في معنى الإعجاب/10 العلوم الإنسانية والعلوم البحتتة../ د. محمد الأمين الناتى

2017-04-23 04:28:00

من المُسلَّمات الَّتِي لا مجال للخوْض فيها، أنَّ التنمية غيْرَ الشوهاء هي التي تجعل من أهدافها تلْبِية مطالب الإنسان الروحية والمادية، على حدٍّ سواء؛ ومن أجل ذلك ترسم خطط التربية والتعليم، المنطلقة من حاجات الواقع، والمستجيبة لاسْتِشْراف مستقبلي سليم؛

.

وقد كان سبيل كلِّ أمة إلى التقدم أنْ تسعى إلى امْتلاك شروط التوازُن بين أبعاد الإنسان جميعها؛ ويقْدُم كلَّ مسار موجِّهٌ روحي هو مُحرِّك التاريخ، وراسِمُ الأهداف، ومحدِّد سُبُل الوصول إلى الغايات؛ وهو ما تَتَكفَّل به الآداب، وترفُدُه علوم الإنسان جميعُها.
هذا الذي نرْمِي إلى التذكير به، هو ما بيَّنَّا ـ من قبْلُ ـ في ضرورة أن يكون في مُقدَّم كلِّ نهضة أو أيِّ ثورة أو أيِّ إصلاح، التمكينُ لمُوجِّه، هو المُحفِّز إلى صُنْع التاريخ. وليس محل الخلاف حول مستويات وصور هذا العامل؛ وإنما الخلاف في إمكان وجوده ـ أصلا ـ من عدمه؛ ومَدَارُ الأمْر في أنَّه ـ مع تبايُن صوره، وتعدُّد مستوياته ـ لا بد من استئثاره، أولا وسيادته في الواقع الذي سينْتابُه أَزٌّ عنيف يعْصِف بالمُخْتلِّ فيه، ويُرمِّم المقومات/الثوابت التي هي قِوام الوجود الإنساني؛ فتشرع منظومة قيمية جديدة، هي حامل التغييرات، وجوهر التَّبدُّلات، في طريقها إلى السيادة.

منْشَأ الخلاف ـ إذَنْ ـ ليس بسببٍ من إغفال أو إنكار وجود المُحرِّك للتاريخ؛ وإنما لأن تعَدُّد صُوره ومستوياته، يحول دون الانْتِباه بداهة إلى طبيعته الواحدة؛ ومثلها أن الصور المتعددة لا تأتي في مُستَهلِّ كلِّ طوْر تطوُّري دفعةً واحدة؛ بل إن التطاول الزمني، واختلاف صور هذا المحرك من وضع حضاري معين إلى آخر، واستجابة أمة بذاتها لدرجة دون أخرى؛ كلها أفضت إلى خفاء هذا العامل، في وجه بصيرة بعض دون بعض. لهذا الخفاء الذي اسْتوْقفَنا في منظور بعضٍ، كان التخفُّف من المُوجِّه الروحي لدى بعض دعاة التنمية، أو المُروِّجين لشرعية تقوم عليها.

إننا نريد ـ في مثل هذه الحال ـ أن نُنوِّه إلى أن غياب الوعي بمحرك التاريخ هذا، لا يمكن إلا أن يكون مُعِيقا؛ يحول دون التصوُّر القويم، والتخطيط الرشيد؛ اللَّهُمَّ إلَّا أنْ تكون البرامج والخطط ذات مَرامٍ غير جدْوى الإنجاز، والعمل وفق ما يقتضيه الإمكان. إن من غير المُتاح ـ وما يُجافي، حتَّى الخيال العلمي، أحرى الخيال الشعري، إغفال الأهداف الشاملة في أيِّ مُستوًى من مستويات التنمية، أو في أيِّ منْحًى من مَناحِي التقدم؛ والتسليم بضرورة ذلك، هي الاقتضاء الأساس للموجه الروحي، المتفاوت من وحي في كتاب منزل، أوفلسفة تَؤُول إلى صياغة مقولاتها وتحديد أيقوناتها خِبْرةُ أمة أصيلة، أو منظومة شعارية تَتَوسَّل بها حركة ثورية، أو نهْجٌ إصلاحي يريد تقويم اخْتِلالات وتحسين أوضاع تتطلَّب التغيير.
ومِمَّا هو في حكم البديهة، أنَّنَا في أَمَسِّ الحاجة إلى مثل هذا الوعي، المنطلق من ضرورة تدارُك تَهَاوِي أوضاعنا المادية، وتعطيل تحلُّلِنا القيميِّ، والخُوَاء الروحي البادي في تفريغ قِيَّمِنا وتزْييف وعينا؛ بتسويد ثقافة التحايُل والتزوير والنفاق، وتلْبيس الحقائق، وتنْكيس تراتُب الأولويات، وتعميق التفاوُت الاجتماعي، وترْسيخ الاختلالات، وتبديل الأمْنِ خوْفًا، وتهْديد السِّلْم الأهليِّ والوئام المُجْتمعِيِّ.
ولعلَّ مُتعيِّنا حَمَل على إرْجاء المُتعيِّن المُتعهَّد به ـ من قبْلُ ـ من ترابُط وتلازُم بين الآداب والعلوم؛ فقد شرعنا في شجون الحديث، وننْوِي التحكُّم في الشَّجَ

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122