أ ف ب - أعرب مواطنون عراقيون عن حزنهم الشديد لما وصلت إليه حال بغداد بعد عشر سنوات على احتلال الأمريكيين لها، مؤكدين أن واقعها الحالي لا يليق بمكانتها وتاريخها في أي شكل من الأشكال.
.فخيبة أمل البغدادي كبيرة، وهو يعيش في المدينة التي يحبها من دون أن يرى تقدمًا حضاريًا فيها، بل يراها تتقهقر لتتحول إلى قرية بحسب أهل الاختصاص، وبحسب تقارير عالمية تصفها بالمدينة السيئة.
عقلية إدارية مختلفة
يأسف بغداديون أن تظل بغداد على هذه الحال من الخراب وسوء العمران والخدمات، حيث لا شوارع نموذجية ولا امكنة حية للترفيه، ولا سهر ينير ليلها الجميل. فيما أثنى آخرون على صبر المدينة التي تتعرض منذ نصف قرن للأذى، وتقاتل نيابة عن العراقيين وتدفع ثمنًا باهظًا، موضحين أن أوصالها مقطعة وشوارعها غير أنيقة، وأرصفتها غير نظامية، وأسواقها تعج بالزحام.
اكد رائد فهمي، وزير العلوم والتكنولوجيا السابق، أن بغداد تحتاج إلى عقلية مختلفة لإدارتها. قال: "أحوال بغداد لا تليق بمكانتها ولا بتاريخها، والحديث عن أحوال بغداد واوضاعها العمرانية أو الجمالية محزن، فمناطقها التي من المفروض أن تحدد هويتها مهملة كثيرًا، وهناك حركة اعمار شهدناها في الفترة الاخيرة لا ترقى إلى ما تحتاجه العاصمة، فبغداد حاضرة من حواضر الدنيا، مهمة في تاريخها القديم وفي تاريخها المعاصر، لذلك يحتاج الموضوع إلى ادارة مختلفة".
أضاف: "المشاريع موجودة لكن من دون نظرة جمالية عامة، كما أن الاهتمام بالروح مفقود، فالمدينة ليست بناءً فقط أو متنزهات، ويجب خلق أجواء اجتماعية حية، وهذا ما قصدته بطلبي عقلية أخرى في الإدارة".
فليحكمها أهلها
عزا الكاتب شوقي كريم حسن سبب عدم تطور بغداد خلال السنوات العشر الماضية إلى حكامها الذين لا ينتمون اليها. قال: "بغداد ذاكرة جمعية للعراق، منذ بداية الستينيات إلى اليوم، لكنها لم تنتقل من العتمة إلى الضياء بل ازدادت عتمة، كنا نتوقع أن تتغيّر نحو الاحسن، على اقل تقدير في المجال العمراني والبنائي، ولكنها تحولت إلى ما يشبه المدينة الخربة، اختفت الكثير من المعالم التي كانت تجمع الاسرة العراقية، مثل المسارح ودور السينما والمتنزهات التي تحولت مجمعات سكنية عشوائية".
أضاف: "هذا الاتساع غير الطبيعي في بغداد أضعف الخدمات واهمل المركز اهمالاً كاملاً، فكان الباب الشرقي والباب المعظم بالنسبة لنا اجمل محطات التواجد لفتى أتى بغداد من الجنوب، لكنها الآن تشكو اهمالًا كبيرًا، وربما أتجرأ وأقول هو اهمال مقصود، ومحاولات انقاذ بغداد تبدو ضعيفة لأن كل حكام بغداد ومجلس محافظة بغداد ومحافظ بغداد عينوا فيها من خارجها، وأنا ادعو أن يكون اهل بغداد هم حكّامها، لأن الانسان يتعلق بمدينته حين تكون مسقط رأسه وجذره الحقيقي".
وتابع قائلًا: "تحتاج بغداد إلى نهضة أخرى، خصوصًا أنها عاصمة للثقافة العربية في هذا العام، فكيف يمكن لبغداد أن تكون عاصمة للثقافة العربية وهي تعاني هذا الاهمال؟
أخجل من بغداديتي
يرد الكاتب عبد المنعم الاعسم حال بغداد اليوم إلى تكالب قوى عديدة عليها بعدما خذلها بنوها، وأخذها سياسيوها رهينة لكي يتسولوا باسمها من الدول الأخرى ومن الموسرين في العالم، فيما بغداد غنية تستطيع تدبر أحوالها بنفسها.
قال: "بغداد في نبضها وفي بصماتها ونكهتها ونهرها وفي آثارها هي بغداد نفسها، لم تتأثر، وكأنها دخلت معركة تاريخية من اجل الصمود ومن اجل البقاء والحفاظ على رائحتها واسمها، لكن معركة بغداد من اجل البقاء ضارية وغير متكافئة".
اما الباحث التراثي رفعت مرهون الصفار فيقرر أن عدم الاهتمام ببغداد كفر، "ومن ليس له ماضٍ ليس له حاضر ولا مستقبل، لذا يجب أن نعيد لبغداد هيبتها، وهذا لن يحدث إلا حين نشعر ثانية بأننا عراقيون قلبًا وقالبًا".
أضاف: اشعر بالحزن لحال بغداد، بل أخجل من بغداديتي بعد أن كانت فخري، فهذه ليست بغداد ابو نؤاس وبغداد الف ليلة وليلة، يأتيها السائح ليرى النفايات ويشهد الاغتيالات ويقتل بالمفخخات".
من أجل عاصمة أنظف
لم يجد الكاتب سرمد الطائي رجلًا أمسك بسلطة بغداد وهو يقدر قيمتها التاريخية في قلوب الناس حول العالم. قال: "بغداد تقاتل نيابة عن كل العراق، تضحي من اجل وضع أسس لمزاج عراقي مختلف، وتدفع ثمنًا باهظًا اكثر من كل المحافظات والمدن الاخرى، لكن تضحياتها لن تذهب هباءً".
أضاف: "بغداد محطمة بعد نصف قرن من الحروب والانقلابات والنزاعات، لم تبذل فيها جهود صحيحة لتستفيد من تجارب مدن في العالم أعيد إعمارها بعد دمارها".
وأشارت الفنانة سرى الدهلكي إلى ضرورة أن تسعى الدولة للاهتمام ببغداد وانقاذها من واقع مرير بكل اشكاله، "فنحن نريد بغداد أن تكون لنا بقعة ضوء من الامل، ولو خافت، فالعراقي والبغدادي بالذات قادر على أن يصنع جمالية الاشياء بالرغم من كل الخراب، فهو يحتفل كل يوم بمدينة يحبها لكن طموحه أن تقدم الحكومة شيئًا بسيطًا من اجل مدينته".
دعوات للتظاهر
ارتأى عبد الهادي مشتاق، مدير مركز حقوق الانسان، خروج تظاهرات احتجاجية على واقع المدينة. قال: "بغداد عاصمتنا، وكل عراقي حريص على أن تكون نظيفة وجميلة ونموذجية، لكن واقع الحال مؤسف ومدان حضاريًا، فلا أمن ولا نظافة ولا فرص عمل، وعلى الحكومة وهيئات المجتمع المدني أن تضافر جهودها من اجل بغداد اجمل وانظف واكثر حضارة".
أضاف: اقترح مع مرور عشر سنوات على الاحتلال أن نخرج بتظاهرات ترفع صورًا لواقع بغداد المزري، لتسمع الحكومة صوت الناس".
ووافقه الصحافي علي السومري في دعوته إلى التظاهر، قائلًا: "نحاول إحياء عاصمتنا بقبلة الحياة، وقد اعتقدنا أنها بسقوط الطاغية ستعود مميزة بعمرانها ومتنزهاتها وبأماكنها العامة النظيفة، لكنّ علماء في الانثربولوجيا والاجتماع يقولون إن بغداد اليوم مجموعة من القرى تربط بينها شوارع، أي تخلت عن سماتها المدنية، والمؤسف أن أياً من مسؤولي محافظتها وأمانتها وسلطتها العليا لا يفكرون في هذا، وعلينا أن نتظاهر ضد المسؤولين لأنهم شوهوا بغداد".
أضاف: "وعلى الرغم من أن المثقفين يحاولون أن يرسموا لبغداد وجهًا باسمًا، إلا أن المسؤولين مصرون على أن تكون وجهًا باكيًا على الدوام،