المغرب ضمن الاتحاد الإفريقي .. بداية معركة/ الدبلوماسي السابق محمد بنمبارك

2017-01-31 17:20:00

يعتبر الجهد المبذول إلى حد الآن من لدن المغرب لاستعاد مقعده داخل المنظومة الإفريقية في حلتها الجديدة، الاتحاد الإفريقي، بمثابة عملية قَص شريط الافتتاح أمام البوابة الإفريقية، ما تطلب أكثر من ستة أشهر من الجولات والتحركات على الساحة الإفريقية طولا وعرضا لضمان شروط عودة مشرفة لعضو مؤسس للمنظمة الأم إلى المؤسسات الإفريقية الجديدة من بابها الواسع.

.

ولا يشكل كل هذا العمل سوى مدخلا لشغل المغرب كرسيا لن يكون مريحا بالاتحاد الإفريقي، حيث ستنطلق من جديد المواجهة المباشرة والمفتوحة مع الخصوم حول ملف الوحدة الترابية. وتثير هذه العودة عدة استفهامات وتساؤلات حول خطة العمل المغربية وأهدافها، وما يمكن أن تحصده من نتائج إيجابية لصالح القضية الوطنية.

لن نتسرع في إعطاء أجوبة حريرية مبسطة على أن المغرب يكون بعودته قد انتصر على خصومه الذين حاولوا عرقلة عودته بكل الوسائل وانتهى الأمر، بل بالكاد دخلنا غمار المعركة الحقيقية لتدبير ملف الوحدة الترابية داخل الاتحاد مباشرة بدل عملية النيابة أثناء فترة غيابنا طيلة 32 سنة، التي تبين خلالها أنها لم تجد نفعا بعدما حافظت الدولة الوهمية على مقعدها ومرر الخصوم بقيادة الجزائر العديد من القرارات الجائرة ضد المغرب، فتبين بالملموس أن استمرار نهج سياسة الكرسي الفارغ ستكلف المغرب المزيد من الخسائر، وأن عليه تحمل مسؤوليته الكاملة في إدارة قضيته. وكما يقول المثل العربي الشهير "ما حك جلدك مثل ظفرك".

لقد أبرزت فترة غياب المغرب عن التنظيم الإفريقي نشاطا محموما للدبلوماسية الجزائرية وتحركات فريقها المساندة، في حين كان الفريق الداعم للمغرب غير ديناميكي بالمستوى القادر على تجنيبنا العديد من الاختيارات الإفريقية المسيئة والمناوئة لقضية مغربية الصحراء، فقد مررت الجزائر عدة قرارات دون اعتراض أي طرف إفريقي داخل الاتحاد. هكذا حصل مع جملة من القرارات التي صدرت في غفلة من أنصارنا، كقرار "تعيين ممثل للاتحاد الأفريقي مكلف بملف الصحراء".. فإلى متى سيظل الوضع على هذه الشاكلة؟ ..كان لزاما على المغرب ألا يظل مكتوف الأيدي..

الوقت قد حان لاتخاذ القرار الشجاع ورفع التحدي أمام الخصم ونقل المعركة وجها لوجه داخل حلبة الاتحاد الإفريقي.

قد يبدو علينا الآن بعض الارتباك عند دخول هذا المعترك، لاسيما حينما يعتبر الانفصاليون أن العودة المغربية بمثابة اعتراف وتطبيع فازوا به حين نتقاسم وإياهم طاولة الاجتماعات نفسها الحاملة لأعلام دول الاتحاد، فقد رددوا أن عودة المغرب تعد مكسبا لهم بعدما عاد دون زوال الأسباب التي دفعته إلى الانسحاب. لكن مع ذلك، وإلى حين إيجاد مخرج لهذه المعضلة، فالخصم هو الآخر، وأقصد الجزائر، سيكون مرتبكا حين يجد نفسه مضطرا إلى تغيير أساليب وقواعد اللعب بعد انتقال الموقف لديه إلى المواجهة المباشرة مع أصحاب القضية على طاولة واحدة، وبعدما صال وجال لمدة 32 سنة دون قيد، تمكن خلالها من الاستفراد بالعرض والنقاش والمداولة والتوصية والقرار، لكنه اليوم سيجد نفسه ندا لند مع أهل البيت، وستكون للمغرب الكلمة بل والدور الأساسي في أي قرار يتعلق بقضية وحدته الترابية، لاجما صوت النشاز الطارئ على الاتحاد ومن والاه.. وهذا الأمر لا يصب في مصلحة الخصوم.

لكن التساؤلات التي يمكن طرحها بعد التوجه المغربي الجديد، هو كيف سيكون شكل المواجهة داخل الاتحاد؟ وماذا أعدت الدبلوماسية كعتاد وذخيرة لهذه المعركة السياسية والدبلوماسية والإعلامية؟.. لا أقصد هنا الانفصاليين الذين تسللوا إلى البيت الإفريقي في غفلة من أهله، بل أعني صاحب وقائد المشروع الانفصالي التوسعي، الجزائر.. هل عودتنا للاتحاد الإفريقي هدفها الرئيسي طرد جماعة البوليساريو بحثا عن كل الطرق المؤدية إلى هذا المبتغى لتنظيف الاتحاد من هذا الشكل من الدول الوهمية، وتدارك الخطأ التاريخي لمنظمة الوحدة الإفريقية؟ هل سنكتفي بوقف نزيف القرارات والتوصيات المعادية للمغرب في سياق دبلوماسية الدفاع ورد الفعل؟ أم سنمضي مع أبناء قارتنا في الانشغال ومعالجة القضايا والمشاكل الإفريقية؟ هل سنركز على ضرب التحالف الجزائري داخل الاتحاد وتفتيته والانتقاص من هيمنته داخل دواليب الأمانة العامة للاتحاد وبالاجتماعات الرئيسية والفرعية بأديس أبابا وباقي العواصم الإفريقية؟ هل سننمي ونعزز صف حلفائنا لخلق دينامية قوية وفعالة تخدم مصالح المغرب وإفريقيا معا؟ أسئلة كثيرة هامة تطرح وتعكس ما نحن مقبلون عليه فيما يمكن وصفه حقيقة بالمعركة.

كيف هي أدوات اشتغالنا وما شكل عتادنا هجومي أم دفاعي؟ هل سنحافظ على سياستنا المعهودة المكتفية بالتصدي ورد الفعل أم سننتقل إلى نهج خطة الدبلوماسية الاستباقية؟ من دون شك فإن القائمين على هذا الملف قد هيؤوا أوراقهم وخططهم وتدارسوا في كل السيناريوهات المُحتملة، للمواجهة المفتوحة على كل الواجهات الإقليمية والقارية وأيضاً الأممية، التي ستتأثر من دون شك بالمناخ الجديد للاتحاد الإفريقي الذي ستخلفه هبوب الرياح المغربية.

لقد دشن المغرب الخطوة الثانية في مسار الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي بالتوقيع والمصادقة الكاملة والاستعجالية على القانون الأساسي لهذا الاتحاد، في ظل ظرفية سياسية جد معقدة تعيشها البلاد منذ أربعة أشهر بسبب تعثر تشكيل الحكومة الجديدة وعدم تشكل رئاسة ولجان مجلس النواب في أعقاب الانتخابات التشريعية. وقد تم استكمال مسطرة المصادقة في وقت قياسي، استدعى الانتباه، إذ يلاحظ أن جل الدول الإفريقية (53) التي وقعت وصادقت على ميثاق الاتحاد أخذت مسافة مريحة بين التوقيع والمصادقة تراوحت بين شهرين إلى أكثر من سنة، حالة مدغشقر، موريتانيا والجزائر 10 أشهر، تونس وليبيا 4 أشهر، وذلك انسجاما مع المادة 27 من القانون الأساسي للاتحاد، الموقع عليه بالعاصمة الطوغولية لومي في 2000/07/11، والذي ينص على أن التوقيع والمصادقة على هذا القانون من قبل الدول الأعضاء بمنظمة الوحدة الإفريقية تجري طبقا للإجراءات الدستورية المتبعة في البلاد. فما الذي دفعنا أو اضطرنا إلى هذه العجلة ولم تطأ أقدامنا بعد بيت الاتحاد الإفريقي، في وقت واجهنا مناورات الخصوم، لاسيما من قبل رئيسة المفوضية الإفريقية "دلاميني زوما"، ومن يقف خلفها لتعطيل عملية انضمام المغرب؟.

يلاحظ أيضا أن بعض مواد القانون الأساسي للاتحاد الإفريقي تتناقض وأدبيات الدبلوماسية المغربية ومبادئها.. قد تصادفنا جراءها عدة مشاكل، من بينها الفقرة (أ) من المادة الرابعة من القانون الأساسي التي تعتبر كل الدول الأعضاء بالاتحاد سواسية من حيث السيادة والاستقلال، في حين يضم الاتحاد دويلة وهمية لا تتوفر لديها أدنى شروط دولة وفق معايير القانون الدولي. إذن هناك حالة غريبة وفريدة فما العمل؟ هناك أيضا الفقرة (ب) من المادة نفسها التي تدعو إلى احترام الحدود الموجودة وقت الحصول على الاستقلال، وهو ما يعرف بمبدأ الإقرار بالحدود الموروثة عن الاستعمار، الذي طالما رفضه المغرب، على اعتبار أن المغرب وقت حصوله على الاستقلال لم يكن بعد ولازال لم يستكمل وحدته الترابية.

*دبلوماسي سابق

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122