لمن يريد اقناعنا ان الصورة القادمة من مجلس النواب تعكس وجه التونسيين نقول أن المطلوب التعجيل بتهذيبها لتحظى بشرف تمثيلهم
.
حظيت حكومة الياس الفخفاخ ا بثقة 129 نائبا مقابل رفض 77 و تحفظ صوت و غياب عشرة اخرين ,و هي اقل نسبة مقارنة بمختلف الحكومات السابقة منذ 2011 , و قد تجاوز الفخفاخ بعشرين صوتا المعدل المطلوب و هو 109 و بذلك يفوز دون اسعاف و يحصل على اغلبية مهمة و لكنها قد لاتكون مريحة جدا و هذا ما ستكشفه الايام القادمة عندما يحين موعد الاختبارات الجدية للملفات الحارقة التي تنتظر على الرفوف …
ما بعد المشاهد البروتوكولية
مع انتهاء المشاهد البروتوكولية لانتقال السلطة بين حكومة تمضي و اخرى تنتصب بدءا بأداء اليمين الدستورية لاعضاء الحكومة الجديدة أمام رئيس الجمهورية وصولا الى التسليم و التسلم بين رئيس الحكومة المغادر يوسف الشاهد و رئيس الحكومة الوافد على القصبة الياس الفخفاخ تطوى صفحة التقديم و الاشادة بالمشهد الديموقراطي الاستثنائي و النموذج التونسي و تجربة التدوال الديموقراطي غيرالمسبوقة على السلطة في منطقة تقودها الاهتزازات و الصراعات الدموية لتفسح المجال لفتح الملفات العالقة التي ستكون على مكتب رئيس الحكومة ووزير المالية في حكومة الترويكا للاطلاع عن قرب على حقيقة الارقام و التحديات التي تنتظر كامل الفريق الحكومي …
لاخلاف ان شريحة واسعة من التونسيين الذين فرض عليهم ان يعيشوا على وقع تقلبات المشهد السياسي تنفسوا الصعداء مع الغاء او ربما تاجيل شبح الانتخابات المبكرة التي لوح بها رئيس الجمهورية قيس سعيد عندما بدا و كأن مفاوضات تشكيل الحكومة تتجه الى الانهيار والى تنامي الصراع بين قرطاج و باردو و مونبليزير قبل ان يتم احتواء الازمة و تطويق الخلاف و تغليب منطق البند ال89 …
الاسوأ ليس وراءنا
وبرغم هذا الانفراج الحاصل بشأن الحكومة التي ظهرت للوجود بعد اكثر من تاجيل فان مؤشرات كثيرة تؤكد ان زمن الازمات و الاختلافات ليس وراءنا و أن ما حدث في جلسة منح الثقة للحكومة قد يخفي في طياته عديد المفاجئات .و الحقيقة ان في الجلسة التي امتدت خمسة عشر ساعة و استمرت حتى الفجر في الليلة الفاصلة بين الاربعاء و الخميس ما يحتمل اكثر من قراءة حول احتمالات انعكاس ما سجلته تلك الجلسة الماثورة من مداخلات و خطابات و استعراض للعضلات من جانب النواب من مختلف الكتل و الاحزاب ومن حروب كلامية و من شتم واتهامات الى درجة التكفير و هتك الاعراض و كل ذلك تحت عدسات المصورين و الكاميرا التي كانت تنقل ما يحدث للراي العام المتشوق لاكتشاف مصير الحكومة فوجد نفسه كالعادة أمام مسرحية سيئة الاخراج في اغلب الاحيان ..و بعيدا عن التعميم لا يمكن وضع جميع النواب في سلة واحدة أو تصنيف الجميع بامتهان التهريج السياسي و المراهقةالسياسية , فالبعض ممن استحقوا صفة نواب الشعب اظهر وعيا سياسيا واضحا في التعاطي مع الازمات الحارقة التي تنتظر البلاد .والكثير مما تخلل الجلسة كان صادما و عكس مشهدا نيابيا غريبا لا يخلو من التناقضات الصارخة التي سيكون لها وقعها كلما تعلق الامربالمصادقة على القوانين والتشريعات و التصويت على المؤسسات الدستورية المؤجلة او باستجواب اعضاء الحكومة ..
خطر اسمه عودة النعرات الجهوية
ولاشك ان احد اكثر الاسباب مدعاة للتوجس من اداء المجلس هيمنة خطاب النعرات الجهوية البغيضة و العروشية الغارقة في الجهل على عديد المداخلات الى جانب ما تضمنته من اثارة للاحقاد والضغائن و الدفع الى العداء بين التونسيين الى درجة الترهيب , وقد كنا نعتقد اننا طوينا نهائيا خطر النعرات الجهوية البغيضة التي تظل اقرب الى الفتنة النائمة تنتظر من يوقظها لتتحول الى مارد يستهدف المجتمع تماما كالطائفية التي تنخر اليوم شعوبا و اوطانا في المنطقة العربية ..و قد بدا خطاب و كان هناك فئة من النواب تصر على اعادة الجهوية الى السطح و الترويج بشكل مباشر او غير مباشر الى ان استثناء بعض الجهات من تشكيلة الحكومة تحقير لتلك المناطق و تقزيم لمواطنيها ..و هو خطاب في الحقيقة تكرر في اكثر من مداخلة بطريقة لا تخل من التحامل و تعكس صراحة براعة عديد النواب في الاستثمار في ماسي المناطق المهمشة و المتاجرة باحلام البسطاء و الظهور بمظهرالمدافع الشرس عن المسضعفين امام عدسات الكاميرا و هي محاولات باتت مفضوحة من شريحة واسعة من الراي العام و تعكس ثقافة محدودة و جهل معلن بدور و مسؤولية نائب الشعب الذي منحه الناخب صوته لتمثيله تحت قبة البرلمان و الدفاع عن مصالحه والدفع باولوياته و مطالب الاصلاح و تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة نحو التحقيق .ولاشك ان الصورة المنبثقة عن المجلس في جلسة الفجر لم تكن تدفع للانشراح او تدعو لتعليق امال كثيرة على المجلس غير المتجانس في خطابه و اهدافه و اولوياته و حتى في رؤيته و تاويله للدستور الذي يفترض انه المظلة التي يتظلل بها الجميع و يعود اليها كل الاطراف عندما تتعمق الخلافات ..وهي صورة تفتقر في الحقيقة لما ارتبطت به تونس عبر الحضارات و الحقب من جمال الروح و جمال الطبيعة و من انفتاح للعقول و تطلع للافضل …و نقول لمن يريد اقناعنا ان الصورة القادمة من المجلس صورة تعكس وجه التونسيين فيؤسفنا ان نقول انها قبيحة و ان المطلوب التعجيل بتهذيبها و تطوير خطابها و تخليصها من الاحقاد و التخلف و الكراهية لتحظى بشرف تمثيل التونسيين ..
129 صوتا اغلبية مريحة و لكن …
بعد شهر من المفاوضات واكثر من أربعة عشرة ساعة من النقاشات تحت قبة البرلمان حظيت حكومة الفخفاخ بورقة العبور وتم اسعافها لتتجاوز بذلك واحد من الاختبارات المصيرية في مسارالحكومة الغامض ..اذ و برغم نجاح الحكومة في اقتلاع 129 صوتا مؤيدا مقابل 77صوتا معارضا و صوت محتفظ فيما غاب عشرة نواب , فانه لا شيء يبدو محسوما في ظل تضارب المصالح و تباين الاهواء و الحسابات ..عدد الاصوات التي فازت بها حكومة الفخفاخ تظل الاضعف مقارنة بسابقاتها حيث نالت حكومة علي العريض 139 من اعضاء المجلس التاسيسي مقابل 154 لحكومة حمادي الجبالي فيما ستحصل حكومة التكنوقراط بزعامة مهدي جمعة على 149 , وستنال حكومة الحبيب الصيد بعد انتخابات 2014 ب 166 صوتا لتتصدر حكومة الشاهد بقية الحكومات بنيلها ثقة 167 صوتا داخل مجلس نواب الشعب ..و ستكون حكومة الشاهد الاطول عمرا و الاقدر على الصمود دون سابقاتها ..و قد يكون وجود حزام سياسي للحكومة مسالة مهمة و لكنها قد لاتكون ضامنا لبقاءها او منع تفككها و انهيارها ..و كل السيناريوهات تبقى قائمة مع حكومة الفخفاخ التي تجمع كل ألوان الطيف السياسي من الاسلاميين و هم الاغلبية الى جانب المستقلين وصولا الى اليساريين الليبيراليين و القوميين العروبيين الذين سيتعين عليهم الاجتماع لتقديم خطط الاصلاح للمؤسسات العمومية و لكل ما يتعلق بمخططات التنمية و مكافحة الفقر و التصدي للفساد و الارهاب و تطويرالتعليم و انقاذ الصحة و الاستثمار و التشغيل …
على ان السؤال المطروح لن يكون بمعزل عن متلازمة نتائج التصويت ومدى قدرة الحكومة على الصمود في وجه الازمات و العواصف القادمة …
جدية الرئيس و سخرية المشهد ..
لم يفوت رئيس الجمهورية قيس سعيد مناسبة اداء اليمين دون توجيه رسائله السياسية لاكثر من طرف , وكأن سعيد أراد اضافة مزيد اللمسات على ما رافق اداء اليمين من صور لم تترك التونسيين على الحياد و افتكت منهم الابتسامة رغم الاجواء القاتمة التي تعيش على وقعها البلاد , واولها صورة وزير الشباب و الرياضة الذي ارتبك لحظة اداء اليمين فوضع يده على الطاولة بدل المصحف قبل أن يتدارك تحت نظرات و ضحكات زملائه الوزراء و الثانية فتتعلق بوزيرة الثقافة التي احتارت بين تعديل حجابها و اداء اليمين ..على ان الحقيقة ان سعيد كان جديا في تعليقه على الحدث حيث قال “إن أداء الحكومة اليمين لحظة تاريخية بعد طول انتظار، وأن الوضع لم يكن سهلا قبل منح الثقة لحكومة الفخفاخ” مؤكدا في الوقت ذاته، أن رئيس الحكومة ليس وزيرا أول كما روج خلال جلسة منح الثقة و في ذلك اشارة الى انه ظل يتابع الجلسة حتى النهاية . وخلص سعيد الى ان «هناك رجال صادقون عملوا في صمت لأجل استمرار الدولة رغم محاولات بعض الأطراف الاستثمار في الأزمة»” و في ذلك اتهام ضمني لطرف واضح بمحاولة الاستثمار في الازمة التي رافقت تشكيل حكومة الفخفاخ…و ليس في الامر سرا فالصراع كان على اشده بين سعيد و الغنوشي و محاولات الشد و الجذب استمرت حتى النهاية و لم تتراجع الا بحصول الاتفاقات الاخيرة و بعض التنازلات التي قبلت بها النهضة ..و من الرسائل الاخرى التي وجها سعيد تلك المتعلقة بالقانون الانتخابي حيث قال “ان المشاورات كانت مضنية في ظل نتائج الانتخابات التشريعية.. برلمان لا وجود فيه لأغلبية واضحة لأن الطريقة التي تم اعتمادها هي التمثيل النسبي.” فهل ننتظر مبادرة تشريعية جديدة من رئيس الجمهورية للتدارك بشان القانون الانتخابي بعد المشروع الذي تقدمت به حركة النهضة و الذي توقف عند تغيير العتبة ….
تونس الى اين ؟
خلال اكثر من خمسين دقيقة تحدث الفخفاخ امام النواب و قدم اولوياته التي يفترض ان تقود عمل الحكومة في الفترة القادمة و تحدث الملفات الاقتصادية و الاجتماعية العالقة , و لكنه في المقابل اسقط ايضا الكثير من اهتمامه الكثير من الملفات و اختار الحذر في الاشارة الى الاعلام و اقتصر على تاكيد الدعم لحرية الاعلام دون التاكيد على اصلاح و انقاذ المؤسسات الاعلامية بما في ذلك المؤسسات المصادرة التي بلغت مرحلة حرجة و لم يعد بالامكان تجاهل وضعيتها …الفخفاخ تحدث عن الارادة و عن الامكانيات المتوفرة و عن استعادة ثقة التونسيين و عن لتذليل كل الصعوبات و لكنه في المقابل لم يتحدث عن تونس المستقبل و في أي اتجاه سيتم تعديل البوصلة…السفينة تترنح و الامواج عاتية و مطلوب من الربان ان يكون سديد الرؤية لانقاذ الركاب من غرق وشيك في رفوف المؤسسات المالية الاجنبية و اكراهات القروض الدووولية و الديون التي ستتحملها اجيال متعاقبة …
آسيا العتروس كاتبة تونسية