السلام الديني والإرهاب الشيطاني

2017-03-06 13:58:00

كثر الحديث حول الإرهاب والسلام الذين يعودان لجذور دينية ضاربة في القدم ، غير أن  أغلب الكتابات التي تناولتهما لم تحترم لهما تلك الجذور، في حين أنها من المسلمات لدى أغلب أتباع الديانات السماوية .

.

هناك صراع أزلي بين الخير والشر تناولته الديانت السماوية في تبشيرها بصراع أبدي تجري أحداثه على الأرض بين كائنين  أحدهما خلقه الله من النار التي تدمر كل شيئ عصى خالقه فصار جامعا لجميع الرذائل وانحدر في نهج المعاصي و الاستكبار مكلفا نفسه بالتدمير المادي والروحي في الأرض وتسمى الشيطان . أما الكائن الآخر فهو مخلوق من مادة الإعمار في الأرض : (الماء والطين)  و كلفه الله بحمل أمانة الإعمار المادي والروحي وهو آدم وذريته من البشر .

والشيطان يقود تلك الحرب أصالة عن نفسه بينما حملة الأمانة قادوها باسم الله الذي هو رب متعال على المخلوقات مهما كانت طبيعتها ، ولهذا فالرب يختار قادة جنده وهم الرسل الذين خلقهم على النقيض من الشيطان حين صيرهم مجمعا لجميع الفضائل وعصمهم من إتيان ما يدعو إليه الشيطان من معاصي حتى يستطيعوا الوقوف في وجه مده الخبيث .

والتق الجمعان على الأرض وتنافسا لتنفيذ أهدافهما فصار كل بشر يؤثر النهج الشيطاني التدميري لعينا رغم طبيعته الإعمارية الأصلية ، بينما يحظى الجني بمركز مخالف يكون به سعيدا عندما يختار نهج الإعمار ويأبى التوظيف في حملات الشيطان  الإرهابية الرامية إلى إفشال مشروع خلافة الله للإنسان في الأرض.. 

وقد حدد الله لجنوده مهمهم من خلال الشرائع التي تضمنتها الرسالات التي تشتمل على عقيدة وفقه المتضمن لشكل العبادة وشروطها كالطهارة التي لا تكون إلا بالماء أو بالتراب الذين هما المادة التي خلق منها الإنسان أصلا ، ما يعطي للطهارة بعدا روحيا عميقا يذكر الإنسان بخلقه ونشأته من عدم .

وفي الطهارة كذلك تذكير بالتنافر السرمدي بين الطبيعة الإعمارية للمخلوقات المتأتية من الماء والطين مع الطبيعة التخريبية للنار التي تدمر تلك الأشياء  .و النار لا يخلق منها شيئ حي معروف غير الجن أو شجرة الزقوم .

وكان الشيطان قد بدأ إرهابه حين حسد آدم على تكريم الله له في الحدث الوجودي الذي واكبه تدخل الشيطان للرب في تدبير شؤون ملكه معارضا إنعامه جل وعلا على آدم .

عندها يئس الشيطان من رحمة الله وركز جهوده على حرب حملة الأمانة فغرر بالإنسان الذي نسي أن رزقه مضمون دون أن يكون في ذلك الضمان ضمان الإباحة  ، فكان ذلك الاستثناء  يشكل مدخلا من مداخل الشيطان في عمليته الأولى التي هبط بها الإنسان من الجنة وهبط الشيطان منها كذلك ، وابتلي الله الإنسان بإتباع الأسباب لتحصيل رزقه حيث أنه مطالب بإتباع الأسباب المباحة اختبارا لمستوى طاعته واعترافه بالعبودية  لأن الأسباب في واقعها ما هي إلا ستائر تخفي عنا عطاء الله .

وقد حدد الإسلام مجال توظيف طاقة الإنسان البدنية والعقلية محذرا من توظيف تلك القدرات في عبادة الشيطان الذي يوجه أتباعه نحو البحث عن السعادة في غير موضعها فيهلكوا أنفسهم وأقاربهم الأقربين كما يفعل الزاني بابنه الذي  يسلمه للمجهول فيعيش في أحسن الأحوال ينسب إلى غير أبيه ويعيش عالة على ذلك الغير أو يسمى بابن الزنا الذي لا مكان له بين الناس .

 منهج الديانات السماوية  يضبط سلوك أتباعها على نحو يضمن حماية البشر من الصراعات الهمجية التي  تدمر حياتهم وعمارتهم وتوازنهم النفسي الذي  يؤثر اختلاله سلبا على المعتقدات .

لكن منهج تلك الديانات تم العدول عنه في حقب تاريخية مظلمة عملت خلالها الأنظمة السياسية على تأجيج الصراعات الدينية ما أدى إلى تنافر الديانات السماوية التي صار توظيفها شائعا في الصراعات لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية في مناطق معينة .

 إن الشيطان لن يغفل عن حرب أتباع الديانات السماوية لأنها تحدد الطرق السالكة لتأدية الإنسان لأمانته في الأرض وهي طرق لا يريد الشيطان نجاحها . ولذلك فالشيطان يسعى إلى تحريف الديانات السماوية وصرفها عن وظيفتها حتى يستخدمها كوسيلة للسيطرة أو للتحريض في بعض الحروب خاصة  بين متحاسدين حضاريا وإن كان بعضهم من أتباع دين واحد .

وعليه يكون التحاسد هو أساس الإرهاب الشيطاني المضاد لقيم السلام التي تبشر بها تلك الديانات وخاصة الإسلام الذي يأمر أتباعه بتحية (السلام) كضمانة يقدمها كل قادم ، كما أن الإسلام  يفرض على كل من يعتنقه التسليم بالنظام القانوني الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله ، وذلك بقول المسلم : ( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله )، والتسليم على هذا النحو يشابه ما في الدول الحديثة من إجبار لكل من يوجد على أراضيها ضرورة التسليم بسلطان نظمها القانونية  دون نقاش حتى تسد الباب أمام الخروج على الجماعة بالتمرد الإرهابي الشيطاني.

 إن الشيطان يمني أتباعه  بمركز مستحيل واقعيا هو مركز الإنسان الأخير الذي ينتهي عنده التاريخ حين انتصر في كل الحروب والصراعات الشيطانية فيسول له الشيطان خلودا زائفا  يبيح له فيه كل الخطايا ويلتهم   كل مخزون الأرض من الأقوات بعد دحر حملة الأمانة والقيم والمثل.

  إن أتباع الديانات السماوية عليهم الانتباه لهذه الحقائق التي عرفوا عنها الكثير عبر الرسل المبشرين والمنذرين وذلك بالسعي لتضييق هوة الخلاف واستغلال نقاط الالتقاء  بما فيها تلك التي تعطي أفضلية عند المسلمين لمعتنقي الديانات السماوية على غيرهم من أتباع الديانات الأخرى  . وهي قواسم يمكن استخدامها لتحقيق السلام لأنها تحمل رسالة عدل تمثل بديلا لقانون الغاب الجاهلي الذي ساد حين ضعفت المركزية المضادة للشيطان ونهجه في هذا الزمان .           

  

      المحامي / محمد سدينا ولد الشيخ _ نواكشوط _ موريتانيا                                       

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122