"الشعر" و "المقاومة".. أرخص موجودين و أغلى مفقودين

2016-11-27 13:10:00

صحيح أن الشعر بلسم جراح النفس ومتنفسها عندما تحدق بها أكدار الحياة و يعجز الفعل ويتعذر من ناحية،

.

وصحيح أن حضور بعض الشعراء الواقعيين في قيادة أو تحرير بلدانهم على وقع القوافي كان نعمة لبدانهم ومحفزا على نضج شعوبهم ورهافة الحس كما هو الحال قديما مع امرأ القيس الذي كان شاعرا أميرا و محاربا وحديثا مع سامي البارودي الذي قرأ دواوين الشعراء وحفظ شعرهم وهو في مقتبل عمرهُ، وقد أُعجب بالشعراء المُجدين مثل ابي تمام و البحتري و الشريف الرضي و المتنبي و غيرهم، و هو رائد مدرسة البعث و الإحياء في الشعر العربي الحديث، وهو أحد زعماء الثورة العربية وتولى وزارة الحربية ثم رئاسة الوزراء باختيار الثوار له و لقب برب السيف والقلم، و حال فيكتور هوغو الأديب و الشاعر و الروائي الفرنسي، الذي يُعتَبر من أبرز أدباء فرنسا في الحقبة الرومانسية و قد كان ناشطا اجتماعيا حيثَ دعا لالغاء حكم الإعدام و أيد لنظام الجمهوري في الحُكم، كما هو الحال مع الشاعر الكوبي الملهم و القائد الموجه بقوة الشعر الملتزم إلى المثل الوطنية العليا "مارتي خوزي" مؤسس حزب الثورة الكوبية و زعيمها الذي تبع خطاه الزعيم "فيدل كاسترو"، و حال غيرهم الكثير من أمثال ملك "كامبوديا" الراحل "نورودون سيهانوك"، السياسي المخضرم و الشاعر و الأديب و المصلح المحرر من اعتبارات الماضي التي منعت طويلا انطلاق بلده إلى رحاب الحداثة، و قد دخل موسوعة غينس للأرقام القياسية بصفته ملكاً شغل أكبر عدد من المناصب السياسية. فكل هؤلاء و غيرهم وظفوا قرائحهم الشاعرة و نتاجها الفياض لبناء أوطانهم و الرفع من شأنها على أرض الواقع و في كل منابر السياسة و الأدب.
 

كما هو صحيح أن المقاومة التي هي مقارعة المستعمر الدخيل و الغازي البغيض و التي أعقبها مد التحرر و انتزاع الاستقلال و تأسيس الدولة المركزية الحديثة، تعتبر بحق محورا جوهريا في هذا التأسيس و البناء و محفزا دائما على البذل و العطاء و صون حرية الوطن و تخليد المقاومة و أبطالها.
 

ولكن غير صحيح أن كتابة تاريخ المقاومة منوطة "بوحده" القلم و في أعناق فئة دون أخرى و بأدواتها و أساليبها. كلا فإن ما يراد له أن يكون كتابة تاريخ لم يعد منذ أمد الهم الأكبر للشعوب و دولها التي تحررت على إيقاعاتها لرسوخ هذا التاريخ الذي تؤمن بأن سياقه و أحداثه المجلجلة و المدوية في مسار الزمن و العالقة في الأذهان هي أمثل و أبهر أساليب الكتابة و أنصعها حرفا و أسهلها مقروئية حيث لامست و تمثلت الواقع اليومي و حراكه من خلال شعارات الاختزال الذي لا يهمل جزئية و لا وجها أو إسما أو مكانا ملحميا في تخليد صامت ناطق و مهيب مضيء و بمادية مرئية و ملموسة من خلال :
· النصب و الألواح التذكارية،
· و الساحات و المؤسسات العمومية،
· و تسمية الشوارع،
· و في ردهات الجامعات،
· و صفحات بحوثها و أطروحاتها و مذكراتها،
· و المعاهد و رسالاتها،
· و في كل مكان له فضل ثلاثية التجميع و الابداع و البناء،
· و في المدارس و مناهجها التعليمية برصانة و علمية و منهجية الكتابة التاريخية في اقتضاب لترسخ بسرعة أكثر و لألا تثقل على العقول الغضة التي تبحث بتلهف شديد عن خيوط المستقبل من خلال الحاضر الواعي بجسامة التحديات و تشعبها و القادر على رفعها و هو يستمد قوته من ميراث الماضي المبسط دون انتقاص و المنقى بلا عقد من شوائب حساسيات ولى زمانها و غابت عن الأذهان النزيهة أسبابها.

 

و إن لم تراجع النخب مواقفها من الشعر المظلوم بغثائية وغوغائية "المسرفين" فتعكف إلى الإقلال من فعل الإسراف فيه و تنقيته ديوانا و هوية و كينونة،
 

و إن لم ينقذ الجميع من مؤرخين و مهتمين و مستهلكين حياض "المقاومة" من الحساسيات المتعدية على حرمتها و الخادشة لقدسيتها ومن تيار المشككين و الكافرين بها و المعادين من عقد لحماتها من جهة، و من المتبجحين و المتغنيين بها في أسطورية طافحة داخل دوائر انتمائية شبه مغلقة و مساحات ضيقة و بتأويلات إستحوائية و إقصائية جارحة لشرائح عريضة من الشعب،
فإن النخب ستظل في ضعفها الذي لم تستطع أن تغطيه محاولات يائسة لتدفعها إلى الواجهة حتى توهم بمقدرتها على الاضطلاع بدورها الغائب، و إن شماعات "الشعر العديم الملحمية و "المقاومة المهدورة الدم" ستظل مرفوعة منطفئة الشعلة بفعل رياح الارتكاس الفكري و الثقافي و السياسي التي لا تكف عن العصف لحظة في خواء الواقع.

 

الولي ولد سيدى هيبه

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122