بالإنشاد الصوفي.. آلاف التونسيين يحيون المولد النبوي بالقيروان

2016-12-11 07:29:00

تحول ضريح الصحابي "أبي زمعة البلوي" بالقيروان بالوسط التونسي، كعادته في هذا الوقت من كل عام إلى مركز لإحياء ذكرى المولد النبوي من خلال مهرجان مسابقات الإنشاد الصوفي، والذي يأتي إليه آلاف التونسيين من مختلف أنحاء البلاد فضلا عن السياح الأجانب.

.

وتشير روايات تاريخية إلى أن هذا الضريح يحتوي على رفات هذا الصحابي الجليل الذي استشهد في واقعة "جلولاء" في العام 43 هجريا.

وتعد مسابقة الإنشاد الصوفي التي تعود بداياتها إلى خمسينات القرن الماضي من أهم معالم الاحتفال بهذه المناسبة الدينية كل عام.

وأقيمت مسابقة هذا العام اليوم (الذي يحل ذكرى المولد النبوي) وأمس بمشاركة 24 فرقة من مختلف أنحاء تونس تنافسوا على نيل الجائزة الوطنية الأولى التي تسند لأفضل عرض إنشادي في مدح الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

وعادة ما تكون الأناشيد المقدّمة مستوحاة من مدائح وأذكار الطرق الصوفية بكل جهة مثل الفرقة القادرية نسبة إلى الزاهد القادر الجيلاني (471 هـ - 561 هـ).

وانطلقت مسابقة الإنشاد هذا العام بحماسة بين مختلف أعضاء الفرق التي تبارت فيما بينها في مدح الرسول محمد بأناشيد تطرب الآذان وتمتع المتابعين الذين ينتشون بسماعها وبتكرار المدائح والتناغم معها بالزغاريد والتمايل.

محمد عاشور، رئيس فرقة الشفاء التي فازت العام الماضي بالجائزة الأولى، اعتاد أن يشارك في هذا المسابقات منذ سنوات ويحرص على إشراك الشبان في فرقته حتى تتوارث الأجيال الجديدة هذه العادات.

ويروي عاشور للأناضول أن "فرق الإنشاد الديني برزت مع الفرق الصوفية الوافدة على القيروان وأعطى عدة أسماء منها فرق العيساوي والقادرية والسلامية وقد كانت مقامات الطرق الدينية هي مقرات لنشأة فرق الإنشاد".

غير أن المقامات أغلقت بمرور الزمن وتحولت فرق الإنشاد للمنازل الخاصة حيث تتدرب فيها، وتشارك في عروض وتظاهرات دينية في مختلف الجهات.

وتعتبر القيروان في مثل هذه المناسبات الدينية وجهة لمختلف الوافدين من كل الجهات فمنهم من جاء من صفاقس (جنوب) ومن باجة (شمال غرب) ومن بنزرت بالشمال وسياح أفارقة وصينيين.

وتبدأ زيارة الرواد بدخول بيت الضريح لتلاوة فاتحة القرآن وصلاة ركعتين والدعاء قبل الظّفر برشات ماء الزهر العطري تبركا بها.

ومنهم من اختار الإقامة بالمقام وجلب عدتهم للمبيت وهي عادة الكثيرين دأبوا عليها منذ سنوات لنيل فرص متابعة مهرجان الإنشاد الصوفي ومختلف مظاهر الاحتفال بالمولد.

وتشهد الأسواق العتيقة بهذه المناسبة حركة غير مسبوقة إذ تعرض بالسوق التجارية المحيطة بالمقام مختلف المنتجات الحرفية من خزف ونسيج وأوانٍ وغيرها من لوازم الاحتفال بالمولد والتحف التذكارية والحلويات والبخور والأكلات الخفيفة.

وتعد احتفالات المولد فرصة لخلق حركة موسمية بالأسواق لمئات التجار والعاطلين عن العمل من أبناء المنطقة والمناطق المجاورة.

الستيني زهير الحداد، حافظ مقام أبي زمعة البلوي، الذي ورث مهمة الإشراف عليه عن والده منذ الثامنة من عمره، يقول للأناضول: "أتابع مهرجان الإنشاد الصوفي منذ طفولتي وقد بدأت في الإشراف على هذه التّظاهرة منذ السبعينات".

وحافظ المقام هو أيضا رئيس فرقة للمدائح والأذكار شاركت مرارا في المسابقة وحصلت على الجائزة الأولى في عدة مواسم.

ويتحدث الحداد عن مدينته، قائلا إن "القيروان تتحول في المولد إلى مركز احتفالي وتنحصر نسبة كبيرة من الاحتفالات بمقام أبي زمعة البلوي المدفون بالمقام الذّي يحتفظ بشعرات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ما يجعل المقام رمزا دينيا للمسلمين من أنحاء البلاد ومن مختلف الدول الإسلامية".

ويحافظ المقام على عاداته القديمة في استقبال الضيوف منها زيارة الضريح ورش الزهر العطري من المرش النحاسي القيرواني وفرش الزرابي القيروانية (السجاجيد) للزائرين الذين يبيت كثير منهم في شكل عائلات بصحن المقام ليلة المولد وفي صبيحة المولد تطبخ لهم "عصيدة الصباح" كما يسميها الأهالي.

ويروي الحداد أنه عايش الزيارات السنوية للرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة (1957-1987) الذي اعتاد زيارة المقام في كل مولد نبوي ويرافق في كل عام زعيما عربيا يذكر منهم العاهل الأردني الراحل الملك الحسين والعاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز، والعاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني، والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.

ويعود تاريخ القيروان إلى عام 50 هـ / 670 م، أنشأها عقبة بن نافع أحد أبرز قادة الفتح الإسلامي وكان هدفه من هذا البناء أن يستقر بها المسلمون ولعبت المدينة دورين هامين في آن واحد، هما الجهاد والدعوة، فبينما كانت الجيوش تخرج منها للغزو والتوسعات، كان الفقهاء يخرجون منها لينتشروا بين البلاد يعلِّمون العربية وينشرون الإسلام.

وبقيت القيروان حوالي أربعة قرون عاصمة الإسلام الأولى لإفريقيا والأندلس ومركزا حربيّا للجيوش الإسلامية ونقطة ارتكاز رئيسية لإشاعة اللغة العربية.

 

 

 

.
المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122