الرابحون والخاسرون من حكم ترامب ../ مهند عبد الحميد

2020-11-05 13:44:00

قبل نقاش دلائل تدعم ميزان الخاسرين والرابحين، استوقفتني حوارات وآراء فلسطينية تقول إن المصلحة الوطنية الفلسطينية تتطلب فوز ترامب.
لأن ترامب وضع كل أوراقه على الطاولة وكشف حلفاءه العرب والحلف الجديد الذي يضم إسرائيل دون تمويه، ترامب خصم صريح للشعب الفلسطيني وكل الشعوب، وهو واضح لا يمكن بناء الأوهام حوله.

.


والدليل على ذلك أنه «شدشد» الموقف الرسمي الفلسطيني وأحدث نوعا من الوحدة بين التنظيمات  من مختلف ألوان الطيف السياسي. وفي حالة نجاح ترامب مرة أخرى سيتحسن الأداء الفلسطيني، أكثر فأكثر من وجهة نظر الراغبين في فوز ترامب لولاية ثانية.

رأي آخر يقول، إن فوز ترامب مرة أخرى سيواصل تخريبه الولايات المتحدة في مختلف الصعد، وسيعزلها عن أوروبا، وسيؤجج الصراع مع إيران والصين، ويرى أصحاب هذا الرأي أن ترامب لم يستنفد وقته في ولاية واحدة، بينما العالم بحاجة إلى مزيد من الاستقطاب بين الترامبية على صعيد كوني كنموذج فاشل ومتوحش اقتصاديا وسياسيا لليبرالية الجديدة من جهة، والدول العقلانية في إطار نظام رأسمالي يحافظ على توازن المصالح من الجهة الأخرى.
رأي فلسطيني ثالث ينطلق من وجود خطر إيراني نجح عبر مليشيات تابعة للنظام الإيراني، في قمع أو إفشال الانتفاضات العراقية والسورية واللبنانية وحافظ على الأنظمة الفاسدة والمستبدة الحليفة أو التابعة له.

إزاء ذلك لا يوجد أفضل من ترامب في التصدي للخطر الإيراني، يتقاطع هذا الموقف مع مواقف دول الخليج في الشكل لكنه يختلف في الجوهر.
ورأي رابع يقول إن المرشحين الديمقراطي والجمهوري هما أسوأ من بعضهما البعض، ولا يوجد فرق يذكر بينهما في الموقف من إسرائيل.  
يلاحظ أن السلب هو المعيار المتبع في الحكم على تجربة ترامب، فالخراب والظلم والجوع والحرمان والبطش يقود بالمعنى الافتراضي إلى تغيير تلقائي.
في الواقع ليس بالضرورة حدوث تغيير إيجابي، كنتيجة حتمية لأي وضع سلبي؛ لأن الخراب والاستبداد يُمأسس وتستشرس مؤسساته في الدفاع عن مصالحها، مُسَخِّرة بذلك الأموال وأجهزة الأمن بلا حدود.

لا يحدث التغيير من تلقاء ذاته، بل لا يتحقق دون احتجاج ومقاومة وتعديل في موازين القوى، باستقطاب أوساط شعبية متضررة ولها مصلحة في التغيير.
لماذا لا يكون الإيجاب هو المعيار الذي يبنى فوقه، ولماذا لا تُقطع الطريق على الترامبية، وتشجيع الشعب الأميركي على اختصار فترة حكمها التي تسببت في إلحاق الأذى وأفدح الخسائر بمصالح الشعوب.

صحيح أنه لا يوجد اختلاف جوهري بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في كل المراحل السابقة والآن، ولكنّ هناك اختلافات سياسية تكتيكية مهمة ومؤثرة جلبها معه ترامب.
وهناك فرق بين سياسات التوحش التي يتبعها ترامب والسياسات العقلانية التي يتبعها جو بايدن. فرق بين صفقة القرن العدمية من القضية الفلسطينية، وبين القبول بإقامة دولة فلسطينية نظريا واعتماد اللا حل من الناحية العملية.  

صحيح أن اللا حل يخدم دولة الاحتلال كمحصلة عملية، لكن الصفقة تدمر تقرير المصير والحقوق المشروعة بما في ذلك قضية اللاجئين وتشرعن الاحتلال والاستيطان والسيادة الإسرائيلية على كل فلسطين التاريخية، هناك فرق بين ترامب الذي يعاقب الضحية (الشعب الفلسطيني) ويكافئ الجلاد بلا حدود، وبين جو بايدن الذي لا يعاقب الضحية مع أنه يعمل على استئناسها، ويدعم الجلاد بحدود أقل من ترامب.

الفرق التكتيكي في علم السياسة مهم جدا، وهو الفرق بين أسود/ أبيض، وبين تدرج الألوان، هو بالتحديد الفرق بين ترامب وبايدن.
بين إجراءات ترامب العدائية وبين تراجع بايدن عن تلك الإجراءات بما في ذلك إعادة فتح القنصلية في القدس، وعن كل الخطوات الأميركية الإسرائيلية التي تقوض الحل، أما نقل السفارة الأميركية إلى القدس، والتأييد والدعم الأميركي للاتفاقات الإسرائيلية مع الإمارات والبحرين والسودان، فلن يتراجع عنه بايدن وسيبقى إرثا ثقيلاً للترامبية.   
نحن جزء من عالم يتغير للأسوأ بزعامة ترامب، فالضرر الذي لحق ويلحق بالشعب الفلسطيني لا ينفصل عن الضرر الذي يلحق بالشعب الأميركي وبشعوب ودول على صعيد كوني.
يقول نعوم تشومسكي في آخر مقابلة له إن ترامب ومن يمثلهم ينشئون تحالفا دوليا من الدول الرجعية المطلقة التي يتحكم بها من البيت الأبيض، ومع إسرائيل القاعدة الشرق أوسطية للرجعية الدولية.

ويضيف تشومسكي، إن ترامب انسحب من اتفاقية باريس للمناخ وسمح باستخدام الوقود الأحفوري بالشكل الأقصى، وبفتح آخر محمية طبيعية للتنقيب.  
وتساءل تشومسكي: هل يوجد شخص في تاريخ البشرية كرس جهوده لتقويض احتمالات البقاء البشري المنظم على الأرض. والتخلص من كل ما يحمي الأميركيين من مخاطر بيئية.
وعلى صعيد اقتصادي يقول تشومسكي: كان أحد «الإنجازات» التشريعية لترامب هو التهرب الضريبي، فمن الصعب أن تجد رئيسا أكثر تكريسا لإثراء فاحشي الثراء وقطاع الشركات.

وأن أحد الأهداف الأساسية لحكومته هو حماية أقلية الأغنياء من الأغلبية».  

وإذا ما أضيف إلى سجل ترامب دعم وتشجيع إدارة ترامب للحرب في اليمن التي أحدثت أسوأ أزمة إنسانية في القرن 21.
والعمل على إلغاء قانون الرعاية الصحية الميسر للشرائح الدنيا في المجتمع الأميركي، وتشجيع العنصرية من خلال إنكار وجودها وبخاصة التمييز الذي يتعرض له السود وبعض المجموعات العرقية والمهاجرين، ترامب ينكر وجود عنصرية هيكلية في أجهزة الشرطة الأميركية.
كما أن ترامب أخل بالتوازن في عضوية المحكمة الدستورية لصالح اليمين المتزمت والتي ستنعكس على الحريات داخل الولايات المتحدة وبخاصة لجهة منع إعطاء الحق القانوني في الإجهاض.   

السؤال ما هي الحكمة من بقاء هذه السياسات تفعل فعلها التخريبي لأربع سنوات قادمة وقد تستمر الترامبية لمدى أطول سواء بشخص ترامب أو بأمثاله، إذا لم يتم إضعاف هذه الظاهرة الخطيرة ودحرها قبل تبلورها على صعيد كوني.

ما هي الحكمة من عدم دعم أو تأييد مرشح أميركي يلغي صفقة القرن، وينسحب من دعمه لحرب اليمن، ولا يتجاهل القمع الدموي وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل الحلفاء.
لماذا لا يؤيد المرشح الذي يعد برفع الضرائب على أصحاب الدخول العالية والأكثر ثراءً.
والذي يعد رفع الحد الأدنى للأجور من 7.25 دولار إلى 15 دولارا في الساعة، ويفتح أمام الأميركيين خيار المشاركة في الضمان الصحي.
إذا كان من المفهوم أن يدافع الترامبيون والمستفيدون من الترامبية عن بقاء ترامب في ولاية ثانية، فإنه من غير المفهوم أن يحظى ترامب بقبول استمراره على سدة الحكم من قبل الضحايا أو من هم في موقع الضحايا.  


[email protected]

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122