولا مضخة ماء.....لكنها تركت فينا عن وعي وسبق إصرار مكامن الترهل وأسباب الفتنة والانقسام وعاجلت إدارتنا الفتية بتغذية أسباب التوتر واحتضان بذور الفتنة وزرع الأشواك في طريقها ولما تمضي عليها سنوات خمسة وظلت تحتال وتمكر حتي جاءت بما سموه إصلاح 99 الذي قضي على كل ما تحقق من مكاسب في سبيل استعادة الهوية منذ الاستقلال و شوش كل شيء وأضاع كل شيء ولم ينتج مصلحة في أي شيء ولكنه أعاد الفرنسية لغة ناظمة لكل شيء .....فما الذي تمن به علينا فرنسا ؟ وما الذي يعجزنا عن أن نقول لها خذي لغتك الجميلة إليك بعيدا عنا ؟ فلا حاجة لنا بها إلا كحاجتنا لما سواها من اللغات الحية في العالم..
لكننا نعيب فرنسا كثيرا وننسي أن العيب فينا أكثر فلو لم نقبل لها بتمدد لغتها وثقافتها ما كانت لتبقي ولو لم نجعل منها محجة "القيم والفضيلة وحقوق الإنسان" لما تجاوزت حد أنها دولة أوروبية لها تاريخ استعماري من أبشع أشكال الاستعمار وأكثرها قسوة وفظاعة.
الأفارقة من حولنا أخرجوا جيوش فرنسا المدججة بالسلاح وحاصروها بأبدان عارية ولم يأبهوا لقواعدها المنتشرة في أراضيهم واقتلعوا الأنظمة التي أرغمتهم عليها سنين طويلة تحميهم بالعدة والعدد ثم أغلقوا محطاتها التلفزيونية والإذاعية ولم تشرق الشمس من مغربها وما زالت الأرض تدور .....فما الذي يمنعنا أن نقول للغة الفرنسية اغربي عن مناهجنا وعن مكاتبنا ومن مراسلاتنا ومن إداراتنا العمومية والخاصة.......؟
أنرضي لأنفسنا أن يطرد أخوتنا الأفارقة جيوش فرنسا وشبكاتها الإستخباراتية والأمنية من أراضيهم ونعجز عن تصحيح وضعية لغتنا ونهاب أن نوطن لغتنا العربية في مفاصل تعليمنا وإداراتنا ؟!!!!! المواطن الإفريقي هو من طرد فرنسا وخاطر بحياته وحياة أبنائه في سبيل ذلك فما الذي يمنع المواطن الموريتاني أن يقوم فقط بطرد اللغة الفرنسية من ذهنه وتوطين لغته العربية في بيته وبين أولاده وأهله وذويه !!!!!!
مشكلتنا أن جل ساستنا ومثقفينا وصناع الرأي فينا يسخر من لغته ويستهزئ بمن يتحدث بها أو يدرس ويصف الدفاع عنها بالعمل العبثي ويتباري الجميع بتداول اللغة الفرنسية في كل دقيقة وتفصيل أمام الأطفال في البيت وفي المكاتب وعلى قارعة الطريق وعبر التلفون ووسائل التواصل الإجتماعي لا يقبل أحدهم أن يغرد خارج السرب حتي لو كانوا في غالبهم لا يفقهون منها شيئا ولا يعرفون عنها إلا القليل......جميعهم ينظرون للغة العربية نظرة عجز و دونية وعنوان تخلف !!!!!
ليست مشكلتنا أنا لا نعي وليست أنا نجهل ما ينبغي ولكن الوعي حين تختل ضوابط مقاصده يكون مفسدة وبلوى ويكون الجهل أقل منه ضررا وأنجى ومكامن الخلل عندنا ليست في سلطة ولا حكومة وإنما في من يصنع الحكومات والأنظمة هي السياسة والثقافة عُراب الشيء ونقيضه وسماسرة المواقف المتبدلة والمتغيرة وفق مظان الريع في رحلة بحث لا يكل عن مصلحة فرد أو جماعة يضيع معها حاضر شعب ويضيع معها مستقبل أمة......
د. محمد ولد الراظي