مجالس أدبية وعلمية.../ محمد الأمين ولد لكويري

2025-12-16 23:18:26

في مجلس جمعني مع العلامتين: الوزير الداه ولد أعمر الطالب، والشيخ محمدن ولد المختار ولد الحسن بمنزل الأول، عشت لحظات استفدت فيها كثيرا، واستمتعت كثيرا

فمع ما يمتاز به الرجلان من ثراء في جميع علوم الشريعة، من القرآن الكريم وعلومه، والحديث وعلومه والفقه... إلى غير ذلك، فقد مثلا ذينك العالمين المحظريين عربيي النسك، فكان المجلس مجلس إفادة ومتعة ما أود أن لي به حمر النعم.

تركز المجلس حول نظم للشيخ الداه ولد أعمر طالب، سهل به قصيدة الشاطبية في القراءات السبع للإمام الشاطبي، لدواعي كثيرة دعت إلى ذلك، في ذكرها تطويل.

وقد جاء ولد أعمر طالب في نظمه بالعجب العجاب، فكان النظم - فضلا عن كونه أسهل حفظا وفهما خاليا من الرموز  عكس القصيدة - عرضا أدبيا أبدع فيه الرجل أيما إبداع.

وجاء ذكر أعوام ولد المختار الحسن في جامعة الزنداني، فكان مما قال إنه قدم إلى اليمن في بداية العطلة السنوية، فنسج صداقات مع بعض أساتذة الجامعة، فلما جاء يوم الافتتاح دعاه القائمون على الجامعة وقالوا سنسند لك ألفية ابن مالك، فوافق، رغم تحذير أصدقائه ونصحهم له بأن لا يبقبل تولي تدريس الألفية شفقة عليه، وكان تعاقب على تدريسها أساتذة كثر، كلهم يُكتتب متربصا ثم لا يلبث أن يعزل.

وقال الشيخ محمدن إنه اكتُتِب متربصا، ولما طفق في أول درس، أنكر عليه الطلاب التدريس دون كتاب، فلم يكونوا يصدقون أن هناك من يمكنه تدريس الألفية دون الاستعانة بكتاب، مما أثار استغراب الشيخ الداه جذيل هذا الفن، والذي قال بنبرة استغراب: هي انها ماهي ألفية ابن مالك؟

ومما حدث به الشيخ ولد المختار ولد الحسن في هذا المجال؛ أنه دخل عليه أحد زملائه من أساتذة الجامعة، وهو يدرس طلابه في الفصل وصادفه ينشد مستشهدا على على قول ابن مالك:

وقد يكون نعت محذوف  عرف

            فيستحق العمل الذي وُصف

قولَ عمر بن أبي ربيعة:

وكم مالئ عينيه من شيء غيره

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى

يجررن أذيال المروط بأسوق

خدال وأعجاز مآكمها روى

فلم أر كالتجمير منظر ناظر

ولا كليالي الحج أفتن ذا هوى

فأنكر الأستاذ إنشاد الغزل، وبدأ يقول: ما هذا ياشيخ، بالله عيب عليك، وكلام من هذا القبيل (والحقيقة أن الألفية تزخر بالشواهد الغزلية ومن يتجنبها لن يتقن النحو، ولو زار هذا الأستاذ أمات المحاظر لأنكر كثيرا)

وفي معرض الحديث عن حضور بديهة علماء هذه البلاد، وتمكنهم في مجال النظم؛ كان مما ذكر الشيخ محمدن أنه كان في سبعينيات القرن الماضي يدرس على  العلامة القاضي: المصطفى ولد ببانه الملقب ابين، وذات يوم كان يدرسه عند حانوت الشريف سلمان ولد سيد أحمد في سوق تكنت، فأنشد الشيخ ابين لنفسه:

كل الحروف وصفوا بالحرمه

              كما ارتضته علماء الأمه

وخصص الحرمة باللسان

                 العربي القدوة اللقاني

فطلب الشيخ محمدن عزو هذا، فقال الشيخ ابين، دون سابق تفكير: 

لا تشغلنّك خدال السوقِ

           والسوقُ عما ساقه الدسوقي

كان لشعر الحسانية أيضا حضوره في هذا المجلس، ومما أذكره من ذلك، "كاف" أنشده الشيخ الداه ونسبه للشيخ ولد مكي، مستحسنا إياه، وكم هو محق، ولم أكن سمعته قبل ذلك، وهو:

الزيرة ذيك انّبغيها 

والّ عزتها ما نجحد 

ذي لعشيه شفت اعليها 

عن ما شفت اعليها حد

وقد استحسن الشيخ ولد أعمر طالب الصورة البديعية في الكاف، كما علق على بيت الشيخ ولد ببانه "لا تشغلنك..." بقوله: الشيخ ابين بعد گدامو "عما جاء في الدسوقي أو عما قاله..." لكن مثله لن يغيب عنه أن الإتيان مع "السوقِ والسوقُ والدسوقي" بكلمة "ساق".

هذا ما تذكرته من حديث الشيخين، في هذا المجلس المفيد والممتع والشيق، أما التعليقات القليلة التي صدرت من العبد الفقير (إلى اليمين) فلا تستحق أن تذكر مع حديث الشيخين.

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122