من أكثر الانتقادات التي تتداول هذه الأيام من طرف بعض الإعلاميين و السياسيين ،وأكثرها غرابة وخطورة في آن واحد حملة الهجوم على مؤسسة الجيش الوطني ممثلة في كتيبة الحرس الرئاسي،
.
وتدور هذه الانتقادات حول اعتبار< قائدها السابق الجنرال محمد ولد عبد العزيز مسؤولا عن كل الانقلابات التي تمت خلال السنوات الأخيرة>،ويبدو أن من يطلقون هذه الانتقادات،يعتبرون الجندية بصفة عامة منقصة وعيب ،لذلك يأتي الاستمرار في وصف فخامة رئيس الجمهورية <بالجنرال> في سياق نقده والتعريض بمنزلته،متجاهلين خطورة التحقير بشرف الخدمة العسكرية،التي هي أرفع ما يمكن أن يقدمه المرء لوطنه، وعبثية محاولة التنقيص من فخامة الرئيس عن طريق لقب الجنرال أشرف وأنبل رتبة عسكرية دفع زهرة شبابه وحيويته من أجل نيلها،خاصة أنه يعلم، شأننا جميعا،أن قادة العالم الكبار الذين صنعوا التاريخ الحديث والمعاصر كانوا ضباطا سامين،قبل أن يتولوا مهام الرئاسة في بلادهم، فمثل هذه الانتقادات المتهافتة،ترتد تلقائيا على منتجيها ومروجيها،فهل يقبل أحد هؤلاء المنتقدين الساخرين،إن تبوأ منصب وزير أو رئيس أن يخاطب أثناء تأديته لهذه المهام بلقب مهنته الأصلية التي يعتز بها أشد الاعتزاز؟،قطعا أنه لن يقبل ذلك، باعتبار أن لكل مقام مقال، ولكل دور نقوم به صفات وألقاب خاصة به، بل هل يجوز للابن أن يخاطب أباه داخل المنزل بصفته المهنية؟، أم أن هؤلاء المنتقدين يجيزون لأنفسهم حق التحقير من شأن الآخرين، ويقيمون حول أشخاصهم هالة من الحرمة والتقديس؟.
وإذا استعرضنا دور قائد الأمن الرئاسي السابق محمد ولد عبد العزيز-بؤرة حملة التشهير السابقة- في عمليات التغيير التي تمت في هدوء وأمن تام 2005 و2008، سنجد أن ما ناله من منزلة إنما هو ثمرة ثقة وإجماع قادة جميع تشكيلات الجيش والأمن الوطني،فلم تسجل خلال هذه المراحل حالة تمرد واحدة،لذلك كانت نسبة<جميع الانقلابات إلى كتيبة الأمن الرئاسي>، التي هي جزء من كل هو الجيش الوطني،محاولة يائسة للنيل من وحدة وتماسك المؤسسة العسكرية الضمان الوحيد للوقوف أمام نزعات التقسيم والتفتيت التي يتخذ منها بعض السياسيين مطية سهلة وسريعة لتحقيق نزعاتهم الأنانية، ولو سايرنا منطق منتقدي كتيبة الأمن الرئاسي،لكان علينا تفكيك كتيبة المدرعات ومديرية الطيران العسكري لأدوارها في انقلاب 2003،وحامية أجريده والمنطقة العسكرية السادسة لأدوارها في إفشال هذا الانقلاب، وهكذا،إن نحن سايرنا هذا المنطق ، يصبح الجيش مجرد وحدات مفككة لا قدر الله، نسلط عليها سهام النقد الظالم وننفث اتجاهها سموم الحقد الأعمى،والموجه في الحقيقة صوب الجيش الوطني برمته،الذي هو كل لا يتجزأ لذلك،كان لنا أن نتساءل:من يبقى جديرا بالاحترام والتقدير إن نحن جعلنا بضاعتنا السياسية الوحيدة:تحقير شأن قادة جيشنا الوطني بصفة عامة وكتيبة الحرس الرئاسي بصفة خاصة،ممن حملوا أرواحهم على أكفهم فداءا للوطن،لنبقى آمنين نغط في نوم عميق، ومنازلنا ومتاجرنا وقطعاننا تحرسها العيون التي لا تنام ولا تتمتع بمباهج الأعياد،بل ترابط على الثغور وداخل الأدغال وفي أعماق البحر،وتتجول داخل الأزقة الضيقة،مستعدة لمواجهة كافة المخاطر الماثلة أمامها والمتخيلة ،لتظل الحوزة الترابية للوطن، بما تضمه من مصالح عامة وخاصة محمية من كل عدوان،خاصة تربص وترصد عصابات الجريمة المنظمة التي كانت تسرح وتمرح داخل العاصمة وفي مختلف مناطق الوطن؟، ماذا سيقول جنود وضباط الحرس الرئاسي الذين تم تكليفهم بشرف مواجهة السيارات المحملة بأطنان المتفجرات على مشارف مدينة أنواكشوط فجر الثاني من فبراير2011،ونفذوا بحرفية قتالية عملية تاريخية، جنبوا من خلالها سكان انواكشوط بصفة عامة والبلد عموما شرا مستطيرا، كان من المزمع تفجيره داخل المناطق الحيوية للعاصمة،وما تكليف كتيبة الحرس الرئاسي بهذه المهمة إلا دليلا للمشككين أن مهام هذه الكتيبة لا تنحصر في مجرد تأمين الرئاسة،ومتى كان الاسم العام للتشكلة أو الهيئة العسكرية والأمنية دالا على جميع مهامها؟
هل فكر المتحاملون على كتيبة الحرس الرئاسي، في ماذا سيقول أفراد وقادة هذه الوحدة، الذين فدوا بأرواحهم الوطن شعبا وأرضا فجر ذلك اليوم المشهود،إن هم قرأوا ما يسود هذه الأيام من طرف السياسيين الذين يقدمون أنفسهم كقادة لهذا البلد، من تحامل ظالم اتجاه كتيبتهم وقادتهم؟،كيف نجبر كسور ورضوض أفراد وضباط هذه الكتيبة الشجعان بصحف التحقير وعرائض الاتهام المجاني؟، أليس من حق الشعب الموريتاني ككل، أن يستشيط غضبا من هؤلاء الذين يتجاهلون تضحيات جيشه الوطني، بل ويعرضون بشرفه؟،وإذا افترضنا جدلا أن المهمة الرئيسة لهذه الكتيبة هي تأمين الرئاسة،فما معنى المطالبة الآن بتجريدها من هذا الدور؟،فإن كان سبب الطلب هو دور هذه الكتيبة في <الانقلابات السابقة>،فهل يريد أصحاب هذا الطلب الحيلولة دون الانقلاب على الرئيس محمد ولد عبد العزيز؟، الأمر الذي تكذبه حملات التشفي التي مارسها هؤلاء خلال فترة إصابة فخامة الرئيس بالطلق الناري،ودعوتهم للمؤسسة العسكرية حينها لإعلان تمردها على سلطات فخامة الرئيس والعمل بمقتضيات حالة الفراغ في مؤسسة الرئاسة،وإذا أسندنا مهمة تأمين الرئاسة إلى مفرزة من الدرك الوطني،فمن يضمن لنا أن لا تقوم بما ننتقده ظلما على كتيبة الأمن الرئاسي؟،وفي مثل هذه الحالة،التي يصر فيها البعض على تطبيق الآخرين لتصوراته الأمنية والدفاعية المستقبلية،الأمر الذي يطرح سؤالا جديا وهو،هل يقبل هؤلاء السياسيون إن هم وصلوا إلى الرئاسة التنازل عن صلاحيات تحديد وتوزيع مهام التشكيلات العسكرية والأمنية، ونقلها إلى مجال التداول العمومي مع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني؟،ساترك الجواب للقراء الذين يتابعون تعاطي هؤلاء مع الآراء المخالفة وهم خارج السلطة،ليتصوروا نوعية تعاملهم معها وهم يمسكون بدواليب السلطة،لكن الأولى من وجهة نظري، بالنسبة لهؤلاء السياسيين في المرحلة الحالية هي التركيز على تهيئة قواعدهم للمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية المستقبلية، والدخول في حوار جدي مع الحكومة والأغلبية لاقتراح ما يرونها ضروريا لتحسين وتطوير العملية الديمقراطية،بدل تضييع الوقت في مطالب خارجة بشكل كلي عن صلب العملية السياسية،بل تتعلق بتدبير الشأن العسكري والأمني الذي هو صلاحية حصرية للمؤسسات الدستورية القائمة،ولا يجوز أن يكون مجالا لجدل ومزايدات السياسيين،وما اتخاذ الأحداث الجارية في الشقيقة بوركينافاسو سببا لإعادة تلميع هواجس غامضة حول الحرس الرئاسي أثيرت في مراحل سابقة من طرف بعض السياسيين،إلا دليلا إضافيا على ضرورة شطب كل قضية تتعلق بتشكيلة من الجيش الوطني من قائمة الموضوعات المسموح بتداولها ضمن نقاشات المحافل العامة،على أن يبقى المجال مفتوحا لهؤلاء السياسيين لتطبيق رؤاهم الأمنية والدفاعية إن هم وصلوا إلى السلطة.
ولم تكن عملية تلميع فكرة الهجوم الظالم على الحرس الرئاسي الوطني تلك موفقة،حين استندت على القياس مع وجود الفوارق،فالأمن الرئاسي لدينا،لم يقم بخطوة انفرادية عبر مشاركته في إحداث عمليات التغيير السياسي التي تمت سنوات 2005 و2008 كما قدمنا،بل كان منسجما مع الإرادة الجماعية لقادة الجيش الوطني والتشكيلات الأمنية، ،كما أن هذه القياسات الخاطئة فوق كونها تدخلا في شؤون دولة إفريقية شقيقة،كان ينبغي أن نساهم جميعا كل من موقعه، في تذليل الصعوبات التي تعترض مسارها الانتقالي،كما يفعل فخامة الرئيس، تكرار لمنهج أفلس بشهادة من تبناه،فحين خرج بعض السياسيين من الحوار مع الحكومة والأغلبية 2011،مراهنين على محاكاة واستنساخ آليات ما سمي حينها <بالربيع العربي>، والذي تحول إلى حريق شامل فكك الدول وحول الشعوب إلى لاجئين عبر العالم بحثا عن يوم أو ليلة آمنة، وحين لم يقتنع الشعب الموريتاني بآليات هذا الحريق الجهنمي ،عدل هؤلاء السياسيون عن هذا المنهج،دون أن تتمكن عربتهم بعد من الاستواء على سكة العمل السياسي السوي،الذي يحاور ويفاوض من يمتلك شرعية السلطة السياسية،انطلاقا من أن السياسة هي فن الممكن،لتحقيق ما هو متاح ضمن أجواء الأمن والاستقرار.
أما الغمز واللمز في فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز باعتباره قائدا سابقا لكتيبة الأمن الرئاسي والاستمرار في وصفه<بالجنرال>،فغمز ولمز غير موفق،فلا أحد يشك في كون لقب الجنرال يشكل مصدر فخر واعتزاز لديه،كما يعتز أحدنا بمهنته الأصلية التي اختار،لكن من يستخدم الألقاب والصفات خارج سياقها،سيكون شبيها بمن ينادي أباه بقوله يا جنرال، يا أستاذ،يا طبيب،يا سائق،خاصة أن محمد ولد عبد العزيز لم ينل صفة رئيس الجمهورية بشكل مجاني،بل دخل في سباق انتخابي حر ونزيه شارك فيها جميع من يقف وراء الانتقادات السابقة ،ونال خلالها تزكية أغلبية الشعب الموريتاني،من هنا كانت مخاطبة فخامة الرئيس بأي لقب آخر غير رئيس الجمهورية، مهما كانت أهميته وشرفه،فوق كونه خروجا عن مقتضى اللياقة العرفية،يمثل تعريضا بأغلبية الشعب الموريتاني الذي منحه حقوق وواجبات رئيس الجمهورية،فلا معنى لتجريده من صفة أعطتها أغلبية الشعب لمأموريتين متعاقبتين ،فمتى يعدل البعض عن مثل هذا النهج،ليتبنى مسلكا سياسيا قويما،ينتقد ما يلزم نقده،ويعرض عن النيل مما يجب أن ينال احترام الجميع: رئيس الجمهورية وجيشنا الوطني الباسل عنوان عزة وشرف الوطن؟