قبل أيام قدم توني بلير استقالته ممثلًا للجنة الرباعية الدولية للسلام في الشرق الأوسط، وكلٌّ تفاجأ من هذا القرار سائلين: لماذا استقال بلير من منصبه؟!، ولماذا جاءت استقالته في هذا التوقيت،
.
في الوقت الذي يراهن فيه الساسة على عملية التسوية، وتطبيق خطة خريطة الطريق التي تبنتها اللجنة الرباعية والقاضية بحل الدولتين منذ عام 2002م؟، وهل استقالة بلير ستؤثر سلبًا على القضية الفلسطينية؟، وهل تصب في مصلحة الاحتلال، نظرًا إلى أن الاحتلال لم يعر أي اهتمام للجنة الرباعية ولم يقر خطتها وهو ماض في خطط التهويد والاستيطان؟
لم أتأمل كثيرًا لإيجاد إجابات واضحة عن كل هذه الأسئلة التي بدأت بها مقالي سوى أني أحصرها في إجابة واحدة، وهي أن بلير قدم استقالته المفاجئة إعرابًا عن فشله في قيادة اللجنة الرباعية الدولية، وعدم مقدرته على تطبيق خطة خريطة الطريق وإحلال السلام في الشرق الأوسط، وهنا السؤال الكبير: لماذا فشل بلير في مهمته؟، هل هو غير قادر فعلًا على قيادة اللجنة الرباعية لإحلال السلام؟، أم أن استقالته تعبير عن فشل اللجنة الرباعية نفسها، وأنها كانت مجرد لجنة دون أي فاعلية وخططها كانت وهمية وضربًا من ضروب الخيال؟
اللجنة فشلت فشلًا ذريعًا في القيام في مهمتها تلك، ولم تسهم بأي شكل جوهري في كبح جماح هذا الاحتلال، أو في وقف انتهاكاته المتواصلة على المسجد الأقصى المبارك، وانتهاك كل القوانين والأعراف الدولية بحق الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لماذا؟، لأن بلير لم يكن مهتمًّا بتطبيق خطة خريطة الطريق، وهو يعرف أنه غير قادر على فعل ذلك، وإنما كان يستخدمها للتستر على الاستيطان والتهويد والحصار والتنسيق الأمني والانتهاكات اليومية لحرمة المسجد الأقصى، لا لتحسين بعض أوضاع السكان، كما كان يدعي.
فما كان يفعله بلير خلال رئاسته للجنة الرباعية يأتي من باب رفع العتب وإخلاء المسؤولية والكيل بمكيالين، فعلى سبيل المثال: زار بلير الشهر الماضي قطاع غزة بعد 8 سنوات من الحصار؛ ليطلع على آثار الدمار التي خلفها العدوان الأخير، وإلقاء النظر على الأماكن والمساكن المدمرة، والاطلاع على أوضاع السكان تحت الحصار، وتفقد أحوال المتضررين المقيمين في مراكز الإيواء والخيام و(الكرفانات)، فشاهد بأم عينه معاناة سكان قطاع غزة من ويلات الحروب الإسرائيلية والحصار الخانق والانقسام المرير، لكن عودنا بلير دائمًا عدم التفاؤل كثيرًا بأي جهد يبذله على مستوى اللجنة الرباعية، التي يسيرها على مزاجه الخاص بالكيل بمكيالين، لذا لم نكن متفائلين كثيرًا بزيارته ولسنا متفاجئين بتصريحاته؛ فهو لم يكن يومًا ممثلًا نزيهًا لعملية التسوية، ولم نسمع منه أي إدانة للاستيطان الإسرائيلي، ولم يذكر أنه عبر عن أي موقف للرباعية الدولية وقت العدوان الإسرائيلي ولا بما يخص الإعمار.
وكل ما صرح به بلير بعد زيارته إلى قطاع غزة واطلاعه على حجم الدمار الهائل الذي خلفه العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة أنه وجه الملامة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؛ لعدم تحقيق "السلام"، وكأننا بحاجة فقط إلى من يكرر القول والحديث ويعيد الأسطوانة المشروخة التي سئمنا منها، نفد صبرنا من تلك الوعود والمماطلات التي تزيد من معاناة المتضررين من العدوان الإسرائيلي، والذين لم يجدوا مأوى لهم، مع أن بلير يدرك أن الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة لإيجاد حلول سريعة لما يعاني منه، وعلى رأسها إنهاء الاحتلال وفك الحصار ووقف الاستيطان وإعمار الدمار، وكل ما جاء به بلير هو إدارة الأزمات لا حلها، وعدم تحميل الأطراف الدولية المسؤولية عما يحدث للفلسطينيين.
إن تلكؤ اللجنة الرباعية في القيام بدورها، ووضع جميع بيضها في سلة عملية التسوية؛ هذا الأمر يجعلنا نفقد كل أمل وثقة وجدية باللجنة الرباعية وممثلها، فكان الأجدر ببلير قبل تقديم استقالته أن يتخذ موقفًا شجاعًا، ويشير بوضوح إلى السبب الرئيس للصراع وهو الاحتلال، وأن الحصار يمنع إدخال مواد البناء للإعمار، وأن يدعو إلى إنهاء هذا الاحتلال على وجه السرعة؛ حتى تتحسن حياة الفلسطينيين، ويتمكنوا من ممارسة حقهم المشروع في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني، لا أن يتجاهل بلير أو غيره هذا الاحتلال وما يقوم به من انتهاكات وتكريس الاحتلال واستيطانه، وأن يعترف أن خطة الطريق فاشلة وأن اللجنة الرباعية غير قادرة على القيام بمهامها.
القدس