هذا شيءٌ كتبتُه في مجموعة المدرسة العليا للتعليم (ENS) الواتسابية بمناسبة ذكرى استقلال البلاد التاسعةِ والخمسين....ولأن جوَّ التحريش السائدَ قبل خمسة أشهرٍ ما زالَ نفسَ الجو، آثَـرتُ نشرَ هذا الشيءِ هنا ذِكرَى....والذِّكْـرَياتُ صَـدَى السِّـنِينَ الحَاكِـي..
.
*فرحة العيد أيقظت ذكرياتي*
إخوتي، أخواتي ، كلَّ عيد استقلال وأنتم من الله في عزة وراحة بال، وكلَّ استقلال وبلادُنا تَـرقَى في درجات النماء والتطور التربوي والبحث العلمي البنَّاء.
ذكرى الاستقلال مناسبة جليلة لاستحضار ماضي أرض مباركة واستذكار ظروف نشأة وطن كريم، بنته سواعد أبناء بَـرَرَةٍ على صعيد طاهر جمع مكونات شعب آخاه الدين ووطدت علاقاتِه وشائجُ القربى وأسدت لُـحمتَه الاجتماعيةَ عواملُ التاريخ وحدودُ الجغرافيا، شعبٍ آلى على نفسه أن يكون فكان، أن يتوحد فتوحد، أن يلتحم فالتحم، أن يبني فبنى دولة لم تزعزع أركانَـها عادياتُ الزمان ولم تقوضْ آساسَـها عاتياتُ المكان...
...............
إن المتتبع للمسار التاريخي والسياسي والاقتصادي والتربوي لهذه الأمة الأبية، الشهمة، الصامدة، الصابرة، يلحظ مدى خطورة المنعرجات الملتوية التي مرت بها فقاومت المخاطر وتجاوزت المطباتِ القاتلةَ والعراقيلَ المُـميتةَ، ذلكَ بأنَّ الله سلَّـم بتسخيره رجالا أولي قوة وأولي بأس شديد، رجالا أولي ألباب نيرة وضمائرَ حية أجمعوا أمرَهم بشهامة وعزةِ نفسٍ وإباءِ صَـغَـارٍ ووضوح رؤية وسلامةِ استراتيجيةٍ أن يتخذوا من هذه الأرض مُستقرأ ومُقامًا إلَى حِـين، وأن يبنوا من أبنائها قوة عسكرية وثقافية وعلمية وتقنية....فكان ما كان مما صمموا على تحقيقه من مـآربَ وغايات وَفقَ ترسانة من الاستراتيجيات أحكموا تصميمها ودراستها ومتابعةَ تنفيذها ومعرفةَ مواطن اختلالاتها ونقاط ضعفها...فكان التعديل تارة والتقويم أخرى، وكانت إعادة البناء ومراجعةُ الأسس والمنطلقات تارات كثيرةً....حتى استوت *موريتانيا* على سوقها تعجب الزراع، زراع *الشرف والإخاء والعدل*، لتغيظ بهِم الكفارَ، الكفارَ بإمكانية تأسيس موريتانيا دولةً قويةً على أرض خصبة بالخيرات، بالموارد الاقتصادية، بالمصادر البشرية ذات الكفاءة العالية والتكوين المحكم....
...........
إخوتِي، أخواتي، شاركتُ أولَ مرةٍ في الاحتفالات المخلدة للذكرى العاشِرة لعيد استقلالنا الوطني المجيد، كان ذلك عام 1970، كنت ابن ثمانية أعوام، أدرس في CE1 بمدرسة خَـيَّـار Khayar، المدرسة 3، الواقعة جنبَ بناية مشاريع التهذيب الحالية.
حضرنا إلى المدرسة قبل الوقت المحدد، كما هي عادة أهل ذلك الزمان الغابر، وجدنا ثلاثة كميونات مجهزة لنقلنا إلى مسجد ابن عباس، مسجد الجمعة، كما كان يسمى آن الناس ذاك، حضرنا صحبة طاقم المدرسة بقيادة المدير السيد ساخو مامادو ديكال، اصطففنا في اعتدال وانتظام مراجعين، بإشراف معلمتنا أم السبطين، رحمها الله، النشيدين اللذين سنتولى الغناء بهما: النشيد الوطني:
كن للإله ناصرا...وأنكر المناكرا،
ونشيد حزب الشعب:
بحق الكتاب وحق الوطنْ... سنكتب ما قد محاه الزمنْ...
دعانا الأمينُ لحزبٍ حَمَى...قَديمَ العهود ووحْيَ السّما...
يومَـها، في ذلك الزمان، قبلَ تسعة وخمسينَ عاما من اليوم، وإلى يومنا هذا، شممنا للاستقلال رائحةً وذقنا للانعتاق طعما، حاضرين في قلب الحدث، متلاحمين، متحدين، منصهرين في بوتقة مدرسة تتكلم نفس اللغة، تقف في نفس الصف، تغني نفس النشيد، تركب نفس الكميونات، مدرسةٍ يعرف تلامذتها أسماء معلميها وبسطاء عمالها، "مدرسة حرة" ولكنها تابعة للوزارة، للدولة...نَدرسُ نفس المقررات، نفسَ المناهج بنفسِ الطرائق...
..............
اليوم، أشهد الذكرى التاسعة والخمسين لنشأة بلدي وقد تَجَاوز أشُدَّه وبلغ ستين سنةً في تماسك والتحام، في ظلٍّ من الأمن والأمان ظَلِيلٍ أرسى دعائمه ووطد أركانَه ورسخ أوتادَه رجالٌ من المصطَفَـيْـن الأخيار من أبنائه الخيِّرين البررة، ممن يستحقون علينا الاحترامَ والتقديرَ، اختلفنا معهم أو اتفقنا، هم السادة الرؤساء: أبُو الأمةِ الأستاذ المختار ولد داداه، والذينَ جاؤُوا من بعدهِ: المصطفى ولد محمد السالك، محمد محمود ولد أحمد لولي، أعلي ولد محمد فال، با امباري، رحمهم الله وأحلهم دار المقامة من فضله...والسادة الرؤساء: محمد خون ولد هيداله، معاوية ولد الطايع، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الشيخ الغزواني، حفظهم الله وأطال في عافية أعمارهم لما فيه خير البلاد ومصالح العباد.
............
إن السلم الأهلي والعيش الرَّغيدَ المشتركَ وجوَّ السكينة والأمن والاستقرار، كلُّ أولئك عملةٌ صعبةُ المَـنال في عالم حُـوَّلٍ قُلّبٍ، يعيش على فوهة بركان، وفي محيط يتربص بنا الدوائر لنُـخرِبَ بيوتنا بأيدينا فنُـهلكَ الحرثَ والنسلَ واللهُ لا يحب الفساد..
..............
فلْـنرصَّ الصفوفَ ولْـنجعلْ معركتَنا معركةَ علم وبناء ونماء حتى نُـسايِـرَ الركبَ قبل أن يفوتنا القِـطار، وقبل أن تَـنْـهَش جدارَ الصمتِ والحَيرةِ أفَـاعِـي المرجفين في المدينة، أولي النِّظرة السوداوية، الذين يَحسَبون كلَّ صيحةٍ سانحةً يجب اقتناصُها وتوظيفها لتمزيق أوصال الاستقرار وتسميم ثمار الاستقلال بإشاعة الفاحشة السياسية وتكدير صفو حياة المواطنين المسالمين الغافلين، لكن هيهات هيهات لما يرومون!!! لكأنهم ما سمعوا قول الشاعر المهجري:
• أحكم الناس في الحياة أناس...عللوها فأحسنوا التعليلا
• قل لقوم يستنزفون المآقي...
هل شفيتم مع البكاء غليلا؟!
• كلُّ نجم إلى الأفول ولكنْ...آفةُ النجم أن يخاف الأفُولا
• ما أتينا إلى الحياة لنَـشقَى...فأريحوا أهلَ العقُول العقولاَ
• كلُّ من يجمع الهمومَ عليه...أخذته الهمومُ أخذًا وبِـيلا..
عاشت موريتانيا أرضَ عزة وإباء، آمنةً، مطمئنةً، مِعطاء.
آمين....
سطّره الفقير إلى رحمة مولاه، راجي عفوه ورضاه، ابُّـوه ولد محمَّدن ولد بَـلبَـلاَّه.
وأختمُ قولي بالصَّلاة على الذِي...شفاعَتَه أرجُو عَـنَـيْت محمَّدا.*
_______________________
*(البيت لولد حامدن).