10 نصائح لتكون وجيها ../ الاستاذ محمد فال ولد عبد اللطيف

2019-05-18 05:17:00

من أحسن ما اخترعته الدول الإفريقية في العصر الحديث – ولا سيما بلادنا هذه– حفظها الله، كلمة “الوجيه”، فهي كلمة حسنة الوقع في الآذان، وخفيفة على اللسان، ثقيلة في الميزان؛ ميزان التعبير عن المكانة الاجتماعية لمن يتصف بها.

.

ومن أحسن ما في هذه الكلمة أنها تحيل إلى مفهوم عائم نسبي هو مفهوم الوجاهة، فهو مفهوم لا تتوقف مقوماته على توفر شروط واقعية ولا على انتفاء موانع معروفة ومنضبطة ، فقد توجد الوجاهة دون كبير عناء إذا عرف المترشح لها كيف يتصرف وإذا تمهد لديك هذا وكنت من المتشحين للوجاهة ، الراغبين فيها فخذ مني عشر نصائح – كالليالي العشر – إذا علمت بها أصبحت وجيها إن شاء الله على رغم أنف الكاشح والحسود ،إذا لم تعمل بها كنت على خطى أن لا تكون وجيها ، وإذا أطلقها عليك الناس مجاملة فانه إطلاق أقرب ما يكون إلى التهكم منه إلى دلالة المطابقة المعروفة .

وأعلم قبل كل شيء أن النسب الطيني لا دخل له في تحصيل الوجاهة البتة وأن الحديث الشريف : ” من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه”، ينطبق في هذه الدنيا أيضا على الوجاهة فكم من عريق في النسب مردد في الطبول ترديدا ، وتناجلته ” السراويلات البيض ” من كل جهة ، وهو مع ذلك عار من الوجاهة ،عرو اللسان من الزغب ، تبرم الأمور وهو غائب ولا يستأمر فيها وهو شاهد ، وما ذلك إلا لأنه لم يعمل بعمل الوجهاء بل رضي من سيادته ونبله بأن يقال ” ابن فلانة وابن فلان “.

ومعلوم أن رصيد مجد الآباء قد ينفد حتى يصبح حسابه أشد حمرة من عرف الديك وشقائق النعمان وروايات الصين ، فإذا كنت ممن يرغب في الوجاهة فلا تتكل على النسب وحده لأنه لا يكفي وحده أما الوصايا العشر التي وعدتك بها فخذها الآن من يد امرئ غير ضنين ولا ظنين .
 

أولا ها أن تحافظ على الجماعة – ولا أعني جماعة الصلاة – بل أقصد جماعة بلدك أو بلديتك فنسق معهم ما استطعت في كل نازلة عامة أو خاصة بحيث يتفقدونك إذا غبت ويشاورونك إذا حضرت .
 

والثانية أن لا تفوتك أي زيارة رسمية يقوم بها مسؤول حكومي أو شبه حكومي لقريتك فكن له من أول المستقبلين وزاحم في السلام عليه ، زحامك على تقبيل الحجر الأسود ، واحرص على أن تنقل التلفزة صورتك للمشاهدين وأنت أقرب ما تكون منه .
 

والثالثة أن لا يفوتك مهرجان جامع أبدا ولا جلسة مهمة دون أن تتكلم فيها بشيء قل أو كثر ، ولا تنتظر حصول موجب للكلام ، فان ذلك منك خطل في الرأي ،إذ لا تنس أن العبرة ليست بما تقول بل المقصود مجرد الكلام لإثبات الذات وتأصيل القيمة وتأكيد الشخصية .

والرابعة أن تبذل وسعك وأقصى جهدك في أن يراك الناس على منصة الشرف في المهرجانات ، جد في ذلك بالغالي والنفيس فان من كان رجلا عرض الناس في المهرجان ، مجاورا للغوغاء ، يهب عليه ذفر عرقهم ، وتصك مسامعه جلبة لغطهم فلن يكون له الحظ في الوجاهة ابد الآبدين .
 

والخامسة أن تكون فيك حدة معروفة يداريها منك الناس ويهابك لها الجاهل والحليم ، ويجاملك السياسي والمترشح للمناصب العامة .
 

والسادسة أن تحفظ أبيات عامر بن الطفيل العامري وتجعل الثالث منها هجيراك وتعمل به ما دام متماشيا مع مصلحتك والأبيات هي :

واني – وان كنت ابن ســـــــيد عامـــــر***وفارسها المشهور في كل موكب –
فـما سودتني عامر عن وراثـــــــــــــــة***أبــــــــــــى الله أن أسمو بأم ولا أب
ولـكــنــنــي أحمــــي حمـــاها واتقــي***أذاهــا وأرمـــي من رماها بمنكبــي

(الأبيات)

والسابعة أن تترشح أو يسمع الناس أنك ترشحت للاستشارية البلدية وان تعذر ذلك فكن ” سيفة ” (رئيسا تقليديا ) فان تعذر كل ذلك فلا أقل من أن تكون عضوا في لجنة إدارية محلية أو رئيس مكتب تصويت أو عضوا في أحد الأهلة الحمر أو في جمعية آباء التلاميذ ، وإذا منع الله – تعالى – كل هذا فلا أهون من تلقى حاكم المقاطعة أو حاكم المركز الإداري كل خمسة عشر يوما ويراك الملأ خارجا من مكتبه وأنت مبتسم ولا يهم ما ستفاوضه فيه ، فإذا فعلت ذلك ثلاث مرات ، علم الحاكم انك وجيه حقا فعدك في الوجهاء وعاملك في المستقبل كما يعاملهم .
 

والثامنة أن تتجافى نهائيا عن بعض الوظائف الدينية التي كان يمارسها “الطلبه” في العهد الاول ، فإياي أن تكون مؤذنا أو شيخ محظرة أو مؤدب كتاب فان هؤلاء انما يكتتبون غالبا من الأتقياء الأخفياء الذين دفنوا نفوسهم في أرض الخمول .
ومن هذه صفاتهم كيف يتأتى لهم أن يكونوا من الوجهاء .
 

والتاسعة أن يكون لك دور مشهور ومكان مرهوب في جميع الحملات التحسيسة ولا سيما الانتخابية ، وهاهنا لابد من التنبيه على خطإ يرتكبه كثير ممن يظن به أنه من الوجهاء ، وهو الانصياع وراء كل ناعق وهو ما يفقدهم مصداقيتهم حيث لا يفرح بهم من يساندونه ولا يأسف على فراقهم من يعادونه .
 

والعاشرة – ولعلها بيت القصيد وفي ذلك الحساب – أن تتصف بحظ لا بأس به من “الانتهازية الذكية” ، تعرف به كيف تداهن وكيف تداحن ، وكيف تحرك الخيوط خفية ، وكيف تسرق من السراق وتقص من القصاص ، وكيف تعض كقملة القطيفة ، وكيف تأتي ذلك بوجه وهذا بوجه بحيث لا تفقد صديقا من أصدقائك ولا فردا من جمهورك .
فإذا كنت – أيها الأخ الكريم – مضطلعا بهذه النصائح العشر عاملا بها فأنت الوجيه إن شاء الله ، وإلا فلا أراك لا حقا بالوجهاء ولو كنت كالوجيه ولاحق (الفرسين المعروفين) في شدة العدو وسرعة الركض ، إلا أن يكون لك بخت سعيد يقيل عثارك ويستر عوارك ، وما أنكرنا لله تعالى قدرة.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122