في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أتذكر أن التلفزة المغربية، عرضت مسرحية فجة، أظهرت صاحبي كوخين، وقد أوقدا النار أمام كوخيهما المتباعدين، واستضاف أحدهما رجلا مشردا، وقد ظهر في المشاهد في ضيافة كل من صاحبي الكوخين، وفي آخر المسرحية ظهر الرجل في المشهد الأخير مطرودا من طرف، من كان قد أحسن إليه منهما، وسبب الطرد، أنه "لا يستحق" المعروف الذي قدم له، لأنه ذهب الى عدو من استضافه الذي حذر من سوء افعاله، ومنها أنه لن يقدم له مساعدة، لكن تجاهل المشرد النصح الأخوي، أفقدته إلاحسان، والعطف السابق .
وهذه المسرحية، فسر بها الإعلام المغربي العلاقة بين المغرب ، وموريتانيا على أساس تنكر الأخيرة لعلاقتها مع المغرب جراء خروجها من حرب الصحراء حينئذ في اتفاقية الجزائر.
وهذا المشهد تكرر في صورة أخرى في يوم 9 سبتمبر 2021 في قراءة الكاتب الجزائري " خالد بن فقه" الذي لم نفقه من تعليماته الخالدة مقاصده في الهروب الى الأمام ـ كما يقال ـ ففي مقاله بعنوان: " آهات موريتانية مكتومة" الذي اطلعت عليه الليلة في موقع " الصدى " الموريتاني، وكان تناوله للموضوع غريبا الى حد ما نظرا، لأن الموضوع عن تداعيات قطع العلاقات السياسية بين الجزائر، والمغرب،، وبدلا من تحديد الظاهرة وتأويل اسبابها ومبرراتها ـ ولس خطورتها ـ التي جيرها الكتاب الإقليميون، كل حسب انتمائه القطري، غير أن الأخ الجزائري أتخذ فجاجا بعيد الحاجبين، وعاني في طريقه الشاق من ضعف الأداء في الأسلوب، وأخطأ الطريق في التحليل، وغاب عن باله تقديم الحلول الفكرية،، وذلك أن أسلوبه الإيحائي في معالجة المشاكل البينية في قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر، والمغرب، أحاله الى استعطاف، ومناحة من أجل من؟ كان من المتوقع أن يكون من اجل مصالح الجزائر، والمغرب، لكنه آثر على ذلك المصالح الموريتانية دون أن يحددها للقارئ الموريتاني، وكان يستجدي لها في مجال العلاقة الأسرية، وعاطفتها الحميمية مع الأخ الأوسط بين أخويه، وتارة مع الأخت الصغرى، ولا أعرف، هل دوافع الكاتب تحمل هذا الصدق العاطفي الجامح، أو الشفقة الزائدة جراء المواقف الماساوية التي استحضرها ـ ربما ـ في لقائه مع شخص ما من بلادنا، فاسقطها بالتالي على مجتمعنا الذي يحترم الاخوة العربية، والاسلامية، ولاننتظر من غيرنا الا الاحترام والتقدير المتبادلين،، واحترام كياننا السياسي، فهو دولة، وهي قطر عربي، ومغاربي، وافريقي، وعضو في الأمم التحدة، وكان ينبغى للكاتب، أن يرتقي باسلوبه عن هذا التعريض الذي يخفي الاحتقار، والاستصغار الذي حشا به "محارته" الجوفاء، المحشوة بمحبة في غير مناسبتها، ولا يخفى أنه أسلوب ينال من احترام مجتمعنا، ودولتنا،، وبذات المنطق كان عليه أن يضع لنفسه معيارا في معاجة مشاكل المجتمعين الجزائري والمغربي، كما كان عليه تجنب هذه الاثارة المهيجة للنزعات القطرية،، ما لم تقم دولة الوحدة العربية التي ستصنعا الأجيال القادمة، وليس بطبيعة الحال، هذه الأجيال التي يكابر القطريون فيها، حتى عن طرح مشاكل مجتمعاتنا على ضوء حقائق التاريخ، والجغرافيا، والمصالح الآنية للمجتمعات، وذلك من أجل تجاوز الخلافات السياسية التافهة التي لايوجد لها مبرر موضوعي، إلا عدم تحمل المسئولية لدى القيادات السياسية في كل من الجزائر والمغرب، وعجزهما عن مواجهة التحديات الداخلية، واختلاق المشاكل البينية بينهما،،علما أن انظمة سياسية على هذا المستوى من العجز، لن تقدم حلولا لمشاكل الفرد، والمجتمع، ولن توجه امكانات الدولة بما يخدم مواطنيها، وبالأحرى تجنيب الخلافات، والحروب، والإضرار بنفسها قبل جيرانها، حتى الذي لا علاقة له بهذه الصراعات الموروثة جيلا بعد جيل، وبعض الدارسين لتاريخ المغرب العربي، أرجعها الى مخلفات الصراع السياسي الذي كان قائما بين دولة العبيديين في الجزائر، وإمارة زناتة في المغرب في القرن الرابع للهجرة؟!
وكم كان جميلا، ومعبرا عن الاحترام والتقدير، أن يطلب الكاتب الجزائري من موريتانيا أن تتوسط بين المغرب والجزائر،، بدلا من مطالبتنا له بالاعتذار لمجتمعنا ودولتنا عن وصف بلادنا ب"الأخت الصغرى"، وأن يهتم في كتاباته القادمة بحل مشاكل الجزائر التي، لا نسمح لأنفسنا بطرحها عليه، أوعلى حكومة بلاده نيابة عن المجتمع الجزائري، رغم رؤيتنا الوحدوية، وأن لا يختلق لموريتانيا مواجهة متوهمة، وصراعا تاريخيا ـ على حد رأيه ـ في سبيل المركزية مع دول الأطراف، وتناسى التعايش الحضاري القائم مع شعوب المنطقة منذ آلاف السنين، ومجتمعنا لم يستند في حروبه الداخلية، أو الخارجية، إن في تاريخه القديم، أو الوسيط ، أو الحديث على المجتمعات المغاربية، مع كامل الاعتزاز بأخوتها، لا بعلاقات أنظمتها السياسية، الأمر الذي يتطلب أكثر من الجزائر والمغرب، أن يقفا مع نفسيهما في هذا الصراع السياسي، وليس الوجودي، أو الحضاري، وليتأكد الكاتب الجزائري، أن قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب الحالي، سيضر بمصالحتهما،، وليس بمصالح موريتانيا، كما توهم،،!
وهل علينا، أن نطالبه مرة أخرى بأن يجري جردا حسابيا، ليتأكد أن ثروات موريتانيا بالنظر الى كثافتها السكانية المحدودة، تجعل منها أغنى من كل من الجزائر والمغرب، أو أنه لا يحسب حسابا، إلا للفساد المالي الذي تتساوى فيه كل انظمة الوطن العربي؟!