سحق الإخوان في انتخابات طلاب الجامعات عنوان ناطق على التحول الدرامي الذي يجري في مصر الآن .أغلب النتائج بالنسبة للإخوان صفرية الطابع، وفي حالات استثناء قليلة، بدت النتائج شديدة التواضع،
.
بينما بدا الفوز كاسحا للمستقلين و'التيار الشعبي' و'الدستور' والجماعات السياسية الراديكالية، وحتى في جامعات الصعيد، وهي المنطقة الأكثر بؤسا في مصر، كانت الهزائم الثقيلة تلاحق الإخوان، وكأنها القدر الجارف، ومع ظهور ملموس لجماعة عبد المنعم أبو الفتوح المنشقة عن الإخوان.
ولم تكن معركة انتخابات الطلاب هذه المرة من نوع اعتيادي، فهي تتم في سياق سياسي ساخن جدا، ووسط التهاب الشارع، واستمرار تدافع موجات غضب عنيف ضد حكم الإخوان الافتراضي، وتداعى الثقة الشعبية في الإخوان، والزيادة المطردة في الوعي السياسي، ونهوض شباب الثورة بالدور الحاسم في المعركة الجارية، فالشباب هم العصب الحساس لوعي الأمم، وهم الفئة التي تمثل النقطة الأعلى في منحنيات تغير المزاج الاجتماعي، وقد بدا المزاج عند الشباب بالذات رافضا لوجود الإخوان بالجملة، وهو ما أدى لخلع الإخوان في نفخة ريح، برغم أن تنظيم الإخوان زاد قوة ومالا ومعنويات، لكنه بدا أصغر وأضعف كثيرا من المقدرة على صد ريح تحول تاريخي بامتياز.
والمعروف أن تنظيم الإخوان سيطر على الفضاء الجامعي لوقت طويل جدا، وبدا الصعود الإخواني ملازما لقصة الثورة المضادة في مصر، فقد انقلب السادات على اختيارات عبد الناصر وثورته عقب حرب 1973، وقتها جرى إطلاق حملة اغتيال معنوي للثورة، شاركت في دعمها فوائض البترول الخليجي، وخطط المخابرات المركزية الأمريكية، ونشط فيها الإخوان الذين سمح لهم السادات بحرية العمل، وأمرت سلطته بتسليح الجماعات الدينية الطلابية بالسنج والجنازير والمطاوي، وساعدتهم في حرب إجلاء الجماعات الناصرية واليسارية عن الجامعات، وأتت الخطط أكلها بذهاب السادات إلى القدس، ثم بعقد معاهدة العار في كامب ديفيد، ثم راح السادات ضحية الوحش الذي أطلقه، لكن الجماعات الإسلامية، وجماعة الإخوان بالذات، راحت تواصل سيطرتها على اتحادات الطلاب الجامعية، وتخرجت قوافل إثر قوافل من القادة الإخوان ذوي الأصول الجامعية، ثم توسعت الظاهرة بالسيطرة على النقابات المهنية ونوادي هيئات التدريس، وإلى حد بدا معه أن الجامعات تحولت إلى حكر خاص للإخوان، وأن الطبقة الوسطى بكافة تنظيماتها وقعت تحت أيديهم، وفي حالة 'أخونة' شاملة بدت كأنها حكم الأقدار.
والجامعة في مصر هي الترمومتر الحساس للتحولات في موازين الحركة الوطنية المصرية، كانت الجامعة دائما هي أهم مشاتل السياسة، ولم تكن من موارد أخرى أهم، فالحركة العمالية فقدت استقلالها طويلا، وتحولت إلى جزء من إدارة أمنية الطابع، وهو ما بدأ في التشقق مع تقدم سنوات العقد الأخير لحكم مبارك، فبالتوازي مع ظهور حركة 'كفاية' أواخر 2004، نشأت حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، ثم بدأت موجات من إضرابات عمالية مكثفة، وظهور أنوية لنقابات عمال مستقلة، وكان تزاوج الغضب السياسي بالغضب الاجتماعي ظاهرا في انتفاضة 6 أبريل 2008، وقد كانت تلك هي 'البروفة الأخيرة' للثورة التي خلعت جماعة مبارك، لكنها لم تخلع نظامه بعد، فقد استمر النظام نفسه، وبذات اختياراته الأساسية مع طبعتين للثورة المضادة تواليتا بعد ذهاب مبارك، طبعة المجلس العسكري، ثم طبعة حكم الإخوان ورئاسة مرسي، وصحيح أن مرسي جاء بانتخابات حرة، وفي سياق اضطراري تماما، لكنه سرعان ما فقد مشروعية وجوده في قصر الرئاسة، ولاتزال الثورة المغدورة تقاوم، ولا تزال موجاتها تتدفق في عناد وإصرار بطولي، وفي بيئة تغير سريع للوعي، وتجريف متصل للعطف الشعبي على الإخوان، والذين انتقلت قيادتهم نهائيا إلى معسكر الثورة المضادة، فقد كانوا كذلك زمن الثورة الناصرية وما تلاها، ثم عادوا إلى سيرتهم الأولى في زمن الثورة الشعبية الجديدة، لكن أسلحة الثورة المغدورة تختلف هذه المرة، فثمة حريات تنظيم وحركة كسبها الشعب المصري، وثمة نهوض في الحركة الجماهيرية المستقلة، ودخول لأجيال جديدة وطبقات جديدة على خط الثورة، وهو ما يؤتى أكله كل يوم تقريبا في مصر، فقد تحطمت حواجز الخوف، وفقد المصريون صبرهم التاريخي، وزاد الطلب بشدة على السياسة، وصار الإخوان في حالة حصار نفسي، وإن لم يتحول النفور من الإخوان ـ بعد ـ إلى قوة مادية كاسحة تزيحهم نهائيا عن المشهد، والشاهد أن الإخوان يتراجعون، لكن صورة الذي يتقدم ليست محددة الملامح على نحو قاطع إلى الآن، وإن برز فيها دور 'التيار الشعبي' وحلفائه، وهو ما انعكس في انتخابات الطلاب الجامعيين، وهم قوة حاسمة في المزاج المصري العام، وقد قالت رأيها الذي لا معقب عليه، وأزاحت الإخوان فى نفخة ريح، وفتحت طريقا لإعادة صياغة الموازين، فلن يعود الإخوان أبدا إلى عهدهم القديم الذهبي في الجامعات، والأرجح ـ عندنا ـ أن تنتقل الحالة نفسها من الجامعة إلى المجتمع، وأن تتوالى علامات تراجع الإخوان في انتخابات مقبلة للنقابات المهنية، وأن تنهار 'مملكة الإخوان' المسيطرة بنفوذها المالي على الطبقة الوسطى، وفي عملية تحرير واسعة للطبقة الوسطى، يتوقف عليها تصور المحصلة النهائية لعملية الثورة الجارية فصولها، فقد بدأت الحرب ضد 'أخونة المجتمع'، وكلما انخفض معدل 'أخونة المجتمع'، زادت قدرة مصر على استعادة عافيتها، وعلى شق طريق آمن لانتصار الثورة المغدورة.
ما نقصده، أننا لسنا بصدد نتائج عابرة في انتخابات طلابية، بل بصدد عصر من الركود في مصر يطوى أوراقه، كان 'التضخم الإخواني' واحدا من أبرز علاماته، وأخذ من حيوية المجتمع كثيرا، وحجزها في مخازن الإخوان، وأسرها بمبدأ السمع والطاعة لقيادات عديمة الكفاءة.
وباختصار، يبدو الانقلاب على الإخوان أهم علامات إفاقة المجتمع المصري، والذي ظل أسيرا لبؤسه ويأسه على مدى ثلاثين سنة مضت.
كاتب مصري