في ذكرى رحيل العلامة الشيخ محمد المصطفى/ ناجى محمد الإمام

2017-05-19 09:34:00
تنبيه هام :

(هذه المقالة والتدوينات الكثيرة في حق والدنا وشيخنا، مجرد غيض من فيض مما يجب أن يخلد للأجيال القادمة من مآثره كأحدعظماء البلد والأمة ..ويهمني ، من باب التوثيق،أن أوضح أنها إعادة نشرفي ذكرى السنة الفارطة، أما تاريخ انتقاله إلى الرفيق الأعلى فكان يوم الجمعة2008//22/8 الموافق 1429/8/19 في االرباط بالمغرب ، تيب عليه وعلى والدينا والمسلمين آمين)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يوافق اليوم ذكرى رحيل الغوث الرباني والعارف الصمداني العالم النحرير والقطب الشهير المغفور له بواسع رحمة الحي القدير: شيخنا الشيخ محمد المصطفى خليفة أبيه وسَميِّ شيخه الشيخ محمد المصطفى"ماء العينين"،ووارث سره قطب الرحى شيخنا الشيخ أحمد أبي المعالي بن شيخنا أبي الكرامات والخوارق الباهرات الشيخ أحمد الحضرمي بن شيخ مشايخ السلف وجوهرة العلم المكنونة في الصدف شيخنا أحمدو"أدي" بن شيخنا نبع الأسرار و مشكاة الأنوار فيض العلم المدرار محمد بن عبد الدائم أحلهما الله دار نعيمه الدائم ..
و بضعة أمه العالمة العابدة العارفة أم العافين وكعبة القاصدين، جوهرة البيتين:
و زينة القصرين ودرة البحرين الشيخة فاطمة "توتو" بنت الولي الكامل العالم العامل مشهود الشهود بالفناء في سيد الوجود شيخنا (محمدُّو (أبُّوه) بن شيخنا (أدي) أحمدو ملتقي البحرين الأعذبين الأصفيين الدافقين برحيق المعارف التليد منها و الطارف...

بهم عند الله ولهم نستمطر شآبيب الرحمة علينا وعليهم وعلى المسلمين.في ذكرى رحيله نستعيد شذرات من ذكريات بواكير يافع في حضرة المعالي والمعارف...

ذكريات يافع في "حضرة المعالي"
___________________

في الساعات الأولى من قيلولة اليوم والحضرة في هدأة مابعد "أتاي الضحى" لعلع الرصاص من قبل الأكمات الغربية ، فهاج الفريق وماج ، فكنت تسمع الراكضين صوب مصدر"القرطاس*" يرددون : "شيخنا جاء" ... نهض الشيخ سعد أبيه و أدي والداي مهرولين :مهيللين مهللين .. وانكبوا على يده الشريفة تبركا و توقيرا واشتد الزحام حتى تدخل مريدو الخدمة لتسليك "الزيارة"..
كان شيخنا الشيخ محمد المصطفى بقامته المديدة و وضاءة محياه المنير و أناقته الأسطورية يرتدي دراعتين: زرقاء سابغة و بيضاء قمرية ولثاما أسود مسدلا على الكتفين بالطريقة الزاوية ، يترك ذؤابة سوداء يخالطها شيب مهيب تتدلى بوقار من غرته البهية تداعبها ريح شمال منعشة كأنما هبت لتحيي جبينه الطاهر الوضاء ،يعتلي صهوة جواد أشهب مطهم من فصيلة "جريبات أولاد بله" عريقة التوارث في بيوتات "عرب آمور"* من المغافرة الذين وصلت عن طريقهم، بالمصاهرة والخؤولة *من أرومتي " اليتامى" البركنيين و "أولاد شبيشب" *الناصريين إلى بيت "محمد ولد عبد الدائم" الذي منه ينحدر و بخلافته ينعم القدوة، يتقدم موكبا من الضيوف ورؤساء العشائر وعلية القوم و الشعراء والوجهاء و المريدين..
سار الموكب من جمالة وراجلين وسط نقع كثيف إلى الخيام المنصوبة ،أصلا، لئلا يحدث ارتباك في الإيواء مهما بلغ عدد الوافدين .
لما أخذت كل "سربة" نزلها ودارت جفان "الشراب المُحَلَّى" ، دَبَّت حميا الذكر و الشعر الروحاني فسالت الدموع و تعالى إنشاد المجاذيب .
وشعشع الأتاي مدامة في كؤوس "الواخ" المضلعة وأقداح "البنَّار" الموَّشَّاة و"المنمقة" ، وانتشر قتار"الشواء" من الحفر المتلمظة بالسديف المركل...
وكالنار في الهشيم انتشر خبر وجود غيلان زمانه محمد ولد آبَّوَّه الحسني مريد وشاعر الشيخ ماء العينين و أبنائه البررة وسمير الزعيم علال الفاسي و شاعرالشيخ أحمد أبي المعالي والشاعر الفذ محمد الأمين ولد ختار الجكني مرهوب الجانب المعروف بلقبه المرعب "التعدِّي" و غيرهما..
لكن المطرب اللطيف الظريف ولد همد فال كان أول من أنشد قبل الأوان :

أيدك يا شيخي وَدْها ** ربي عن جمعْ أيدينا
معطاها زينْ وْمَدْها ** زيْن وْ ريحتها زيْنَ

تبدَّلتْ هدْأة المخيم فكأنما نزلت به مدينة كاملة بتنوع سكانها وتفاوت أجيالها وشؤونها ومهاراتها ، فهذه أسر انتقلت بأطفالها وأحمالها بمرضاها راجعين من كبريات مصحات حواضر إفريقيا أعيت حالهم نطاسييها المَهَرَة و"مكائنها" وأمصالها وإبرها ، فجاءت تلتمس الشفاء على يد الشيخ،وهذا المتقاضي يحمل نازلة أفتى فيها فلان و نقضها علان يلتمس فك إشكالها الفقهي، وذاك زفان قوال ينتظرالنوال و آخر أقفل عائدا إلى أهله برَكوبته وحمولتها مؤمِّنا أهله من الفاقة سحابة عامه.
تناثرت المغارج ملأى بالوَضوء كأنها أسراب البجع أو الحبش الأليف فتوضأت الجموع وأدَّت صلاة العصر، وانطلقت طقوس "طروح الطعام" التي لابد أن يباشرها الشيخ بنفسه فهو يعلم يقينا، بالعدد و نوع الحِمية الغذائية الخاصة بكل فرد في كل "سربة" ..والمريد المشرف على شؤونها تحت إشراف"القائد" الذي هو أمين الخزائن ولديه لذلك البناية الوحيدة المشيدة في المخيم .
يصطف عشرات "تلاميذ التجريد" والطباخين يحملون "المراجل" والجفان والقصاع وتصفف أمام الشيخ يأمر بزيادة هذه الجفنة و مضاعفة عدد "عظام" هذا "أسِلَّايْ" و تناسب عدد "إشكيمن" الدهن مع نوعية الثريد ...
يسأل عن "فلان" المفرد من سيؤاكله و"يشرب معه الأتاي" ومراعاة اختصاص"الجليس" بمزاج الضيف و حقله المعرفي..
ولأن الشيخ سعد أبيه وادِّي و الداي يتولون مجالسة الشعراء والعلماء و منهم العلامة الأديب محمد بن آبَّوَّه الحسني ، فقد تمكنتُ من رؤيته عن قرب..
كان أقرب إلى القِصر أبيض مشربا بحمرة مع وفرة جسم أصلع أو حليق الرأس يلبس دراعة بيضاء مصفرة أغلبُ الظن أنها من قماش "الشقة" بدون قميص يحمل في عنقه "أصراعا" يتدلى منها "تهليل" أحمر باهت اللون... يُحَدِّثُ جلساءه أغلب الوقت مستلقيا على وسادته مغمض العينين..
يُملي من ذاكرته أشعاره و أذكاره وذكرياته ..ومازلتُ أحفظ بعض شعره من تلك الأيام وأغلب أحاديثه عن فترته الزاخرة بالأمجاد مع آل الشيخ ماء العينين الميامين و الزعيم علال الفاسي.
مع نسمات العشية كان يتملَّى طلعة شيخنا الشيخ محمد المصطفى النورانية ويسمع صوته الندي يستثير أحاديثه عن ذكرياته الجهادية المعينية الزاهية ...
بصوته الخفيض أنشده رائعته الفريدة:

تحية الحمد

إنا مُحَيُّوكَ يامن طابَ محتدُهُ ** وقد يُحَيِّي الفتى من ليس يَعْهَدُهُ
تحيةً بتمام الحمد نائبــــــــــةً ** عنَّــــــــــــا إليكم تُرَقِّيهِ و ترفُدُهُ
علم اليقين بكم حق اليقين لمن** تدنو معاهده أو ناءَ معهده
مأهولة بكم الألبابُ من عِظَمٍ** وألسنُ الناس من حَمْدٍ ترددُهُ
لمْ يبقَ مُقتَنَصٌ من كل محمدة ** إلا لديكم من القُطَّاف وُفَّدُهُ
لازلت في مدد المولى تصول على** بُطْلٍ تُعَفِّيهِ أو حق تجدده
أنت الخليفة بعد الشيخ محتنكا** ومصــــطفاهُ مُنقَّاهُ محمَّدُهُ
وافاكمُ زائرُ محضٌ زيارتُهُ ** لولا التَّشـــوُّفُ للجدوَى يُفَنِّدُهُ
يرجو لرأبِ ثَأَى الآراب عن كثب** عناية من لدنكم لاتني يدهُ

______________________

* عرب آمور هم ذراري بركني وفيهم خؤولة متصلة لاداشفاقة تاقاط.
* الطالب أخيار جد محمد بن عبدالدائم المباشر أمه منينه بنت أعمر ولد شبيشب الأميرة الناصرية الشهيرة
*آسلايْ: جفنة من خشب يطة ذات عروتين تتسع لِمُدَّيْن
من الكسكس تستخدم لإطعام الوفود .
* إشقيمن جمع إشكيم و هو وعاء خشبي ذو ماسورة
خاص بالدهن والسمن.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏جلوس‏‏‏
المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122