الفكر حبل متى يمسك على طرف منه ينط بالثريا ذلك الطرف
والعقل كالبحر ما نيطت غواربه شيئا ومنه بنو الأيام تغترف
ولا شك في ذلك، فإن علم دراسة المخطوطات ما يزال بكرا غضا من حيث دراسة، موضوعاته وصنعة فهارسه والتعرف على أماكنه، وتثمين مادته، ونحن هنا في هذا العمل، سنركز على أماكنه المنتشرة في مدينتنا، مدينة شنقيط العامرة بإذن الله، للتعريف بها وببعض ما تختزنه من نوادر المخطوطات النفيسة.
وسنقتصر الحديث هنا على مكتبتين تمتلكان بعض نفائس المخطوطات الوطنية مما يكسبهما خصوصية تتميزان بها.
_ مكتبة أهل لوداعه
مالك هذه المكتبة هو الحاج محمد بن لوداعه المتوفى سنة 1383ه، وكان رجل فضل وعلم، ومجتمع، ذكره محمد يحيى بن محمد الأمين بن ابوه اليعقوبي الموسوي، المتوفى سنة 1349ه في رحلته حيث التقى به ضمن أعيان المدينة من شخصيات سياسية وفكرية ودينية، فتلك المكانة بينها الجهد الذي بذله في تمكين مكتبته التي بقيت فترة من الزمن ولا زالت تقدم للمطالعين نفائس المخطوطات في شتى أنواع المعرفة، فهي تمتلك مجموعة طريفة من مؤلفات الشناقطة من مثل كتاب: الجرعة الصافية والنصيحة الكافية: للشيخ سيدي المختار الكنتي المتوفـى سنة 1226هـ. والستر الدائم للمذنب الهائم في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: للشيخ محمد فاضل بن مامين القلقمي المتوفـى سنة 1286هـ. ومفيد العباد سواء العاكف فيه والبادي: لأحمد بن البشير القلاوي المتوفـى سنة 1277هـ. كما تتوفر هذه المكتبة على عدة نسخ من شرح محمد بن عبداه الخرشي على مختصر خليل.
وهذه المكتبة كالتي تليها قامت بعثة المعهد الموريتاني للبحث العلمي بفهرستها ضمن ما قمنا به من فهرسة لمخطوطات مدينة شنقيط، لصالح مؤسسة دار الفرقان، وصدر المجلد فعلا ضمن مطبوعات الدار، وإن كان المشرف عليه آن ذاك اختزل كثيرا من المعلومات وحررها تحريرا خاصا به.
_ مكتبة أهل عبد الحميد:
لقد قمت بفهرسة لهذه المكتبة مع زملائي في المعهد الموريتاني للبحث العلمي في سنوات التسعينيات، وساعتها حصلنا على ما يزيد على ستين مخطوطة، وجدناها محفوظة عند أحد أعيان المدينة. ومن نوادرها: كتاب: كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ في اللغة العربية، لإبراهيم بن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله اللواتي الأَجْدَابي، أبو إسحاق الطرابلسي المتوفى: نحو 470هـ، ومنها أيضا: تعليق على أبيات في أحكام الجمل للمختار بن بون، لمحمد بن عبد الله بن إبراهيم بن الإمام العلوي المتوفى سنة1250ه. وحسب علمنا أن معظم كتب هذه الخزانة قد نقلت إلى خارج البلد، مما يسلكها ضمن المكتبات التي هاجرت من مدينة شنقيط في فترات مختلفة من مراحل تطورها الثقافي.
ورجاؤنا أن تعود سريعا إلى المدينة وتشارك مع لداتها في إنعاش الساحة الثقافية، وإعادة تراث المدينة إلى سابق عهده إبان ازدهار المكتبات وانتشار المحاظر، وتردد الطلبة على الشيوخ، قصد التزود بالمعارف وحفظ المتون العلمية.
ونشير هنا إلى أن المعهد الموريتاني للبحث العلمي قد ضم محتويات هذه المكتبة لموقعه الإلكتروني المعروف ب: “المخطوطات الموريتانية”.
ومما نزيده بيانا هو أن هتين المكتبتين قد انضمتا إلى المشروع الإسباني لرقمنة مكتبات مدينة شنقيط العامرة، وساهمتا بجزء لا يستهان به ضمن مساهمة المكتبات الأخرى.
ويشار إلى أن هذا المشروع قام برقمنة مئات المخطوطات التي أحضرها ملاكها، فهي الآن جاهزة للمطالعة لمن يريد أن يبحث فيها، وبها من المعلومات النادرة التي يحتاجها الباحث في معرفة كنوز المخطوطات في المدينة.
وقد قمت بتقديم جملة صالحة منها طالت معظم العلوم التي ضمتها المكتبات، وعرفت ببعض الكتب المرقمنة بإيجاز يعطي صورة للقارئ لما ضمته صفحات الكتاب، مع صورة كاملة للمخطوط، بخطوط مختلفة لنساخ مهرة من الخط المغربي، والأندلسي، إلى الخط المشرقي، من خط النسخ وخط الثلث الجميل.
وكل ذلك ضمن قرص مدمج وكتيب مترجم إلى اللغة الفرنسية يحتفظ بهما المشروع في المدينة ويوفرهما لمن له حاجة في التعرف على نفائس مخطوطات شنقيط العامرة.