قال العلامة محمد الحسن ولد الددو إن موريتانيا عرفت تجربة الربيع العربي قبل أن تعرفها تونس وباقى البلدان العربية التى قامت فيها الثورات العربية بسبب دكتاتورية وظلم وتسلط أنظمتها.
.
وأوضح العلامة ولد الددو فى مقابلة مع موقع عربي 21 أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد الزيز لم يستطع احتواء خصومه السياسيين، كما لم يستطيعوا هم أيضا تنحيته عبر مطالبتهم برحيله،" لأن دعوتهم إلى الرحيل بدون سبب مالها مبرر".
واعتبر ولد الددو أن الانتخابات البرلمانية والبلدية الأخيرة شهدت مشاركة أغلب القوى السياسية فيما كانت انتخابات الرئاسة شبه أحادية بفل مقاطعة أحزاب المعارضة لها.
وهذا نص المقابلة:
على خلفية الانتخابات الرئاسية الأخيرة بموريتانيا، وتكتل المعارضة في تنسيقية لمواجهة النظام والسعي لتحريك الشارع ضد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، كيف يمكن رصد التطورات السياسية بالساحة الموريتانية؟
بالنسبة للأوضاع في موريتانيا، فموريتانيا تقدم فيها الربيع العربي قليلا، قبل الموعد الذي شهدته تونس ومصر وبلدان الثورات، لأن موريتانيا كان بها نظام محاك لتلك الأنظمة الاستبدادية والمتطرفة المتشددة، فنظام معاوية بن الطايع كان نظاما ديكتاتوريا وحكم البلاد لمدة 20 سنة، وقامت عليه عدد من محاولات الانقلاب الفاشلة ومحاولات التغيير التي لم تفلح، ولكن كان هو أيضا يتشدد مع اللذين يقومون عليه سواء كانوا من الزنوج أو كانوا من العرب، ولذلك حصلت تصفيات في الزنوج في قياداتهم بالجيش وأخرج الكثير من الموريتانيين الزنوج للخارج، سواء خرجوا بالإكراه والإجبار أو أُخرجوا بالضغط، ولما اشترك الشعب الموريتاني في الوقوف في وجه هذا الظلم وهذا النظام الطاغي، وكان رأس الحربة في ذلك آنذاك الإسلاميين والذين كانوا في السجون وعانوا الظلم لكن كان الشعب كله معهم في هذا، فكان هناك انقلاب عسكري قام به الجيش وزال ذلك النظام ومكث قادة الانقلاب في السلطة لمدة سنة وأشهر، وأشرفوا على انتخابات وترشح فيها عدد من السياسيين ونجح منهم سيدي محمد بن الشيخ عبد الله، وهو اقتصادي ورجل كبير من أسرة معروفة وكان البلد محتاجا إلى نظرته الاقتصادية في ذلك الوقت، لكن لما أراد الاستقلال على الجيش، -والجيش قد تعود على الحكم سينين طويلة منذ الانقلاب سنة 1978 وهو الذي يمسك بزمام الأمور-، شق ذلك على الجيش وصعب عليه ولم يتفاهم مع الرئيس حول ذلك، فكان الانقلاب على سيدى محمد بن الشيخ عبد الله، وهذا الانقلاب رفضه الساسة ووقفوا في وجهه فمكثوا مدة تسعة أشهر دون اعتراف بالانقلاب وبكل ما ترتب عليه فحصل احتقان كبير أدى إلى الصلح الذي حصل في السنغال برعاية الرئيس السابق للسنغال عبد الله واد، وهذا الصلح بين القيادة العسكرية والأحزاب السياسية أدى إلى حصول انتخابات أشرفت عليها لجنة مستقلة وتم إقامة حكومة ائتلاف وطني، وتمت الانتخابات ونجح فيها قائد الانقلاب السابق وهو محمد ولد عبد العزيز الرئيس الحالي، بنسبة قريبة من 52 بالمائة.
* هل اكتمل مسار المصالحة التي اتفق عليها في السنغال أم وقع الارتداد من جديد؟
كان المفروض أن يحتوي الرجل كل الأحزاب السياسية ويقربها ويدخلها معه فيما هو فيه لأن موريتانيا سكانها قليل وتواجه الكثير من المشكلات من قبيل مشكلة الإرهاب والتطرف والمشكلة الاقتصادية والمشكلة العرقية ومشكلة التنوع الثقافي ومشكلات كثيرة وعديدة يواجهها البلد بالإضافة إلى الفقر ومشكلة الجفاف وغيرها، لكن انتهت العهدة الأولى ولم يستطع النظام الموريتاني استيعاب الحراك السياسي فكان أن تأخرت الانتخابات النيابية والبلدية عن وقتها، وانتخابات مجلس الشيوخ تأخرت وما تزال متأخرة إلى الآن، فمجلس الشيوخ مات رئيسه ولم ينتخب له رئيس إلى اليوم، ويقوده الآن نائب الرئيس، ورئاسة مجلس الشيوخ منصب دستوري مهم لأنه عندما يشغر منصب الرئيس لأي سبب من الأسباب فرئيس مجلس الشيوخ هو الذي يتولى رئاسة البلد. ثم أشرف الرئيس على الانتخابات التى قاطعها أغلب الأحزاب المعارضة وشارك فيها حزب تواصل، وعلى الرغم من الشوائب والنقص التي عرفتها هذه الانتخابات، أدت عموما إلى مشاركة جمهور الناس في الانتخابات وانتخبت برلمانا وبلديات، و كانت الانتخابات الرئاسية عكس ذلك وكان من المفروض أن تكون دوما كما ذكرنا بأن يدعوا الرئيس إلى مصالحة وطنية، وأن تقبل كذلك به المعارضة وألا يتشددوا في مقابل ذلك، لأن دعوتهم إلى الرحيل بدون سبب مالها مبرر، وأيضا هم لا يريدون الرحيل بانقلاب عسكري، لأنهم لا يريدون العسكر مرة أخرى، وكانوا يريدون أن يقدم الرئيس استقالته وهذا ما له من داع ولن يفعله الرئيس، فكان من اللازم أن يجلسوا على كرسيي الحوار، وأن يقدموا مصلحة موريتانيا على مصالحهم الحزبية والشخصية، لكن نرجو إن شاء الله أن يقع التدارك في المستقبل، وعموما فهم قاطعوا الانتخابات وكانت تقريبا انتخابات أحادية لم يشارك فيها إلا الأغلبية الرئاسية وقد نجح فيها الرئيس ولد عبد العزيز مع نسبة المشاركة المتدنية لكن نجح بنسبة مرتفعة من اللذين شاركوا أكثر من 80 بالمائة، ونحن الآن نرجو أن يكون هناك حوار جديد لأن البلد ما يزال يواجه نفس المشكلات.
* في نظرك الآن هل تتجه موريتانيا في اتجاه الدولة المدنية والبعد عن الدولة العسكرية أم لا، منسوب الديمقراطية في تصاعد؟
لا تقدم على مستوى منسوب الديمقراطية بموريتانيا حتى الآن، وما زالت تحتاج إلى تقدم حقيقي، والذين ناضلوا من رؤساء الأحزاب ومن المعارضة، والذين صبروا وقتا كثيرا وضحوا وسجنوا وبذلوا الكثير، لا يشاورون الآن في شيء من أمر البلد، فكثير من الأمور الدستورية التي ينص عليها الدستور إلى الآن غير قائمة، من قبيل زعامة المعارضة الدستورية، ورئيس مجلس الشيوخ لم ينتخب منذ مات، وثلث المجلس منتهي الصلاحية وهناك تعديلات دستورية أدخلت دون موافقة الشعب ودون الاستفتاء عليها بالتصويت المباشر، وأيضا لجنة الانتخابات التي اعتمدها الرئيس لم تكن محل رضا السياسيين وعموم الشعب.
* بعد مشاركتكم في باكالوريا سنة 1986، وكنت كالعادة من المتفوقين على المستوي الوطني، أعطيت منحة إلى تونس واعتذرت عنها، ما طبيعة المنحة وما سبب الاعتذار ؟
الموضوع كان يتعلق بمنحة للدراسة في تونس والتي كانت آنذاك مرغوبة للدراسة بها عند الشباب الموريتاني لكن تونس كانت آنذاك تحت وطأة حكم الحبيب بورقيبة وقرب سيطرة زين العابدين بن علي على الحكم فما كان الوضع يعجبني، وهذا كان سبب اعتذاري.
* كيف تلقيتم قرار وزارة الداخلية الموريتانية بحضر أنشطة جمعية المستقبل للدعوة والثقافة والتعليم التي ترأوسونها؟
أنا كنت في الخارج لما صدر القرار، والموضوع وأسبابه كان كله تلفيق وليس له أي أساس من الصحة أو الواقعية، ويبدو أن وزارة الداخلية ليس لديها أي معلومات عن الجمعية أساسا، حيث أصدرت قرارا بمصادرة أملاك الجمعية وعقاراتها وأموالها، والجمعية لا تملك أصلا أي ممتلكات، باستثناء حساب واحد في أحد البنوك الإسلامية والرصيد الذي فيه لا يتعدى 500 دولار.
* هل تم التراجع عن القرار، وماذا عن أنشطتكم؟
لا لم يتم التراجع عن القرار، ونعمل في المساجد وبعض المبادرات بغير اسم الجمعية.
* كيف تنظر للدور الذي ينبغي أن يقوم به علماء الأمة أمام التطورات الجارية في الأمة، والعديد من القضايا العصرية التي تتطلب تكييف النصوص مع الواقع وبحث مقاصدها، فما واجب الوقت اليوم بالنسبة للعلماء؟
بالنسبة للعلماء دائما الناس فيهم على قسمين: قسم يغلو فيهم ويظن أن بإمكانهم تغيير كل شيء وان بيدهم كل المسؤولية وكأنهم هم من يملكون زمام المبادرة وكأنهم هم الحكام، وهذا غلو وتجاوز، فالعلماء لا احد بيده سلطة ولا يشاورهم الحكام فيما يصنعون، والقسم الثاني هم من يرى أن العلماء لا ينبغي أن يتدخلوا في السياسة ولا في أي شيء، وأنهم ينبغي أن يكونوا كرجال الدين في الكنيسة وهؤلاء يردون أن يقصوهم من الحياة على غرار النظر العلماني، وهذا أيضا ليس بحق، لأن العلم ليس جريمة يمنع صاحبها من الدفاع عن حقوقه المدنية والسياسية، ولذلك فالعلماء يقومن بما يستطيعون من دورهم، وطبعا ليس هذا الدور هو المنظر أو الذي ينبغي أن يكون لكن هو الممكن، وفن الممكن من المهم أن يستثمره الإنسان، فالعاجز هو الذي لا يستثمر الممكن وينتظر حتى تفتح الأبواب المغلقة.
* بخصوص التطورات الجارية اليوم في مصر كيف تنظرون للتطورات السارية بين صمود دعاة الشرعية والسلمية وبين ممارسات قادة الانقلاب؟
الانقلاب الذي حصل في مصر هو كغيره من الانقلابات العسكرية، فهو مدعوم من الخارج ويحقق مصلحة أمريكا وإسرائيل أساسا، فإسرائيل تريد احتلال الفلسطينيين، وأن تقيم دولة إسرائيل الكبرى وان تهدم المسجد الأقصى وان تبني مكانه الهيكل المزعوم وان تذل الشعب الفلسطيني وأن تمحيه من الوجود ولا يمكن أن يتحقق لها ذلك ما دامت مصر قوية ممسكة بزمام الأمور ومادامت سوريا كذلك وقبلها العراق، ولذلك جاء إسقاط العراق أولا ثم سوريا، وإلى إضعاف الثورة السورية ومنعها من النجاح يقصد به أن يبقى النظام يضعف ويضعف الشعب حتى تأمن إسرائيل جنبهما، فالجيش السوري يضعف والبلد يضعف، المعارضة بالثورة لم تستطع أن تسقط النظام ولم يساعدها العالم على ذلك، وأيضا النظام أيضا لم يستطع أن يقضي على المعارضة فالمقصود هنا أن يبقى هذا يضرب هذا، حتى يتخلص من الجميع، ونفس الشيء بالسبة لمصر، لكن الإسلاميون بمصر كانوا حكماء فلم يرفعوا السلاح في وجه الانقلاب.
* كيف تتنبأ لمستقبل التدافع بين الدبابة والسلمية في مصر؟
الجيش المصري لم يخل يوما من وجود بعض الكفاءات الوطنية، التي تقدر مصلحة مصر وتغلبها، ولذلك أتوقع أن الجيش المصري لن يسكت عن هذا الوضع ولن تبقى تلك الشخصيات مكتوفة الأيدي أمام هذا الوضع، فلابد أن ينحاز للشعب في نهاية المطاف وإذا حصل ذلك فلا بد أن يتغير الوضع.