عندما اقترحت عليّ مذيعة الجزيرة السمراء منى سلمان أن تكتب مذكراتها عن فترة عملها بالقناة، قالت إنها لن تبصق في طبق أكلت فيه، فأكبرت هذا فيها.
.منى أصدرت بياناً من بضع كلمات قالت فيه إنها تركت قناة الجزيرة، ولم تذكر الأسباب. وقالت إنها ستفتقد زملاءها هناك، ولم تذكر شيئاً يروي فضولي، وفي الواقع فإنها افتقدت زملاءها منذ أن تركت الدوحة إلى القاهرة، لتعمل في 'الجزيرة مباشر مصر'، وقد استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، فالجزيرة مباشر، هي تلفزيون الهواة غير المحترفين، الذي جاءت إليه منى من الدوحة، وجاء إليه زين العابدين توفيق عابراً للقارات، ومن 'بي بي سي'، في مدينة الضباب رأساً، إلى 'الجزيرة الأم'، ومنها إلى 'مباشر مصر' التي تعاني من كل المشكلات الصحية التي تعاني منها ابنة الأم العجوز، التي أقدمت على الإنجاب بعد انقطاع الطمث، ولا تمل الفنانة يسرا من الإعلان عن أنها تفكر في الإنجاب، ولو فكرت في حال 'آخر العنقود' لقناة الجزيرة، لما أقدمت على هذه الخطوة الخطرة.
ومن قبل كتبت عن ظاهرة النزوح الجماعي للمذيعين المصريين للعمل في القاهرة، ومن حافظ المرازي، إلى يسري فودة، إلى عمرو عبد الحميد، بعد النجاح الذي حققوه في الخارج، وأرجعت ذلك إلى سيطرة رغبة العودة للجذور، وعاد الأخير إلى مكتب 'بي بي سي' بالقاهرة، وكان مكتباً بائساً، تجلس على احد الكراسي القليلة فيه، فتجد نفسك وقد وقعت على جذوع رقبتك، وغادر عمرو إلى لندن، ومنها إلى 'سكاي نيوز عربي' في دبي، وهي فضائية لم تنجح ولم تفشل، والأمل في برنامج 'التوك شو' الذي سيقدمه الفنان هشام سليم، وعلى الرغم من أنني لست متحمساً لفكرة الفنانين الذين يعملون بالتقديم التلفزيوني، إلا انه منذ أن تم الإعلان عن البرنامج وأنا أتخيل هشام مذيعاً، والحكم عليه سابق لأوانه، وفي جميع الأحوال لا بأس، فقد صار مجدي الجلاد مذيعاً، بقوة الأمر الواقع.
لقد جاءت منى سلمان إلى القاهرة لتعمل في 'الجزيرة مباشر مصر'، وتركت 'الجزيرة الأم'، تاركة خديجة بن قنة، لتصبح زميلة لضحى الزهيري، الذي قرأت انه جرى الاعتداء عليها في 'ميدان التحرير' فانزعجت، لأن من في الميدان يحسبون 'الجزيرة' ككل على الإعلام المعادي المنحاز للحكم الإخواني، وترحمت على يوم من أيام الثورة، عندما حاول مجموعة من الشباب طرد مصور يعمل لصالح التلفزيون المصري، الذي كان يقول فينا ما في الخمر، فدافعت عن حق المصور في العمل، وعندما قالوا انه يصور من زوايا معينة، ليظهر الميدان خالياً من المتظاهرين، قلت لهم ليس من سلطة احد التدخل في عمله وان فعل هذا، فتركوه. أيامها كنا نفخر بأخلاق الميدان.. الأمر تغير الآن.
ولم يقتصر الأمر على حد الاعتداء على ضحى، ومطاردة من يعملون في 'الجزيرة مباشر مصر'، في كل مليونية، فقد تم إشعال النيران في مكتبها الذي يطل على 'ميدان التحرير'، بعد أن صار كثيرون يتعاملون معها على أنها قناة الإخوان، مثلها في ذلك مثل فضائية 'مصر 25' التي تجهر بانحيازها للجماعة، وللحكم الإخواني.. فهل غادرت منى سلمان الجزيرة لهذا السبب؟!
أحسن ناس
لم تقل لي منى سلمان أسباب تركها للفضائية القطرية، فقد اكتفت بالقول إنها لن تبصق في 'طبق أكلت فيه'، وهو مثل صعيدي، ومنى من صعيد مصر، فهي من قنا، وأنا من سوهاج.. 'أحسن ناس'، فعندما تذكر أمام صعيدي اسم بلدك، سيبادر على الفور: 'أحسن ناس'، حتى وان كانت 'كفر مصيلحة' بلد حسني مبارك!. ومع هذا نفاجأ بمن يقول أن الصعايدة لا يجيدون فن المجاملات، إذن فماذا تقولون في اسطوانة: 'أحسن ناس'؟!
ربما كنت مؤمناً بما آمنت به منى سلمان، بعدم جواز البصق في الطبق الذي أكلت فيه، ولم يحدث في مرة أن غادرت مكاناً اكتب فيه وذكرته بالسوء، وأذكر في هذا الصدد أنه عرضت علي رئاسة تحرير احدى الصحف قبل الثورة، وبعد جلسة مطولة مع صاحبها، فوجئت به يدعوني على عجل، فقد اتصل به مدير جهاز مباحث امن الدولة، ومن بعده حبيب العادلي وزير الداخلية، ليثنوه عن هذا الاختيار، وفاجأني الرجل بأن طلب مني عدم ذكر ما أسر لي به أبداً، لأن فيه إساءة إليه وتقديمه للناس على انه يخضع لتعليمات أجهزة الأمن، وقررت الالتزام مكرهاً، إذ كيف يفوت علي فرصة كهذه، رأيت أنها تضيف إلى رصيدي ولا تخصم منه، وان كان احد الزملاء هتف في وجهي عندما وجدني سعيداً: هذا خراب بيوت.
صاحب الصحيفة رفع عني الحرج، ولم تكن لديه قدرة على الاحتفاظ بأي سر لنفسه، وإذا أردت أن تذع سراً فأتمنه عليه، فلم تكد تمر بضعة أيام على هذه الواقعة، حتى وجدته يعلن نص مكالمة مدير الجهاز ونص مكالمة وزير الداخلية على العاملين في جريدته، ولم ينس كلمة، وبعد هذا كنت كلما التقيت بزميل يقول لي انه التقى فلاناً وان فلاناً هذا روى له ما كان من وزير الداخلية، وعامله على جهاز مباحث امن الدولة 'ابن زياد'.
من باب المعلومة التي هي ضالة الصحفي فقد طلبت من منى سلمان أن تكتب مذكراتها، لأن كثيراً مما يحدث داخل الجزيرة، نحن في حاجة لنعرفه، لاسيما حدود التوجيه فيما يختص بالرسالة الإعلامية في التعاطي مع الحالة المصرية، فهل الخروج من الموضوعية إلى الانحياز لجماعة الحكم في البلاد، رسالة من أولي الأمر في الجزيرة، أم هو انحياز فطري من العاملين فيها؟، ولا ننس أن 'الجزيرة مباشر مصر' تم تدشينها بنفس إخواني، أطلقه احمد منصور، فعندما يجد المذيع نفسه محاصراً برسائل منحازة من المندوبين، وبضيوف بعينهم فليس من سلطته التحكم في الأمر، وان كان له رأي مختلف، وقد كانت دينا موسى مختلفة فكراً وتوجهاً، لكن كيف الفكاك من هذا الحصار؟!
في اللحظة التي طلبت فيها من منى سلمان أن تكتب مذكراتها، أكبرت فيها ترفعها عن الإساءة لقناة عملت فيها، ولزملاء جمعها بهم 'العيش والملح'، وليس 'الجبنة النستو' باعتبارها دليل عمالة للامبريالية العالمية، وتذكرون عندما جرى حصار قصر الاتحادية، فقد رأينا شاباً إخوانياً يهتف على احدى الشاشات: 'إن المحاصرين يأكلون جبنة نستو'.. عندها وقفت على حجم التدخل الأجنبي في معركة الإطاحة بالرئيس محمد مرسي.
ما كنت اطلب من منى سلمان قوله يمثل معلومة، وفي الواقع أنه لا توجد لدينا معلومات من المطبخ، لذا فكل ما تشاهده هو تحليل لرسالتها الإعلامية، واعتقد أن الجزيرة هنا تمسح تاريخها بأستيكة وهي التي بنت سمعتها بالمصداقية، وكانت انحيازاتها لصالح القضايا العربية والإسلامية، عندما فضحت الغزو الأمريكي لأفغانستان وللعراق، ووقفت ضد الإجرام الإسرائيلي ضد أهل غزة، وعندما كانت لسان الشعوب المغلوبة على أمرها في مواجهة الاستبداد الذي تمارسه الحكومات العربية.
لم تقل منى سلمان شيئاً، ولم تقل ماذا قالوا لها، وماذا قالت لهم عند تقديم الاستقالة؟، فمؤكد أنها لم تقل لهم أريد أن أستقيل.. فردوا عليها: 'بركة يا جامع'، فهناك حوار جرى هو شيء لزوم الشيء، وعندما نقف على تفاصيله، فهذا هو الخبر، الذي يغنينا عن أي تحليل.
لقد غادرت لونا الشبل، وغادرت جمانة نمور، وها هي منى سلمان تغادر، ولم يبق لنا هناك سوى جميل عازر، فمتى يغادر حتى أغادر أنا إلى 'ميلودي أفلام'؟!
مبنى ماسبيرو
لا اعرف ما إذا كان صلاح عبد المقصود وزير الإعلام المصري، يتحدث جاداً عن أنه طلب من دولة صديقة 2 مليار جنيه لإعادة بناء مبنى 'ماسبيرو' من جديد، أم انه يقول هذا رداً على احدى الصحف التي تصطاد في الماء العكر.
ففي العهد البائد أطلقت أنا دعوة لإخلاء 'ماسبيرو'، مبنى التلفزيون المصري وتأجيره مفروشاً للمغتربين في القاهرة، بعد أن فشلت الشاشة في المنافسة، وعجز تلفزيون الريادة في أن يعوض بنجاحه حجم الإنفاق عليه، ولا تزال الدعوة قائمة، واعتقد انه إذا تم نقل العاملين فيه إلى مدينة الإنتاج الإعلامي مثلا في السادس من أكتوبر، فان هذا سيؤدي إلى سيولة مرورية في منطقة وسط القاهرة.
احدى الصحف التي تقف لأهل الحكم على 'الساقطة واللاقطة' نشرت بالخط الأحمر الفاقع مؤامرة الإخوان، على التراث المصري الذي يمثله مبنى 'ماسبيرو' وعلى المنطقة التي تحيط به وتسمي 'مثلث ماسبيرو' وهي منطقة عشوائية يميزها أنها مطلة على النيل، وهي فيها طمع قديم، وقد طلب رجل الأعمال صالح كامل من قبل من الحكومة ان تمكنه منها لإعادة تخطيطها وبناءها، ومبارك نفسه طمع في هذه الأرض، وقرر إخلاء المنطقة وتشييد أبراج عليها، وبنيت عمارات متواضعة في احدى المدن الجديدة لهذا الهدف، لكن الزلزال ضرب القاهرة، فتم استغلال هذه الشقق لضحاياه.
الصحيفة قالت إن خيرت الشاطر وقع عقداً لبيع المنطقة في سنة 2016 للقطريين، والمثير أن الجريدة نشرت صورة للعقد، ومن ثم أقامت مناحة عظمى، لطمت فيها الخدود، وشقت فيها الجيوب، ودعونا فيها بدعاء الجاهلية، إذ أوشكنا أن نهتف: وامباركاه. ويبدو أن هناك مخططاً إعلامياً يستهدف هذا، ولدينا في مصر 'إعلام الثورة المضادة' انتقل ليهاجم الإخوان، وهم يستحقون الهجوم، وفرق بين أن تهاجم الإخوان على قاعدة الثورة، وبين أن تستغل أخطاءهم، وما أكثرها، من أجل أن تكفر الناس في الثورة.
على قناة 'النهار' توجد مذيعة، في حالة من الشحتفة غير مسبوقة، سبق لها العمل في قناة 'المحور'، وهي تتحدث وبراءة الأطفال في عينيها، وتقدم نفسها على أنها الممثلة الشرعية للأخلاق الحميدة في منطقة الشرق الأوسط، وكأنها رابعة العدوية في نصف عمرها الأخير، وقد فوجئت باتصالين هاتفين، البداية هي إشادة بالمذيعة، وأدائها، وورعها، وكيف إن المتصلة وخالتها تنتظران ظهورها بفارغ الصبر، عندها تشعران بالأمان العاطفي.. وفي الواقع أن كل الاتصالات تبدأ بهذه الديباجة، لكن اتصالين أكدا على أن أيام مبارك كانت أحسن، فهل تم هذا مصادفة؟!
أي صريخ ابن يومين سيقف بسهولة على أن المنشور ليس صحيحاً، فلا توجد صفة قانونية لخيرت الشاطر تمكنه من بيع مملوكات للدولة وللناس، وإذا لجأ المشتري إلى القضاء للحصول على حقوقه، فسيقال له ان القانون لا يحمي المغفلين. ثم من يضمن للمشتري أن يظل الإخوان في الحكم إلى سنة 2016 ليفوا بتعاقداتهم بالبيع والشراء؟.. المعنى هنا، إذا صحت رواية الجريدة، أن الشاطر يكون قد باع للقطريين الترام.
صلاح عبد المقصود رد على هذا الكلام الذي لا ينطلي على الجنين في بطن أمه بأنه كيف يمكن الحديث عن بيع 'ماسبيرو' وقد شيد أستوديو مهيباً به؟!.. فهل جاءت تصريحاته عن إعادة بناء المبنى في سياق نفي ما نشر؟!
عموما أتمنى ألا يريق الوزير ماء وجهه في طلب 2 مليار إعانة، وان وصلته فمن الأفضل أن يبني بها مساكن للشباب، أما مبنى ماسبيرو فحرام شرعاً أن يصرف عليه مليما واحدا، ما دامت الرسالة الإعلامية ستظل كما هي.
أرض - جو
ـ كل ما قاله نجيب ساويرس في مقابلاته التلفزيونية صحيح: الإخوان يتربصون به لأنه يعاديهم، وأن إخوته الذين صدر قرار بمنعهم من السفر يدفعون ثمن ممارسته للسياسة. وأزيد على كلامه بأن حكم الإخوان ليس مشغولاً بحق الدولة، أو مواجهة الفساد، لكن هناك سؤالا لم يطرح عليه ولم يجب عليه بالتالي: هل عائلته متهربة فعلا من 14 مليار جنيه مستحقة للضرائب؟!.
صحافي من مصر