يقدم صديقي الهيبة ولد الشيخ سيدات أطروحة مشككة في قدرة موسى فال على تنسيق الحوار السياسي المرتقب، مستندًا إلى ثلاث حجج رئيسية: طبيعة تفكيره كاستشاري، اعتزازه برأيه، وعلاقاته غير المثالية مع بعض القوى السياسية. ورغم عدم قناعتي بوجاهة هذه الحجج و موضوعيتها غير أن تفكيكها يكشف عن عدة مغالطات منطقية، وتحيزات سياسية جلية، تجعل المقال أقرب إلى موقف حزبي منه إلى تحليل موضوعي.
أولًا: موسى فال ليس ولد الوقف
المقارنة بين موسى فال ويحيى ولد الوقف تفتقر إلى الدقة، لأن الرجلين مختلفان في التكوين السياسي والتجربة. صحيح أن ولد الوقف يتمتع بذكاء تكنوقراطي ونزاهة فكرية ، لكنه لم يحترف السياسة و إنما شغلته الأرقام و الإحصائيات و عويصات علم الاقتصاد التي برع فيها، في حين أن موسى فال شخصية متمرسة في السياسة، حلب شطريها – الموالاة والمعارضة – ودلف إلى دهاليزها المضيئة و المعتمة، مما يجعله مؤهلًا لمهمة تحتاج إلى الحنكة والمرونة، و الكر و الفر، و الإقدام و الإحجام، و عدم وضع الندى في موضع السيف، و لا العكس..
ثانيًا: دور المنسق لا يتطلب أن يكون “سمًا على عسل” مع الجميع
الكاتب يصور نجاح الحوار على أنه مشروط بعلاقات ممتازة بين المنسق وكافة الأطراف، وهو افتراض خاطئ، فالمنسق ليس مطلوبًا منه أن يكون محبوبًا من الجميع، وإنما أن يكون موثوقًا به كوسيط نزيه قادر على ضبط الإيقاع وإدارة التفاوض. والثقة في موسى فال ليست محل ارتياب، نظرًا لتاريخه في ممارسة السياسة وخبرته في التعامل مع الملفات المعقدة.
ثالثًا: العلاقة مع “تواصل” و”بيرام” ليست المعيار الوحيد للنجاح
يستند صديقي الهيبة إلى أن علاقات موسى فال مع “تواصل” وبيرام ليست مثالية، وكأن ذلك يحكم مسبقًا على فشل الحوار.
ومتى كانت لأي سياسي آخر، علاقات مثالية مع جميع الأطراف؟
نجاح الحوار لا يقاس بشبكة العلاقات الشخصية، بل بقدرة المنسق على توفير بيئة حوارية تتيح لكل طرف التعبير عن مطالبه وضمان تفاعلها مع رؤية السلطة.
المُحاور الذي يقبل و يرفض، و يقدم التنازلات و الالتزامات هو ولد غزواني و ليس موسى فال، الذي لا يتعدى دوره التنسيق بين المُحاوِر و المُحَاوَر..
رابعًا: هل موسى فال أسير رؤيته القديمة؟
الكاتب يحاول ربط موسى فال بمرحلة ولد الطايع، وكأن الرجل لم يتطور سياسيًا منذ ذلك الحين.
ألا يعتبر ذلك اختزالاً مجحفاً لتاريخ موسى السياسي. فقد خاض الرجل تجارب سياسية متعددة، وكان معارضًا شرسًا في مراحل، وميتشارا كفؤاً في مراحل أخرى، مما يدل على قدرته على التكيف والتفاعل مع التحولات السياسية.
إذا كان ولد الوقف قد فشل، فليس بالضرورة لأن مهمة التنسيق مستحيلة، بل لأن المعطيات لم تكن لصالحه، وربما لم يكن الشخص المناسب لذلك الدور. أما موسى فال، فهو سياسي مجرب، حاذق، عميق الرؤية و الرويّة، ويكفي أن يحظى بثقة الفرقاء ليكون قادراً على لعب دوره بجدارة.
يبقى السؤال الأهم: هل الأطراف السياسية التي يدافع عنها صديقي الهيبة لديها الإرادة لإنجاح الحوار، أم أنها ستبحث دائمًا عن شماعة لتعليق الفشل؟