فى الذكرى الـ18 لاعتقال القائد الفلسطيني مروان البرغوثي (سيرة حياة)../ عقل صلاح*

2020-04-16 12:00:00

تهدف هذه المقالة لتسليط الضوء على المسيرة الحياتية والكفاحية والقيادية لمروان البرغوثي القائد الشعبي الذي أمضى حياته في السجون والابعاد والمطاردة من قبل الاحتلال الإسرائيلي في الذكرى الثامنة عشر على اعتقاله.

.

حيث تأتي ذكرى اعتقاله هذا العام في ظل الحديث المستمر عن احتمالية إتمام صفقة تبادل أسرى مابين حركة حماس وإسرائيل، وكانت قد أكدت حركة حماس أكثر من مرة وتعهدت أن يكون البرغوثي والأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات في مقدمة قائمة الأسرى المطالب بالأفراج عنهم.

لقد ولد البرغوثي في 6حزيران/يونيو1958في بلدة كوبر، وعاش طفولة عادية في وضع اقتصادي واجتماعي صعب، درس المرحلة الإعدادية في بيرزيت، وعند بلوغه الثامنة عشرة سنة 1976، ألقت إسرائيل القبض عليه حيث أمضى خمس سنوات، وحصل على الثانوية العامة داخل السجن، وبعد خروجه من المعتقل التحق بجامعة بيرزيت عام 1983 ليدرس العلوم السياسية، وخلال سنواته الجامعية تعرض البرغوثي للاعتقال والمطاردة، حيث اعتقل سنة 1984 وأعيد اعتقاله سنة 1985، ثم فرضت عليه الإقامة الجبرية في نفس السنة، ومن ثم اعتقل إداريا في آب/أغسطس 1985، وفي سنة1986 تم إطلاق سراحه وأصبح مطاردا لقوات الاحتلال. عمل حتى اعتقاله محاضرًا في جامعة القدس في أبو ديس. والبرغوثي متزوج من المحامية الفلسطينية فدوى البرغوثي وهي عضو المجلس الثوري للحركة، ولهما أربعة أبناء بنت وثلاثة أولاد.

وقد نشر البرغوثي خلال فترة حريته كتابًا، هو رسالته لنيل درجة الماجستير “العلاقات الفرنسية – الفلسطينية، من جامعة بيرزيت، 1998، وخلال فترة أسره أربعة كتب وهي: كتاب الوعد: مقابلات خاصة معه (2002-2008)، وكتاب الأداء التشريعي والرقابي والسياسي للمجلس التشريعي الفلسطيني (1996-2006)، وهو أطروحتة لنيل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد البحوث والدراسات العربية، وكتاب ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي2011.

لقد بدأ البرغوثي عمله الوطني في سن مبكرة ليشهد أول تجارب أثناء دراسته الثانوية، بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه خمس سنوات، التحق بجامعة بيرزيت وأصبح رئيس مجلس الطلبة فيها لثلاث دورات متعاقبة، وعمل على تأسيس منظمة الشبيبة الفتحاوية، وتم إبعاده سنة 1988، وحينها انضم للعمل في منظمة التحرير إلى جانب الشهيد خليل الوزير في المنفى، وعمل من موقعه في المنفى عضوًا في اللجنة العليا للانتفاضة في م.ت.ف التي تشكلت من ممثلي الفصائل في المنفى، وعمل في اللجنة القيادية للقطاع الغربي وعمل مباشرة مع القيادة الموحدة للانتفاضة، وبعد عودته من المنفى تم انتخابه بالإجماع نائبًا لرئيس اللجنة الحركية العليا في الضفة وأمين سر لحركة فتح ومع الدورة الأولى للمجلس التشريعي الفلسطيني، انتخب البرغوثي نائبًا عن حركة فتح في منطقة رام الله في العام 1996، وأعيد انتخابه وهو في الأسر على رأس قائمة الحركة في العام 2006. كما انتخب عضوًا بالمجلس الثوري لفتح في المؤتمر العام الخامس للحركة عام1988.
وقد برز البرغوثي بشكل أكبر مطلع الانتفاضة الثانية عام 2000، من خلال خطاباته عن أهداف الانتفاضة ومطالب الفلسطينيين بالاستقلال، وفي الأول من إبريل/نيسان 2000، أصدرت كتائب شهداء الأقصى، بيانًا بينت فيه أن البرغوثي، هو المسؤول عن الكتائب. ويذكر أنه قبل اعتقاله الأخير قد تعرض البرثوغي إلى أكثر من محاولة اغتيال، أطلقت عليه في إحداها صواريخ موجهة، كما تم إرسال سيارة مفخخة خصيصًا له، لكنه نجا منها.

وفي انتفاضة الأقصى كان البرغوثي من أبرز المطلوبين للاحتلال حتى تم اعتقاله في منتصف نيسان/إبريل 2002، حيث تم اختطافه من أحد المنازل بمدينة رام الله على متن سيارة إسعاف، ثم نقل إلى مركز التحقيق في المسكوبية، ولاحقًا إلى المعتقل السرّي رقم 1391 ليمضي ما يقارب 103 أيام في التحقيق، لمسؤوليته عن تكوين كتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح . أما بعد اعتقاله قام البرغوثي بالعديد من الانجازات تجاه الحركة الأسيرة ومن أهمها، إطلاق أكبر عملية تعليمية في تاريخ الحركة الأسيرة من خلال برنامج جامعي متكامل، أسهم في تعبئة فراغ الأسرى ويمنحهم فرصة الحصول على شهادة جامعية، ويمثل هذا البرنامج نقلة نوعية في تاريخ الحركة الأسيرة خاصة أنه يتم وفق المقاييس والمعايير الأكاديمية.

وفي 20أيار/مايو 2004 عقدت المحكمة المركزية في تل أبيب جلستها لإدانة البرغوثي، حيث كان القرار بإدانته بخمسة تهم، وقد طالب الادعاء العام بإنزال أقصى العقوبة بحقه وطالب بإصدار حكم بسجنه ستة وعشرون مؤبدًا. وحكم عليه في 6 حزيران/يونيو 2004، بالسجن المؤبد 5 مرات و40 سنة، بعد أن اتهمته إسرائيل بقيادة تنظيم حركة فتح في الضفة، والمسؤولية عن عمليات مسلحة نفذتها كتائب شهداء الأقصى، أدت إلى مقتل وإصابة عشرات الإسرائيليين . لقد رفض البرغوثي الوقوف للحاكم في المحكمة حيث قال لهم “إنني أعلن هنا عدم اعترافي بصلاحية إسرائيل في اعتقالي واختطافي والتحقيق معي ومحاكمتي، وأعتبر إجراءاتها كافة جريمة من جرائم الحرب”.

ولم تكتف إسرائيل باعتقاله وإنما تفننت في تعذذيبه، ففي بداية كانون الثاني/يناير2003، تم عزل البرغوثي في عزل سجن أيالون التابع لسجن مدينة الرملة، كما سبق أن تم عزله نفراديًا خمسة شهور في سجن رام الله سنة 1978، وفي الرابع عشر من آب/أكتوبر2003، تم نقله إلى عزل سجن شطة 1، وفي نفس السنة تم نقله إلى عزل سجن أوهلي كيدار في بئر السبع، حيث قضى مامجموعه ألف يوم في العزل الانفرادي.

لقد لعب البرغوثي دورًا محوريًا في انتفاضة الأقصى في 28أيلول/سبتمبر2000، بعد انسداد أفق المفاوضات ما بين منظمة التحرير وإسرائيل، وتنصل الأخيرة من الاتفاقيات التي وقعت عليها على الرغم من التزام السلطة بكل ما طلب منها، وتدنيس المسجد الأقصى المبارك من قبل وزير الحرب أرئيل شارون، مما تسبب بإطلاق شرارة اندلاع انتفاضة الأقصى التي سرعان ما تحولت إلى ثورة عارمة بوجه الاحتلال. وقد حظيت الانتفاضة بدعم مالي ومعنوي وسياسي من قبل الرئيس الشهيد ياسر عرفات الذي أوعز للبرغوثي بتشكيل كتائب الأقصى التي قدمت تضحيات جسام، حيث تشكلت عام 2000 بأمر مباشر من الرئيس عرفات، ويعتبر البرغوثي مسؤول التنظيم العسكري والزعيم الروحي لكتائب شهداء الأقصى.
وينسب إلى كتائب شهداء الأقصى عشرات عمليات التفجير وإطلاق النار الفردية والمشتركة ضد أهداف إسرائيلية في الضفة والقطاع، وداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 48 على مدار نحو أربع سنوات من الانتفاضة.

لقد ركز التحقيق مع البرغوثي على أنه رئيس التنظيم، وهو منظمة مسلحة تابعة لفتح، وبأنه قائد الانتفاضة ومؤسس وقائد كتائب شهداء الأقصى، كما ينسب له تقديم السلاح والمال للجماعات المسلحة، كما حملته المسؤولية عن عشرات العمليات الفدائية التي أدت إلى مقتل 104 إسرائيليًا وإصابة المئات، وقد استمر التحقيق مع البرغوثي أربعة أشهر أمضاها في زنازين التحقيق، على مدار الأربعة والعشرين ساعة واستخدموا معه كل وسائل وأساليب التعذيب.

ويطلق الإسرائيليون على البرغوثي عرفات الصغير، وكانوا يعدونه ذراع عرفات اليمنى في توجيه الانتفاضة، وخلال التحقيق معه تمحورت الأسئلة حول علاقته بالرئيس عرفات، وكانت الأسئلة تدور حول التمويل وقرار العمليات المسلحة الفدائية، وإذا كان قد منحه الرئيس عرفات صلاحيات أو تعليمات فدائية وطبيعة هذه العلاقة، وكان المحققون يبرزون الوثائق والمستندات التي سرقوها في عملية السور الواقي من مقر المقاطعة. وكان الهدف من ذلك إدانة الرئيس عرفات حيث طلبوا من البرغوثي بالإدلاء باعترفات مقابل إنهاء اعتقاله، لكن البرغوثي أكد لهم بأن علاقته بالرئيس عرفات هي علاقة سياسية، علاقة نائب في البرلمان بالرئيس وليس أكثر من ذلك

لقد أدرك الرئيس عرفات أنه لولا نشاط البرغوثي وقدرته على تعبئة الفلسطينيين واكتساب احترامهم كمناضل من حركة فتح لاكتسح الإسلاميون الشارع الفلسطيني ولسيطروا على كل المواقع، فالبرغوثي ورفاقه أعادوا للحركة مصداقيتها.

في المؤتمر العام الخامس لحركة فتح عام 1988 انتخب البرغوثي عضوًا في المجلس الثوري للحركة من بين 50عضوًا، وكان البرغوثي في ذلك الوقت العضو الأصغر سنا الذي ينتخب في هذا الموقع القيادي الرفيع في تاريخ الحركة. وفي نيسان/أبريل 1994 بعد عودة البرغوثي من المنفى تم انتخابه بالإجماع نائبًا لفيصل الحسيني وأمين سر الحركة في الضفة ليبدأ مرحلة جديدة من العمل التنظيمي والنضالي. حيث أعاد البرغوثي تنظيم حركة فتح في الضفة خلال فترة قصيرة رغم المعارضة الشديدة التي جوبه بها من قبل اللجنة المركزية .

وفي عام 1996وفي إطار الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية انتخب عضوًا في المجلس التشريعي نائبا عن دائرة رام الله، وقد عمل في المجلس في إطار اللجنة القانونية واللجنة السياسية، وكان له دورًا بارزًا وفاعلًا في المجلس وفي لجانه المختلفة. وفي المؤتمر السابع للحركة الذي عقد في 29تشرين الثاني/نوفمبر2016، تم انتخاب البرغوثي عضو لجنة مركزية واكتسح الانتخابات بحصوله على 930 صوتاً، وجاء جبريل الرجوب في المركز الثاني 830 صوتًا، حيث تنافس 65 قياديًا فتحاويًا على 18 مقعدًا في اللجنة المركزية التي تتشكل من 23 عضوًا بينهم الرئيس عباس وأربعة يتم تعيينهم، وبعد انتخابات اللجنة المركزية، اجتمعت اللجنة ووزعت المهام على أعضائها المنتخبين ولم تكلف البرغوثي بأي منصب.

ويحتل البرغوثي المرتبة الأولى من حيث الشعبية في استطلاعات الرأي العام الفلسطيني، بوصفه الزعيم المفضل، وكان البرغوثي قد رشح نفسه في مواجهة محمود عباس في الانتخابات التي جرت في سنة 2005 لكنه انسحب تحت ضغوط كبيرة وتحذيرات من شَق الحركة.

ويرى المحلل السياسي ثابت العمور أن هناك إمكانية كبيرة لأن يصبح البرغوثي رئيسًا للسلطة خلفًا للرئيس عباس وذلك لأن الشرعية الفلسطينية تستمد حضورها من عدة مداخل؛ الأول نضالي، والبرغوثي مناضل من الطراز الأول، والمدخل الثاني الاقتراب من المقاومة، والبرغوثي معتقل بسبب قيادته لكتائب شهداء الأقصى، والتاريخ، والبرغوثي له سجل نضالي تاريخي كبير وقديم، إضافة إلى قربه من الرئيس عرفات .

وتشير المعلومات إلى أن البرغوثي يعتزم خوض الانتخابات الرئاسية في المستقبل، ويقول السياسي الإسرائيلي يوسي بيلين، إن البرغوثي يعد من أهم القادة الفلسطينين سواء كان خارج السجون الاسرائيلية أم داخلها، وفي حال ترشح لهذا المنصب، فإنه سينال منصب رئاسة البلاد بكل سهولة .

ويعتبر البرغوثي من القيادات الفلسطينية القليلة التي تحظى بإجماع شعبي داخل وخارج فلسطين. وكما كان بشكل دائم يدعو إلى إصلاح حركة فتح ودمقرطتها ونبذ سياسة الإقصاء والتغييب، وأطلق شعاره التاريخي في مطلع الانتفاضة الثانية “شركاء في الدم شركاء في القرار”، وأكد مرارًا أن الوحدة الوطنية هي ” قانون الانتصار لحركات التحرر الوطني وللشعوب المقهورة”، وصاغ وثيقة الأسرى للوفاق الوطني مع قادة أسرى التنظيمات، وحظيت هذه الوثيقة على ثقة وإجماع ثلاثة عشر فصيلًا فلسطينيًا. والبرغوثي مايزال يسعى من يوم الانقسام من أجل إنهاء الحالة التي أوصلت الشعب الفلسطيني إلى هذا الوضع الصعب، وهو من قال، لو قمت بعشرين محاولة لن أيأس من المحاولة الواحدة والعشرين. وأكد البرغوثي أنه بالوحدة الفلسطينية فقط يمكن التقدم وتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني وتعزيز الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية بدعم حق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة .
فبعد هذا السرد المختصر لحياة مناضل حافلة بالعطاء والتضحية؛ فكل المعطيات تشير إلى أن البرغوثي سيكون مرشح الفصائل الفلسطينية التي تريد قائدًا وطنيًا قريب إلى نهج المقاومة والوحدة الوطنية لمواجهة التحديات الجسام والمخاطر المحدقة بالقضية والشعب الفلسطيني، ففي حال تم عقد صفقة تبادل الأسرى مابين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل قريبًا، والتي ستعقد في نهاية المطاف، سيخرج البرغوثي من السجن وستعقد الانتخابات الرئاسية وسيكون البرغوثي الرئيس المستقبلي للشعب الفلسطيني.

_________________________

ملاحظة العنوان الأصلي للمقال: البرغوثي سيخرج من السجن إلى الرئاسة
*كاتب فلسطيني وباحث مختص بالحركات الأيديولوجية.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122