قبل سنة من الآن ودون سابق إنذار فقدت الساحة الوطنية أحد رجالاتها العظماء... رجل عرف بالصدق والنزاهة والإخلاص... رجل عم خيره وعدله القاصى قبل الدانى ..إنه الإقتصادي المشهور: الشيخ عبد الله ولد احويبيب، الذى توفي ليل الجمعة الـ25 من يناير 2019  فى تونس إثر وعكة صحية مفاجئة..

إن وفاة الشيخ عبد الله ولد احويبيب تعزى فيها أسرته وحاضرة اغشوركيت وولاية لبراكنه بصفة خاصة، كما يعزى فيها الشعب الموريتاني والوطن بصفة عامة، و تعزى فيها أيضا  الأخلاق الحميدة والصدق والتواضع والسماحة والإخلاص لله وللوطن .... فتعازينا القلبية لكل هؤلاء فى هذا المصاب الجلل..

لا يتسع المقام للحديث عن فضائل هذا الرجل الفريد لغزارتها وتعدد محاورها، ضف إلى ذلك أن هول هول الصدمة رغم مرور سنة كاملة ما زال هو الآخر لم يسمح لي بالتحدث أو الكتابة، ورغم ذلك فإنني أود التوقف عند بعض محطات مسار هذا الرجل الفذ وتحديدا فى محطتين:

الأولى: موقفه من التجاذبات السياسية فى منطقته وهو موقف قل نظيره ومعروف لدى الجميع حيث ظل المرحوم الشيخ عبد الله ولد احويبيب يحرص على أخذ مسافة متساوية من مختلف الصراعات والتجاذبات السياسية والاجتماعية التى تجرى فى محيطه فلم يعرف عنه – رحمه الله – الانحياز لهذا الطرف أو ذاك حتى أنه رفض دخول الحزب الحاكم رغم تقلده وظائف سامية فى الدولة ..... كما أنه وخلال  فترة ترأسه لجماعة التوجه قبل ذلك ظل نشاطها محصورا فى خدمة الجوانب الاجتماعية وما ينفع الناس ويمكث فى الارض بعيدا عن الاصطفاف والتخندق  حرصا منه على وحدة الصف ولم شمل الأهل وبث روح التآخى بين الجميع.

أما النقطة الثانية فهي فترة توليه إدارة شركة المياه ويعود اختياري للحديث عن هذه الفترة إلى معرفتي الشخصية بها كشاهد عيان

لقد كانت فترة إدارة المرحوم الشيخ عبد الله لشركة المياه منعطفا حاسما فى تاريخها حيث تقلد إدارتها و بها زهاء 600 متعاون لا يتقاضون سوى مبالغ زهيدة وعمال يتقاضون رواتب محدودة لا يجدون من الحقوق ولا العلاوات سوى النزر القليل وذهب عنها وقد تم اكتتاب أزيد من 80% من المتعاونين دون وساطة ودون أي تدخل، كما تمت تسوية حقوق البقية وإحالتهم إلى مؤسسة أخرى،  كما تم رفع الرواتب وعلاوات السكن والنقل للعمال وتم تأمين الجميع

أما البنى التحتية فقد تقلد المرحوم الشيخ عبد الله إدارة شركة المياه وهي تؤجر 6 مقرات فى تفرغ زينه وحدها بما فيها مقر إدارتها العامة، ولا تملك مقرا فى نواكشوط العاصمة فما بالك بالعواصم الأخرى وغادرها وقد تم تشييد مقرها الجديد فى لكصر الذى يأوى اليوم جميع إدارتها المركزية (الإدارة العامة، إدارة المشاريع، إدارة المصادر البشرية، الإدارة المالية، الإدارة التجارية، إدارة المعلوماتية).

وفوق هذا وذاك تسلم المرحوم الشيخ عبد الله ولد احويبيب إدارة شركة المياه وجميع شبكات المياه فى كل من نواكشوط ونواذيبو متهالكة ومترهلة وأغلبها متعطل وكان يسهر الليالى تلو الليالى إلى جانب عمال الشركة من أجل إصلاح الأعطاب التى تقع هنا وهناك حرصا منه على توفير الماء للمواطنين فى مختلف أحياء نواكشوط .. ولم يغادر الشركة إلا وقد تم استبدال أغلب تلك الشبكات بأخرى جديدة وتم التغلب على جميع المشاكل التى كانت تهدد سكان مختلف المدن التى تمدها شركة المياه بالماء، وزال شبح العطش نهائيا عن جميع المناطق.

ينضاف إلى سبق أن ولد احويبيب غادر شركة المياه وهي فى وضعية مالية جيدة وعلاقاتها بجميع المؤسسات نظيفة وشفافة.

كما يشهد مساره المهني فى كل القطاعات التى عمل بها أو تولى إدارتها على نزاهته وصدقه وإخلاصه للوطن؛ ولكم أن تسألوا من عملوا معه فى وزارة الاقتصاد والتخطيط ،أ وميناء نواذيبو المستقل أو شركة المياه وغيرها.و.لكم أعزائي  القراء أن تسألوهم عن حسن تسيير ولو احويبيب وعن تواضعه مع عماله ومرؤوسيه وعن صرامته ونزاهته فى تسيير المال العام، وعن قربه وحبه للجميع.

وقبل اختتام هذه الأسطر أشير إلى مدى وفائه بوعده فى المواعيد وصدقه فى التزاماته.. فقد كان رحمه الله يستقبل أصحاب المواعيد فى مكتبه بحفاوة ودون انتظار وكأنه هو صاحب الحاجة.. "تراه إذا ما جئته متهللا -- كأنك تعطيه الذى أنت سائلهْ"

باختصار شديد، وبتسليمنا ورضانا بقضاء الله  ومشيئته أقول إن الموت غيب رجلا لا كالرجال صدقا ووفاء وعفة وإخلاصا ...

رحم الله الشيخ عبد الله ولد احويبيب وأبدله خيرا منا وأبدلنا خيرا منه وأخلفه فى عقبه وأهله وإنا لله وإنا إليه راجعون.

                          الإطار السابق بالشركة الوطنية للماء:  يحيى ولد سيدى الفالي