عمان-“القدس العربي”: بدأت المواجهة بين نقيب المحامين الأردنيين في وقت محاكمة الرئيس صدام حسين، وبين القاضي الرئيسي الذي أدار المحاكمة رؤوف رشيد، تماما منذ اللحظة الأولى التي أصر فيها النقيب الأردني صالح العرموطي على دخول قاعة المحكمة بعد التوكيلات القانونية اللازمة، مرتديا ثوب العدالة ورداء المحامين الأردني.
.طلب القاضي رؤوف من العرموطي الالتزام بما سماه أصول المحاكمات في العراق والدخول لقاعة المحكمة برداء نقابة المحامين العراقيين الجديد.
رفض العرموطي أمر القاضي هنا مستثمرا على الأرجح في رغبة من يدير المحاكمة أصلا عن بعد وراء ستارة في توظيف حكاية توفير كل سبل الدفاع القانوني عن الرئيس الراحل.
وحاجج المحكمة واشتبك معها منذ اللحظة الأولى عندما أصر على القيام بواجبه داخل قاعة التقاضي مرتديا الثوب الأردني المخصص لغرف العدالة.
وجهة نظره كانت وقيلت للقاضي إنه نقيب المحامين العرب الوحيد الذي يحضر وكيلا عن الرئيس الراحل مع تقصد ان لا يذكر مفردة “المتهم”.
طلب رؤوف مجددا ورفض العرموطي وأمام عناده وإصراره قرر القاضي التغاضي عن الأمر.
هنا تحديدا سألت “القدس العربي” العرموطي: لماذا، وما هي المقاصد؟
**ببساطة أنا أمثل نقابة المحامين الأردنيين وبالتالي اتحاد المحامين العرب وإصراري على ارتداء الثوب الأردني كان رسالة سياسية ووطنية وقومية في حد ذاتها، لأن التعبير عن هويتي كوكيل قانوني هنا مسألة مهمة مع محكمة من هذا النوع فيها أصلا الكثير من الشوائب ومظاهر الخلل والعوار.
*هل كانت تلك الحادثة الوحيدة التي شهدت احتكاكا بينك وبين القاضي رؤوف؟
** طبعا لا. طوال الوقت نحن مشتبكان في التفاصيل.
*ماهي الحادثة الأخرى التي تعتقد أنها مهمة في هذا السياق؟
**عندما كانت تتاح لنا فرصة اللقاء مع موكلنا الشهيد رحمه الله صدام حسين، وفي إحدى المرات عبر الاتصال التلفزيوني معه حذرته من التجاوب مباشرة مع ما يقوله المدعي العام، وطلبت من الرئيس أن يرفض التحدث مع النيابة والادعاء إلا عبر المحكمة وفقا لأصول المحاكمات.
* ماذا حصل بعد ذلك؟
** فوجئ الطاقم الذي يدير المحكمة بالرئيس صدام ورغم الحاح القاضي، يرفض التجاوب مع ما يقوله ويسأله ويطرحه المدعي العام، وبدا واضحا لي وقد ابتسمت لحظتها، أن الرئيس التقط رسالتي، فقد خاطب الادعاء رافضا التفاعل لفظيا معه وطلب أن يخاطبه فقط عبر المحكمة والقاضي.
*نفترض هنا أن مثل هذه المناكفة أعجبت صدام حسين وأثارت قلق وانزعاج الآخرين؟
** نعم هذا صحيح. سرني شخصيا أن الرئيس الراحل التقط رسالة ما طلبته منه كأحد المحامين الموكل إليهم مهمة الدفاع عنه، وسرني أيضا أن الأطراف التي تدير لعبة المحكمة إياها انزعجت وقلقت.
العدالة مختلة
عندما علم القاضي بنصيحة العرموطي القانونية الإجرائية لصدام، أرسل له أحد الإداريين يطلب من العرموطي أن يحتسي فنجان قهوة مع القاضي رؤوف بعيدا عن قاعة المحكمة وفي غرفته الخاصة.
رفض العرموطي هذه الزيارة واعتبرها غير جائزة أصوليا وقيل له ان لدى القاضي رؤوف نية إجرائية في حال الإصرار على رفض مقابلته وشرب القهوة معه يمكنه لاحقا من إقصاء المحامي العرموطي عن القضية وإبعاده.
جواب العرموطي هنا كان أيضا مختصرا وبكلمة واحدة “فليطردني”.
لاحقا أبلغ العرموطي صدام حسين بتلك الدعوة وفنجان القهوة فسأله الرئيس عن جوابه، وبعد إبلاغ صدام ابتسم وخاطب العرموطي قائلا “عفية أبوي”.
عمليا لم تقتصر سلسلة المناكفات التي قادها العرموطي بثقله النقابي والعلمي والقانوني عند هذه الحدود، فقد لاحظ طاقم المحكمة ان دخول صدام حسين إلى قفص الاتهام والقاعة بعد دخول غيره من كبار المسؤولين كان ينتهي دوما بموقف بسيط يهز أركان القاضي والمحكمة.
فعندما يدخل صدام إلى القاعة يقف جميع المسؤولين السابقين من المتهمين للرئيس احتراما وتبجيلا.
لذلك تحول الأمر فيما بعد وحرص الطاقم التنفيذي لاحقا على دخول صدام وحده ومنفردا وقبل الآخرين حتى لا يتكرر المشهد المؤذي لمن يحاكم الرئيس.
في مقايسات العرموطي العدالة كانت مختلة أصلا في محاكمة الرئيس صدام من حيث الشكل قبل المضمون، ومن اللحظة التي عهد فيها برئاسة المحكمة إلى قاض سبق ان اتهم وحكم بالإعدام في عهد الرئيس صدام حسين.
فلسطين والعراق
* تعود “القدس العربي” للسؤال: هل كان الرئيس صدام يشتكي من ظروف الاعتقال أو لديه طلبات إنسانية اعتيادية؟
**طوال زياراتي لبغداد في تلك اللحظة لم أشعر بذلك قط طوال لقاءاتنا مع الرئيس وهي متعددة وكثيرة، لم يشتك إطلاقا من جوع أو برد أو حر ولم يطلب من المحتل ومحكمته أي خدمة خاصة ولم يطلب حتى معاملته كرئيس للجمهورية فقد كان خشنا صلبا جبلا لا يهتز لمثل هذه الاعتبارات.
*هل تسلط الضوء معنا على البيئة النفسية للرئيس خلال مقابلاتكم له وعن ماذا كان يتحدث؟
**طبعا كان يستمع لجميع المحامين ويعلق على مسار القضية ويصغي للنصائح القانونية وتميز دوما بعبارة ساخرة من الاحتلال وأذنابه وحتى من المحكمة، وكان ذكر فلسطين والقدس والعراق العظيم دوما على لسانه.
* في الأوقات التي لا يوجد فيها نقاش قانوني مع صدام ما الذي كان يحصل؟
** فخامة الرئيس الراحل كان دائم الابتسام ويعلق على الأحداث المهمة ويطلب منا توجيه بعض الرسائل لبعض الأشخاص في الخارج، وكان يقرأ الشعر معنا ولنا ويحدثنا عن مدوناته التي يوثقها ورسائله ويطلق النكات بين الحين والآخر.
منصات التجسس الأمريكية
اعتاد المحامون الوكلاء عن صدام حسين على التواصل معه قليلا عند دخوله قاعة المحكمة وتم تخصيص وقت للتشاور معهم في قاعة ملحقة بزنزانته وفي بعض الأحيان يرتب المحتل الأمريكي لقاءات عبر التلفزيون مع الرئيس.
يقف العرموطي في لحظة تأمل وهو يستشعر انفعال الرئيس صدام وأسفه وحسرته عندما أبلغوه بنبأ اغتيال محاميه العراقي خميس العبيدي، بعد اعتقاله مباشرة من منزله وأمام أولاده.
ووصف صدام القتلة بأنهم كلاب واجتاحته مسحة حزن كبيرة على المحامي الراحل وبدا وكأنه يريد منا الاطمئنان أكثر على أنفسنا كما لاحظ العرموطي.
عبيدي اغتالته يد الغدر أمام عائلته وتمت تصفيته بسلاح ميليشيا طائفية.
بالنسبة للعرموطي شعر المحامون دوما بأن حياتهم الشخصية قد تكون على المحك بالرغم من ان الترتيبات في نقلهم ونومهم وخدماتهم كانت تتم دوما مع الأمريكيين.
وهو يستذكر أنه زار بغداد خمس مرات في إطار مشاركته في هيئة الدفاع عن الرئيس صدام وانه كان يقضي في كل مرة ثلاثة أو أربعة أيام يلتقي خلالها يوميا بموكله.
وحرص الأمريكيون على استقبال العرموطي وغيره من المحامين من المطار ونقلهم بطائرة مروحية عسكرية إلى موقع السجن أو إلى مكان إقامتهم أو إلى فندق الرشيد داخل المنطقة الخضراء.
طبعا يفترض العرموطي هنا بأن منصات التجسس الأمريكية المصورة وغير المصورة خلال محاكمة صدام موجودة في كل الزوايا والمنحنيات.
الأمانة
*تعود” القدس العربي” للسؤال: ماذا حملت معك من أمانات خاصة للرئيس صدام؟
** لا يوجد شيء خاص كنت أحمله لأسباب تعلمونها، لكن قد تكون الأمانة الوحيدة هي ذلك الكتاب الذي طلب مني الشيخ الدكتور عدنان سعد الدين حمله معي إلى الرئيس صدام كهدية خاصة من الدكتور وتعلمون أنه كان المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين في سوريا.
* هل سلمت الأمانة؟ وما هي ردة فعل الرئيس صدام؟
**طبعا تم تسليم الأمانة لصاحبها وأخبرت الرئيس من أرسلها وأمسك الكتاب مبتسما وصدرت منه عبارة تتحدث عن سروره لهذه الهدية لأنها تمثل الوفاء.
*عن أي وفاء بصورة محددة نتحدث هنا؟
** أعتقد ان الأمر له علاقة بموقف الرئيس الراحل في تأمين الحماية لعائلات وقيادات من الإخوان المسلمين السوريين عندما استهدفهم النظام السوري بعد مجزرة حماة، وهنا ينبغي ان لا نسترسل في تقديري في المسألة خارج سياقها الإنساني تحديدا.
تختلط الحسرة والألم بمتعة الاستذكار عند عضو مجلس النواب الأردني والقطب الوطني صالح العرموطي، وهو يعيد شريط ذكرياته مع الرئيس صدام حسين عندما توكل للدفاع عنه بصفته ممثلا لنقابة المحامين الأردنيين.
التفاوض
يقر العرموطي بأن الخوف على حياته الشخصية كان مسألة هامشية بالنسبة له آنذاك، وبأن الرئيس صدام عندما أبلغه العرموطي بتحيات قادة حماس والشعب الفلسطيني حذر عبره من التورط الفلسطيني في كذب الدول الأوروبية والولايات المتحدة خصوصا في مسألة ضمانات المساعدات المالية والرواتب.
قال صدام إن الظروف لو كانت مختلفة لما احتاج فلسطيني واحد لدولار من “هؤلاء الكلاب”.
لاحقا ينقل العرموطي عن صدام إشارته إلى أن الدول الغربية غضبت منه عندما قرر التصرف من تلقاء نفسه بعدما زاره وزير الخارجية السوداني وأمر بجسر جوي يرسل السلاح والذخائر للسودان الشقيق لدعمه في المعركة ضد قوات قرنق في الجنوب.
هنا يضحك صدام ضحكته الشهيرة وهو يقر بأنه تصرف في المسألة السودانية كما يفعل الديكتاتور فاتخذ قرارا شخصيا وفرديا وتجاوز الحزب والأطر والمؤسسات.
تختم “القدس العربي” جولتها في ذكريات العرموطي التي تنفرد فيها مع الرئيس الراحل في أيامه الأخيرة بسؤال الخاتمة: في رأيك وتقديرك، هل كان الرئيس الراحل يتوقع فعلا إعدامه على النحو الذي حصل؟
يجيب العرموطي: يبدو سؤالا تحليليا ومحيرا. من جهتي أقدر أن الرجل لم يكن يتوقع إطلاقا تنفيذ حكم الإعدام فيه وفقا للجريمة التي حصلت حتى وأن حكمت المحكمة بإعدامه.
وصدام على الأرجح سياسيا هنا كان يعتقد أن الأمريكي المحتل سيضطر للعودة إليه والتفاوض معه بسبب المقاومة استنادا إلى أن وزير الدفاع الأمريكي زاره فعلا في سجنه وفاوضه وعرض عليه إعلان التنحي وتسليم السلطة ووقف القتال والمقاومة مقابل تأمينه شخصيا وعائلته، وهو خيار رفضه بوضوح الرئيس بدليل النتائج.
عمان-“القدس العربي”:
بدأت المواجهة بين نقيب المحامين الأردنيين في وقت محاكمة الرئيس صدام حسين، وبين القاضي الرئيسي الذي أدار المحاكمة رؤوف رشيد، تماما منذ اللحظة الأولى التي أصر فيها النقيب الأردني صالح العرموطي على دخول قاعة المحكمة بعد التوكيلات القانونية اللازمة، مرتديا ثوب العدالة ورداء المحامين الأردني.
طلب القاضي رؤوف من العرموطي الالتزام بما سماه أصول المحاكمات في العراق والدخول لقاعة المحكمة برداء نقابة المحامين العراقيين الجديد.
رفض العرموطي أمر القاضي هنا مستثمرا على الأرجح في رغبة من يدير المحاكمة أصلا عن بعد وراء ستارة في توظيف حكاية توفير كل سبل الدفاع القانوني عن الرئيس الراحل.
وحاجج المحكمة واشتبك معها منذ اللحظة الأولى عندما أصر على القيام بواجبه داخل قاعة التقاضي مرتديا الثوب الأردني المخصص لغرف العدالة.
وجهة نظره كانت وقيلت للقاضي إنه نقيب المحامين العرب الوحيد الذي يحضر وكيلا عن الرئيس الراحل مع تقصد ان لا يذكر مفردة “المتهم”.
طلب رؤوف مجددا ورفض العرموطي وأمام عناده وإصراره قرر القاضي التغاضي عن الأمر.
هنا تحديدا سألت “القدس العربي” العرموطي: لماذا، وما هي المقاصد؟
**ببساطة أنا أمثل نقابة المحامين الأردنيين وبالتالي اتحاد المحامين العرب وإصراري على ارتداء الثوب الأردني كان رسالة سياسية ووطنية وقومية في حد ذاتها، لأن التعبير عن هويتي كوكيل قانوني هنا مسألة مهمة مع محكمة من هذا النوع فيها أصلا الكثير من الشوائب ومظاهر الخلل والعوار.
*هل كانت تلك الحادثة الوحيدة التي شهدت احتكاكا بينك وبين القاضي رؤوف؟
** طبعا لا. طوال الوقت نحن مشتبكان في التفاصيل.
*ماهي الحادثة الأخرى التي تعتقد أنها مهمة في هذا السياق؟
**عندما كانت تتاح لنا فرصة اللقاء مع موكلنا الشهيد رحمه الله صدام حسين، وفي إحدى المرات عبر الاتصال التلفزيوني معه حذرته من التجاوب مباشرة مع ما يقوله المدعي العام، وطلبت من الرئيس أن يرفض التحدث مع النيابة والادعاء إلا عبر المحكمة وفقا لأصول المحاكمات.
* ماذا حصل بعد ذلك؟
** فوجئ الطاقم الذي يدير المحكمة بالرئيس صدام ورغم الحاح القاضي، يرفض التجاوب مع ما يقوله ويسأله ويطرحه المدعي العام، وبدا واضحا لي وقد ابتسمت لحظتها، أن الرئيس التقط رسالتي، فقد خاطب الادعاء رافضا التفاعل لفظيا معه وطلب أن يخاطبه فقط عبر المحكمة والقاضي.
*نفترض هنا أن مثل هذه المناكفة أعجبت صدام حسين وأثارت قلق وانزعاج الآخرين؟
** نعم هذا صحيح. سرني شخصيا أن الرئيس الراحل التقط رسالة ما طلبته منه كأحد المحامين الموكل إليهم مهمة الدفاع عنه، وسرني أيضا أن الأطراف التي تدير لعبة المحكمة إياها انزعجت وقلقت.
العدالة مختلة
عندما علم القاضي بنصيحة العرموطي القانونية الإجرائية لصدام، أرسل له أحد الإداريين يطلب من العرموطي أن يحتسي فنجان قهوة مع القاضي رؤوف بعيدا عن قاعة المحكمة وفي غرفته الخاصة.
رفض العرموطي هذه الزيارة واعتبرها غير جائزة أصوليا وقيل له ان لدى القاضي رؤوف نية إجرائية في حال الإصرار على رفض مقابلته وشرب القهوة معه يمكنه لاحقا من إقصاء المحامي العرموطي عن القضية وإبعاده.
جواب العرموطي هنا كان أيضا مختصرا وبكلمة واحدة “فليطردني”.
لاحقا أبلغ العرموطي صدام حسين بتلك الدعوة وفنجان القهوة فسأله الرئيس عن جوابه، وبعد إبلاغ صدام ابتسم وخاطب العرموطي قائلا “عفية أبوي”.
عمليا لم تقتصر سلسلة المناكفات التي قادها العرموطي بثقله النقابي والعلمي والقانوني عند هذه الحدود، فقد لاحظ طاقم المحكمة ان دخول صدام حسين إلى قفص الاتهام والقاعة بعد دخول غيره من كبار المسؤولين كان ينتهي دوما بموقف بسيط يهز أركان القاضي والمحكمة.
فعندما يدخل صدام إلى القاعة يقف جميع المسؤولين السابقين من المتهمين للرئيس احتراما وتبجيلا.
لذلك تحول الأمر فيما بعد وحرص الطاقم التنفيذي لاحقا على دخول صدام وحده ومنفردا وقبل الآخرين حتى لا يتكرر المشهد المؤذي لمن يحاكم الرئيس.
في مقايسات العرموطي العدالة كانت مختلة أصلا في محاكمة الرئيس صدام من حيث الشكل قبل المضمون، ومن اللحظة التي عهد فيها برئاسة المحكمة إلى قاض سبق ان اتهم وحكم بالإعدام في عهد الرئيس صدام حسين.
فلسطين والعراق
* تعود “القدس العربي” للسؤال: هل كان الرئيس صدام يشتكي من ظروف الاعتقال أو لديه طلبات إنسانية اعتيادية؟
**طوال زياراتي لبغداد في تلك اللحظة لم أشعر بذلك قط طوال لقاءاتنا مع الرئيس وهي متعددة وكثيرة، لم يشتك إطلاقا من جوع أو برد أو حر ولم يطلب من المحتل ومحكمته أي خدمة خاصة ولم يطلب حتى معاملته كرئيس للجمهورية فقد كان خشنا صلبا جبلا لا يهتز لمثل هذه الاعتبارات.
*هل تسلط الضوء معنا على البيئة النفسية للرئيس خلال مقابلاتكم له وعن ماذا كان يتحدث؟
**طبعا كان يستمع لجميع المحامين ويعلق على مسار القضية ويصغي للنصائح القانونية وتميز دوما بعبارة ساخرة من الاحتلال وأذنابه وحتى من المحكمة، وكان ذكر فلسطين والقدس والعراق العظيم دوما على لسانه.
* في الأوقات التي لا يوجد فيها نقاش قانوني مع صدام ما الذي كان يحصل؟
** فخامة الرئيس الراحل كان دائم الابتسام ويعلق على الأحداث المهمة ويطلب منا توجيه بعض الرسائل لبعض الأشخاص في الخارج، وكان يقرأ الشعر معنا ولنا ويحدثنا عن مدوناته التي يوثقها ورسائله ويطلق النكات بين الحين والآخر.
منصات التجسس الأمريكية
اعتاد المحامون الوكلاء عن صدام حسين على التواصل معه قليلا عند دخوله قاعة المحكمة وتم تخصيص وقت للتشاور معهم في قاعة ملحقة بزنزانته وفي بعض الأحيان يرتب المحتل الأمريكي لقاءات عبر التلفزيون مع الرئيس.
يقف العرموطي في لحظة تأمل وهو يستشعر انفعال الرئيس صدام وأسفه وحسرته عندما أبلغوه بنبأ اغتيال محاميه العراقي خميس العبيدي، بعد اعتقاله مباشرة من منزله وأمام أولاده.
ووصف صدام القتلة بأنهم كلاب واجتاحته مسحة حزن كبيرة على المحامي الراحل وبدا وكأنه يريد منا الاطمئنان أكثر على أنفسنا كما لاحظ العرموطي.
عبيدي اغتالته يد الغدر أمام عائلته وتمت تصفيته بسلاح ميليشيا طائفية.
بالنسبة للعرموطي شعر المحامون دوما بأن حياتهم الشخصية قد تكون على المحك بالرغم من ان الترتيبات في نقلهم ونومهم وخدماتهم كانت تتم دوما مع الأمريكيين.
وهو يستذكر أنه زار بغداد خمس مرات في إطار مشاركته في هيئة الدفاع عن الرئيس صدام وانه كان يقضي في كل مرة ثلاثة أو أربعة أيام يلتقي خلالها يوميا بموكله.
وحرص الأمريكيون على استقبال العرموطي وغيره من المحامين من المطار ونقلهم بطائرة مروحية عسكرية إلى موقع السجن أو إلى مكان إقامتهم أو إلى فندق الرشيد داخل المنطقة الخضراء.
طبعا يفترض العرموطي هنا بأن منصات التجسس الأمريكية المصورة وغير المصورة خلال محاكمة صدام موجودة في كل الزوايا والمنحنيات.
الأمانة
*تعود” القدس العربي” للسؤال: ماذا حملت معك من أمانات خاصة للرئيس صدام؟
** لا يوجد شيء خاص كنت أحمله لأسباب تعلمونها، لكن قد تكون الأمانة الوحيدة هي ذلك الكتاب الذي طلب مني الشيخ الدكتور عدنان سعد الدين حمله معي إلى الرئيس صدام كهدية خاصة من الدكتور وتعلمون أنه كان المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين في سوريا.
* هل سلمت الأمانة؟ وما هي ردة فعل الرئيس صدام؟
**طبعا تم تسليم الأمانة لصاحبها وأخبرت الرئيس من أرسلها وأمسك الكتاب مبتسما وصدرت منه عبارة تتحدث عن سروره لهذه الهدية لأنها تمثل الوفاء.
*عن أي وفاء بصورة محددة نتحدث هنا؟
** أعتقد ان الأمر له علاقة بموقف الرئيس الراحل في تأمين الحماية لعائلات وقيادات من الإخوان المسلمين السوريين عندما استهدفهم النظام السوري بعد مجزرة حماة، وهنا ينبغي ان لا نسترسل في تقديري في المسألة خارج سياقها الإنساني تحديدا.
تختلط الحسرة والألم بمتعة الاستذكار عند عضو مجلس النواب الأردني والقطب الوطني صالح العرموطي، وهو يعيد شريط ذكرياته مع الرئيس صدام حسين عندما توكل للدفاع عنه بصفته ممثلا لنقابة المحامين الأردنيين.
التفاوض
يقر العرموطي بأن الخوف على حياته الشخصية كان مسألة هامشية بالنسبة له آنذاك، وبأن الرئيس صدام عندما أبلغه العرموطي بتحيات قادة حماس والشعب الفلسطيني حذر عبره من التورط الفلسطيني في كذب الدول الأوروبية والولايات المتحدة خصوصا في مسألة ضمانات المساعدات المالية والرواتب.
قال صدام إن الظروف لو كانت مختلفة لما احتاج فلسطيني واحد لدولار من “هؤلاء الكلاب”.
لاحقا ينقل العرموطي عن صدام إشارته إلى أن الدول الغربية غضبت منه عندما قرر التصرف من تلقاء نفسه بعدما زاره وزير الخارجية السوداني وأمر بجسر جوي يرسل السلاح والذخائر للسودان الشقيق لدعمه في المعركة ضد قوات قرنق في الجنوب.
هنا يضحك صدام ضحكته الشهيرة وهو يقر بأنه تصرف في المسألة السودانية كما يفعل الديكتاتور فاتخذ قرارا شخصيا وفرديا وتجاوز الحزب والأطر والمؤسسات.
تختم “القدس العربي” جولتها في ذكريات العرموطي التي تنفرد فيها مع الرئيس الراحل في أيامه الأخيرة بسؤال الخاتمة: في رأيك وتقديرك، هل كان الرئيس الراحل يتوقع فعلا إعدامه على النحو الذي حصل؟
يجيب العرموطي: يبدو سؤالا تحليليا ومحيرا. من جهتي أقدر أن الرجل لم يكن يتوقع إطلاقا تنفيذ حكم الإعدام فيه وفقا للجريمة التي حصلت حتى وأن حكمت المحكمة بإعدامه.
وصدام على الأرجح سياسيا هنا كان يعتقد أن الأمريكي المحتل سيضطر للعودة إليه والتفاوض معه بسبب المقاومة استنادا إلى أن وزير الدفاع الأمريكي زاره فعلا في سجنه وفاوضه وعرض عليه إعلان التنحي وتسليم السلطة ووقف القتال والمقاومة مقابل تأمينه شخصيا وعائلته، وهو خيار رفضه بوضوح الرئيس بدليل النتائج.