شكلت الثورة التي شهدها الإعلام الوطني انزياحا كبيرا عن السنن الرسمي الذي كان مسيطرا على الساحة منذ نشأة الدولة وحتى هذه الطفرة الجامحة.
.
وبالتأكيد فإن أرباب الكلمة وعشاق صاحبة الجلالة المخلصين لهذه الربوع استبشروا خيرا بهذا الانفتاح ووجدوا ضالتهم المنشودة التي كانوا يحلمون بها ،عل وعسى أن يساهموا من خلالها في تشكيل المسار الوطني ،وأن يشاركوا في توجيه الرأي العام نحو السكة السليمة، خاصة وأنهم يؤمنون حد اليقين أنه لا يمكن أن تنمو أمة أو دولة في ظل تكميم الأفواه ومصادرة الحريات .وأن البعد الزماني لم يعد يسمح بأحادية الصوت أو النغمة.
بيد أن الأمر ما لبث أن سار أحيانا في مسارب لا تخدم الوطن ولا الكلمة ولا السلطة الرابعة. وإذا كانت تكاليف الطباعة والسحب قد أرغمت عشرات الجرائد على التوقف والترجل بعد مشوار متفاوت الخطى والخطايا. .فإن سهولة إنشاء المواقع الإلكترونية وقلة الإمكانات المطلوبة لذلك كانت حافزا رئيسا للبعض لدخول هذا العالم لاحبا للكلمة ..ولا طمعا في تنوير رأي عام إلا من رحم ربك. ومن خلال تصفح يومي عابر على المواقع يمكن ملاحظة ما يلي:
-أغلب هذه المواقع لا تعدو أن تكون نسخا ولصقا لافارق بينها سوى الواجهة الفنية. ولو سلمنا جدلا أن شح الأخبار وضيق دائرتها يحتم عليها ذلك “التناص” فإن ذلك لا يلغي أن تتنوع هذه المواقع وتتشعب اهتماماتها .بدل أن تعتمد على النسخ واللصق وإذا ما استثنيا مواقع محددة أثبتت كفاءتها وجدارتها فإن عشرات المواقع تدعوك للغثيان والاشمئزاز.
-يعتمد بعض هذه المواقع على الإثارة لذلك تحس وأنت تتصفح بعضها أنك تبحث عن الأخبار والتحليلات بينما تتصفح الشق الآخر ركضا وراء الشائعات والإثارة ..حتى أن بعض المواقع أصبحت ذات طابع تخصصي يعتمد الإثارة والسير على طريق قد يكون أكثر تهاتفا وتعرجا من الطرق المعبدة.. والمصيبة الكبرى أن تنغمس في الأعراض وأحيانا بالأسماء وتنشر قضايا لم تبت فيها المحاكم ولا تجد حرجا في توجيه الاتهام لهذا الشخص أو ذك حسب أهداف وغايات محددة. .لدرجة الحديث عن “التعويض” مقابل لعن فلان وسبه والتهجم عليه ..أو التطبيل له وترحيله إلى مستوى” الملاك”
-لبعض هذه المواقع حساسية من شخصيات محددة أو مؤسسات معينة تسلقها يألسنة حداد وتغض الطرف عن شخصيات أخرى أو مؤسسات أخرى لأغراض يمكن أن توصف بكل شيء إلا أن تكون موضوعية أو مقنعة…فطالما أحسست وأنا أطالع بعضها أنه أنشئ فقط للنيل من هذا المسؤول أو ذلك أو للدفاع عن هذا المسؤول أو ذلك، ففي الأولى تتناثر فضائحه كقطع الليل المظلم وفق تعبير المواقع وتفوح روائح الفساد أينما ولى وجهه، بينما في الثانية يبلي بلاء حسنا ويواجه جبهات متعددة تريد أن تعرقل مسرته الوطنية ..وما يترآى من هنات وأخطاء لا يعدو أن يكون امرا دبر بليل لتعكير صفو إنجازات الزعيم ..وربما يهبط بعضها لمستوى جهوي وقبلي بغيض ومجاف لمفهوم الوطنية.
والمواقع من هذا النوع معروفة والمواقف مشهودة.
يخيل للبعض أن مجرد الكتابة في موقع مصمم يرفع عنه تبعة المساءلة ..وأن حريته لاحدود لها ..لذلك ثمة سهولة منقطعة النظير في تجاوز الخطوط الحمراء والحديث عن أمور ينبغي أن تكون خارج دائرة الإعلام كما هو حال بعض تكتيكات القوات المسلحة وأمورها الداخلية ذات البعد الفني والعسكري التي من المفترض أن لا تكون في واجهة الإعلام..
نعم يجب صيانة حرية الإعلام ولكن على الصحفي أن يعرف انه تحت طائلة القانون في كل ما يكتب ..والحرية إن ظلت بلا ضوابط تحولت إلى فوضى ونغمة نشاز ..وإن استغلت القوانين لتكميمها تحولت إلى سنفونية ديكتاتورية”
أحمد ابو المعالي
كاتب وشاعر مقيم في الإمارات