حدثني أحد الأطر الموريتانيين العاملين في الخارج وقال: جئت لقضاء العطلة ذات مرة في البلد، وتاقت نفسي إلى رؤية أحمد ولد داداه الذي كثيراً ما سمعت الثناء عليه من طرف أشخاص ذوي مشارب مختلفة وخلفيات متباينة. وكان الوقت أوان واحدة من الحملات الانتخابية، فقررت أن أزوره في مكتبه وأن أتبرع لحملته بمبلغ رمزي، لكنه قد يكون مهماً لحزب لا يتلقى التمويل من خزينة الدولة ولا من رجال الأعمال ولا من الخارج. ولما أدخلوني عليه، وجدته رجلا هاشاً باشاً تطمئن إليه النفس وترتاح. فحدثني عن حال البلد حديث الحريص الشفيق الحادب، وعن أوضاع جالياتنا في الخارج وما ينبغي إعطاؤه لها من العناية وعن مرئياته لاستثمار مجهودات المغتربين في مشاريع وخطط وبرامج تعود على البلد بالنفع الكثير. ولما أردت الانصراف أخبرته أن بحوزتي مبلغاً مالياً (لم أحدده) أريد التبرع به للحزب وحملته الانتخابية، فنادى: يا فلان ويا فلان ويا فلان ويا فلان ويا فلان.. فجاء الخمسة، فقال لهم: هذا فلان وقد جاء يريد التبرع لحملتكم فسجلوا ما أخذتم منه واشكروه على جميل صنيعه.
يضيف محدثي: لم يقبل أحمد أن يلمس المبلغ بيده ولم يتطلع إليه بناظيره مطلقا، وظل لدقائق صامتاً مستغرقاً في التفكر والذكر.. وحين هممت بالانصراف وقف مودعا إياي وفي قلبي من الإعجاب والمحبة له أكثر مما كان.
وحدثني آخر وقال: كنت ذات مقيل مع صديق لي من كبار رجال الأعمال، في بيته، فرن هاتفه فرد وبدأ يتحدث مع الطرف الآخر، وفهمت من حديثه أن المتصل شخصية مهمة وعزيزة إلى قلب مضيفي. وبعد انتهاء المكالمة التفت إلي صديقي الثري في حالة من التعجب والاندهاش يصعب وصفها، وسألني: أعرفت مَن المتصل؟ قلت: لا والله. قال إنه أحمد ولد داداه. ثم بدأ يسرد القصة التالية: في الانتخابات الرئاسية لعام 2009 قررت تأييد المرشح في حينها أحمد ولد داداه، كرد فعل على إهانات ومضايقات تعرضتُ لها من جانب ولد عبدالعزيز وبعض المقربين منه، وفي لقائي مع أحمد أخبرتُه أني مستعد للتبرع بكل احتياجات حملته، فشكرني واعتذر عن قبول العرض قائلا إنه يكفي أن أتبرع بمبلغ مماثل لما تبرع به رجال أعمال آخرون (وكانوا قلة وتبرعاتهم محدودة وحذرة)، وإنه يمكنني مساعدته شخصياً ومساعدة الحملة والحزب بـ20 مليون أوقية كسلفة قد يتأخر سدادها لبعض الوقت. ونزولا عند رغبته فقد اكتفيت بتقديم السلفة والتبرع المحدود، فكان المجموع أقل بكثير مما كنت أنوي تقديمه أصلا. ثم جرت الانتخابات وحدث فيها ما حدث، ولم ألبث أن عدت إلى النظام وتصالحت معه، وما تذكرت يوماً قصة 20 مليون التي أخذها أحمد كسلفة، لكن بعد حوالي عام، جاءني منه اتصال هاتفي ليخبرني أنه بعث إليّ بعشرة ملايين وأنه بصدد تدبير عشرة ملايين الأخرى المتبقية عليه، فقلت له إني في الأصل لم أقدم ذلك المبلغ كسلفة وإنما كمعونة وبالتالي فلا داعي لقضائه.. لكنه أصر أيما إصرار قائلا إنه أخذ المبلع على وجه الاستلاف وبالتالي فهو ملزم بقضائه. وها هو يتصل اليوم، بعد عامين على اتصاله السابق وثلاثة أعوام على الانتخابات، ليخبرني أنه بعث إليّ بعشرة ملايين المتبقية من المبلغ. ثم يضيف رجل الأعمال: لم أر في حياتي رجلا أكثر صدقاً ونزاهة من أحمد ولد داداه.
محمد المنى