سُمُوّ المعاني والتعابير في شعر محمد ولد آدبّ
2 ـ النص : (( ثمانية وخمسون عاما مضت على رحيل الرجل الظاهرة الأعجوبة،
.
محمد ولد آدبّ !!
نجم أفِلَ بعدما استحكم انعكاس ضيائه في عناصر هذا الفضاء فبقي، من خلفه، مُنيرًا محجّة الأدب لمختلف الأجيال.!!
لقد حظي هذا الإنسان العظيم بإلهام لدنيّ من عند الله يتجلى في تراثه الأدبي الفريد !!
ولقد بدا لي من خلال أدب الرجل أنه كان قرآنيا على نحو لم أجد له مثيلا فيما اطلعت عليه من أدب سواه. وقد تجاوز في قرآنيته مرتبة التضمين والاقتباس إلى مرتبة التشبع بالمعاني والمقاصد القرآنية في عمق من الفهم والتعلق بآي الذكر الحكيم !!
خذ مثلا قوله :
((قولك حق، ؤ وعدك لذاك * صـدق، ؤ ذا افلكتاب انجاب *
وافلكــتاب آمرت ابدعـــاك * ووعدت افلكتاب اب الاجاب))
ترى أنه ينطلق في هذا الكاف من قول الله تعالى في الآية 73 من سورة الانعام :
(( قوله الحق وله الملك )) ثم من قوله في الآية 9 من سورة أل عمران: (( إن الله لا يخلف الميعاد ))، وأخيرا على قوله تعالى في الآية 60 من سورة غافر: (( ادعوني أستجب لكم )).
وفي هذا المنحى تراه يعتمد على مشيئة الله تعالى كما في قوله: (( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون)) في الآية 82 من سورة يس، ويتوسل بسورتي ((ن)) و ((ق))، أو بفاتحتيهما وذلك في قوله :
(( بين الكاف اجعل حالي زين * والنون ابحرمت نون ؤقاف *
ماه ابتســـــــــــياف ؤ هو عين * اليقـــــين أمرك دون إنكاف *
ما حاصل لخــــــــلاف انو بين * النون إلـى ردت والكــاف ))
ومما يجدر بالتأمل في أدب الرجل أنه مهما اختلفت مناسباته، و تغايرت أزمانه، يظل ثابت المستوى في توحيد الله تعالى وإفراده في التوسل والدعاء (( إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله )) .. مثلا في طلعة الكاف الأول يبدأ بقوله (( ياربي لك بيك اتوسلت . . .))، وفي طلعة الكاف الثاني يبدأ بقوله تعالى: (( ربي بيك اسألتك ضعيف ... ))
وعلى وفرة الغزل في أدب الرجل لن ترى فيه اختلاطا ولا خلوة، وإنما صفاء من البوح الوجداني المشكوم بعنان الطهر والعفاف في بديع من العبارات المُحْكَمَة التركيب، يكاد قارئها العادي يتغنى بها من سلاسة بوحها الموسيقي المنساب !!
رحمك الله يا محمد، فقد كنت ملهِمًا ودافعًا لأقوام تأثروا بك وحاولوا النسج على منوالك فقصوا عنك، ولكنهم خطوا خطوة لم تكن لهم لولاك؛ وربما كنت أنا أحدهم فالحمد لمن أمدّ بك السلف، وأورث منك الخلف !!