هذه الصورة في الأسفل لها أكثر من معنى تاريخي، ففيها القائد الأول للحملة الفرنسية على موريتانيا كبولاني وهو جالس مع بعض سكان منطقة الترارزة عند بئر خروفه وكان ذلك سنة 1903.
.وقد اشتريت نسخة من هذه الصورة من متجر للصور ذكر لي صاحبه في مراسلة إلكترونية أن مصدر هذه الصورة هو أسرة كبولاني بكورسيكا، وأنها حسب التعريف المصاحب لها أخذت في مكان يسمى خروفة في بوادي الترارزة خلال مؤتمر جمع كبولاني ببعض أعيان الترارزة (هكذا قال).
يظهر في الصورة كبولاني واضعا قبعة بيضاء وجالسا على كرسي وعن يمينه فرنسي ذو قبعة بيضاء هو الآخر، وقد تحلقت حولهما مجموعة من السكان المحليين فيهم كبار السن وبعض الصغار. كما يظهر أحد الرماة السنغاليين جالسا وبين يديه قبعته البيضاء هو الآخر، وخلفه كلبهم باسط ذراعيه بفناء المبنى. وقد وضع سور على المبنى يظهر جداره خلف الجماعة. وفي ظني أن هذا المبنى ليس سوى إحدى ديار الطين التي بناها الفرنسيون تلك السنة عند خروفه والتي قال عنها القاضي محمذن ولد محمد فال رحمه الله تعالى:
فِي عَامِ شَاكِسٍ عَلَى البِيظَانِ ۞ قَدْ طَلَعَ الكَافِرُ كَبُّلاَنِي
حَتَّى أتَى اخْرُوفَه بالنَّصَارَى ۞ ومَوْطِنٌ لَهُمْ هُنَاَك صَارَا
وَقَدْ بَنَوْا بِهَا دِيَارَ الطِّينِ ۞ يَخَافُهَا كُلُّ فَتًى فَطِينِ
ويعني عام شاكس: سنة 1321 بحساب الجمل أي 1903.
وبئر خروفة لأهل بوفلان وهم من أبرز أسر العلم والفضل بمنطقة الترارزة، وتقع إلى الشمال الغربي من مدينة المذرذرة، وقد اختار الفرنسيون هذه البئر عند استعمارهم لبلادنا لتكون مركزا إداريا وعسكريا، واستصدر الوالي العام باندر (سينلوي) وههو: أرنست روم (Ernest Roume) قرارا يقضي بتحديد خروفة مركزا إداريا وعسكريا بغرب الترارزة (انظر صورة من القرار مرفقة). وربما كانت خروفة ثاني مركز عسكري وإداري أسسه الفرنسيون بالترارزة بعد مركز سهوة الماء (الركيز).
ولم يلبث الفرنسيون في مركز خروفه سوى أربع سنوات حيث تركوها سنة 1907 وأسسوا مركزا في المذرذرة. يقول القاضي محمذن:
وَعَامَ خَمْسٍ نَزَلَ النصارَى ۞ ذَاتَ التساقطِ وفيهِ سارَا
عن سهوةِ المَاءِ وعَنْ اخروفَه منْ ۞ كان لديهما فها هُمَا دِمنْ
ومعلوم أنه ببئر خروفه هذه قتل زعيم منطقة والو يمرْ ولد جاجه أو يمر امبودج (Yamar M'Bodj) أربعة من رجالات أولاد أحمد بن دمان في أكتوبر سنة 1892 غدرا، وهي حادثة تاريخية مشهورة بمنطقة الترارزة وذكرت في الشعرين الفصيح والحساني.
ومن المفارقات أن الصحافة الفرنسية تحدثت بكثرة عن بئر خروفة في نوفمبر سنة 1919 عندما ضلت طائرة غوليات (Goliath) طريقها من باريس إلى دكار، فذكرت الجرائد الفرنسية الكبرى في "مانشيتاتها" هذه البئر الإيگيدية الهادئة والنائية، وتحدثت عنها وكأن بها مطارا عالميا. والواقع أن طائرة غوليات نزلت اضطرارا على الشاطئ الأطلسي إلى الغرب ولم تهبط بخروفه. ولعل من أسباب ذكر الصحافة الفرنسية لخروفة أنها كان مشهورة على الخرائط الاستعمارية بداية القرن العشرين (انظر الخريطة المرفقة)، حيث كانت معلما بارزا مكتوبا على الخريطة بشكل أكبر وأوضح من الآبار التي حواليها.
وسأعود إن شاء الله في تدوينة لاحقة لسقوط طائرة غوليات والتغطية الصحفية لذلك الحادث وما ورد فيه من ذكر لبعض المناطق والشخصيات الموريتانية سنة 1919.