تفاعل المثقفون في وطننا العربي مع التحولات الاجتماعية خاصة المثقفون الثوريون، و المؤيدون للتغيير الاجتماعي، والسياسي، والحضري الذي قادته الثورات العربية منذ منتصف القرن الماضي، وكان المعيار الذي يميز الثورة عن الانقلاب، هو إحداث التغيير في مختلف المجالات الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، فيما اعطى مضمونا للاستقلال الوطني، وتحريره من الاحتلالات الاجنبية، وتحرير المواطن من مظاهر التخلف، والامية، والمجاعات، والامراض الاجتماعية، وهي الابعاد التي تقرر في السياسة الوطنية، والدولية ما اذا كان تحرك الجيش في عمليات التغيير عملا جزئيا لصالح الجيش، فيكون انقلابا، أو للصالح العام، فيكون ثورة، وهو تمرد, كحركة افلام العسكرية في أواخر الثمانينات فى موريتانيا..
ولذلك كانت الكتابات عن الثورات العربية، تنقسم الى:
1 ـ كتابات واعية، ويأتي في المقدمة التنظير للثورات العربية، كتابات الدكتور"عصمت سيف الدولة" رحمه الله في " نظرية الثورة العربية"، و" من التجزئة الى الوحدة " للدكتور نديم البيطار، وهناك كتابات نقدية للفكر السياسي العربي مثل كتابات عبد الله العروي " الايديولوجية العربية"وغيره من الكتاب الليبراليين، واليساريين، وتأتي حاليا الكتابة عن الانتفاضات العربية التي تم توصيفها ب " ثورات الياسمين" في العام 2011 في كل من تونس، ومصر، قبل أن يتدخل الرأسمال الخليجي، واعلامه الموجه من طرف الدوائر الامبريالية، وهو الاعلام الذي رافق جيوش الاحتلال لليبيا، واجزاء من سورية، والحرب على اليمن خلال سبع سنوات، وتعزيز دور الحركات المتطرفة في تدمير العراق، وسورية، والحرب الاهلية في الصومال، وفي الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي.
ويأتي كتاب الدكتورة " أم الزين بنشيخة" لمتابعة هذه الانتفاضة المباركة التي اسقطت النظام العسكري للدكتاتور زين العابدين بن علي في تونس،، وهذا الكتاب نقدمه للقراء في مواقعنا الافتراضية، وذلك للاطلاع على افكار المثقفين الملتزمين بقضايا مجتمعاتهم، وذلك خلال مواكبة الاحداث في اقطارهم من الوطن العربي الكبير..
ويلا حظ أن تقديم الكتاب أشار الى أن جمهور الثورة في تونس، اختلف عن قوى الثورات العربية السابقة، لأنه تكون من جمهور من عديد اطياف المجتمع، فمنه المثقف، والجامعي، والعامل وغيرهم من القوة الحية للثورة التي اكتسبت الوعي الوطني جراء المعاناة اليومية، وتداعيات الممارسة السياسة للأنظمة الفاسدة التي وحدت الرؤية العامة تجاه الدولة سواء أكانت وطنية، أم دولة غازية، ك"الرومان" سابقا، و"الامريكان" حاليا، مع التنبيه على ضرورة ابعاد التدخل الخارجي لئلا توجه الثورة من اطراف دولية معادية لمجتمعاتنا، اطراف افرغت الثورتين في تونس، ومصر من مضمونهما التغييري..
أما على مستوى الداخل، فإن الثورة يجب الا تسرق من جمهورها الجائع، والمتطلع الى الحرية، وهو ما قامت به قوى أخرى مارست المماحكة السياسية للاحزاب السياسية، وهذا كان من مآلات الثورة التونسية، والمصرية على حد سواء، وتطرق التقديم الى مبررات تلك الثورتين ، ومنها عطالة الدور الوظيفي لمؤسسات الدولة، وكذلك غياب التزامها، ومسؤوليتها تجاه المواطن، وكانا هذا تحديا كبيرا للمثقفين العرب في المدن الكبرى التي تراكم الوعي الثقافي، والسياسي فيها، سيما في تونس ومصر اللتين ينظر اليهما عربيا، ودوليا باعتبارهما مركزين لمشروع نهضة عربية، تنامت منذ الإصلاح التعليمي على عهدي "خير الدين التونسي"، و"محمد علي باشا"، ولا غروة أن قاد الثورة فيهما الشباب المثقف، وخريجي الجامعات، والاساتذة، والاطباء، والعمال. والبسطاء من " المثقفين قلبيا".
وفي الأخير تؤطر الكاتبة هذا الاتجاه من الكتابات السياسية على أساس الواقعية، وعدم اليقين، كباعثين لعدم الصمت، أو تجاهل ما يجري من أحداث مؤثرة في حياة الفرد، والمجتمع، الأمر الذي جعل هذا " النوع الجديد، يمثل المواطن / الصديق لوطنه على نحو غير مسبوق أبدا"، بديلا للكاتب" المثقف الهووي" السابق.
2 ـ مثقفون عرب ناهضوا توجهات الثورات العربية السابقة، ووقفوا الى جانب هذه الأخيرة من اجل اجهاضها، وهم طابور خامس، وقف ـ ويقف ـ في صف انظمة الخليج المناهضة للتغيير الثوري، وكانوا كتابا في الصحافة التي مولتها الانظمة الرجعية العميلة التابعة للدوائر الامبريالية، ومن أوائلهم مصطفى أمين، وأخيه في مصر خلال ستينيات القرن الماضي، ولا تخلو من هؤلاء الكتاب الذرائعيين مؤسسات النشر، والتعليم في الاقطار العربية، ذلك أن الوعي بالمصالح الشخصية، هو المعيار الذي جرف هذا الطيف السياسي الى هذا المستوى من الوعي المتدني، أو الاستلابي، كما وصفهم البعض، ولكن مواقفهم متوقعة في مجتمعات الأمة العربية التي وصلت كثافتهاالسكانية ثلاثين، واربعمائة مليونا، وتكاثروا منذ السبعينات الى الوقت الحالي، كالاكاديمي الموريتاني الذي بدأ بنشر مقالاته في صحيفة "الشرق الأوسط" منذ الاحتلال الامريكي للعراق في العام 2003م، وكان يروج للديموقراطية الامريكية البائسة التي حملت الخراب والدمار لمجتمعاتنا،، فقدر مخطئا، أن انظمة التحديث، والحداثة العربية، أنتهت في مشاهد مأساوية، وكان صوت" الحرة" الامريكية، يعرض لآرائه للترويج لها، وآخر ما كتب في هذا الاتجاه المشوه للثورات العربية، وصفه إياها ب" الانقلابات الثورية"، وهو يتحدث دون أن يقدم تعريفا للثورة، أو للأنقلاب الثوري، أو للتمرد الذي قصد به حركة التصحيح في سورية خلال حكم الراحل " حافظ الأسد"المناهض للاستسلام الساداتي، وفي التقدير الخاطئ للاكاديمي الموريتاني، أن كل الثورات العربية، انقلابات دون تمييز، وهذا قد يكون من جهله بتلك التجارب، وفكرها السياسي العربي الحديث، وقد يكون التوصيف معبرا عن رؤية موجهيه الذين، يروق لهم ما كتبه من احكام "دوغمائية" فيما زعم عن " أهم هذه الانقلابات في المرجعية الايديولوجية العربية هو" ثورة 23 يوليو 1952" التي قادها جمال عبد الناصر،،"، والتعمية التي فاق فيها التشويه لدى الكتاب الصهاينة، للثورة الفلسطينية في مواجهة المحتل الصهيوني، حيث وصفها ب " الوضع الفلسطيني" ، والحروب الصهيونية، استبدلها ب " الحروب العربية الاسرائيلية"، وهذا المقال المذكور، شرف به موقع " مراسلون" الموريتاني بتاريخ 21/ 02/ 2022.
( يتبع)