من أي بحر في مديحك أبدأ --- وجميع أوزان الخليل تطأطئ؟
فقوافل الشعراء قبلي سطروا --- أشعارهم كقلائد تتلألأ
.وأنا على آثارهم أمشي كما يمشي العجوز على العصا يتوكأ
تتزاحم الكلمات وهي تروم ما -- لا تستطيع وكلها تتلكأ
تصيبني من فرط حبك دهشة --- مهما أصبت حدود مدحك أخطئ
فكأنني لا أهتدي لعبارة --- وكأنني في ما أقول أتأتئ.
من أين أبدأ والعبارة قصرت --- ومشاعري كالبحر ليست تهدأ
أوقدت مصباح المحبة لا أنا --- أغفو ولا المصباح يوما يطفأ
لو أن حسانا أعار مديحه --- ترعى البصيري ما أخط وأنشئ
وسلبت من قلب البراعي حبه --- وأمدني بخياله المتنبئ
وسعى ببردته إلي مسلما --- كعب وجاء الأصمعي يهنئ
وعدا أبو تمام نحوي معجبا --- بقصيدتي يثني علي ويطرئ
ورمى إلي البحتري بديعه --- وتنازلوا عن شعرهم وتبرأوا
حتى ملكت جميع ما قالوا وما --- كتبوا وما تحت الشعور يخبأ
لم أشف منك غليل قلبي..كلما --- أصـــل النهاية في مديحك أبدأ.
فلأنك المعصوم دمت معظما --- كل الخصال سوى خيالك تصدأ
ولأن حبك يا محمد مبدإي ---- فأنا أعيش لكي يعيش المبدأ
ولأن مدحك قوت روحي سيدي --- فلـــكل قوت غيره أتقيأ
عمري سطور سطرت في صفحة -- وبكل سطر عطر مدحك يقرأ
ما دمت أبحر في المديح مجدفا -- فعبارتي مهما اضمحلت تنشأ
إن الرسول أساس كل فضيلة -- وأب لكل تقدم ما يفتأ
فبمدحه تعلو سماء سعادتي --- وبمدحه من كل شر أكلأ
وبه أرى حر المصيف برودة وبه إذا عصف الشتا أتدفأ.
يا سيد الثقلين أنت وسيلتي -- إذ لا وسيلة يوم عرضي تجزئ
يا قبلة الأرواح حين يلوكها --- عبء الزمان ومن إليه تلجأ
يا من تفيأت الأنام ظلاله --- ولظــــله لـــــما تزل تتــــفيأ
يا من دعوت إلى السلام موحدا -- فإذا الوجود من السنا يتوضأ
يا من خلقت كأن خلقك شئته -- قدما..فأنت من العيوب مبرأ
وتهيأت أصلاب أهلك للذي -- شاء الإله ولم تزل تتهيأ
والأمهات طهرن أرحاما فلا --- جنس بهن وليس فيها الأردأ
حتى ولدت مكرما ومبوأ --- ما لا سواك من الورى يتبوأ.
كم حدث الأحبار عنك وكم مضوا -- يترقبون كوم بدينك انبأوا
وتحدث التوراة والإنجيل عنك --- مبشرين بخير خير يطرأ
فيك الرسالات السماوية انتهت --- وبك المكارم والمعالي تبدأ
ولقد بهرت بمعجزات كلها -- حجج بأنك صادق ومنبأ
فإذا مررت على طريق أجدبت -- نبتت فلا يبقى لجدب موطئ
وإذا مسحت يدا على ذي علة -- من كل داء عاث فيه يبرأ
وإذا حكمت فكل خصم في رضا --عن خصمه والكل عدلا يهنأ
وإذا غضبت فما لنفسك غضبة --- لكنها للدين حين يشنأ
وإذا ظمئت كفتك أبلغ جرعة -- وإذا طعمت أقل قوت مجزئ
وإذا سخوت فأنت بحر هائج -- وإذا نطقت فكل صوت يخسأ
وإذا غزوت فأنت أكرم من غزا --- وإذا عتبت فلا تشير وتومئ
وإذا صفحت نسيت كل إذاية --- وإذا فتحت فأنت أنت الأكفأ
وإذا قدرت فأنت كلك رحمة -- وإذا ابتسمت يغار منك اللؤلؤ.