مقامة الأسعار ../ ذ. محمد سدينا ولد الشيخ

2016-11-04 18:49:00

في سنة 1993 نشرت محاولة في صحيفة البيان نسبتها إلى فن المقامة وسميتها (( مقامة الأسعار )) ، أعيد تقديمها إليكم آملا أن تعكس للقارئ الكريم المعاناة المستمر لأغلب أفراد شعبنا المغبون .

.


وهذا نصها :

حدثني متسوق ابن أبي عديم قال : لم أزل أتقصى الأخبار عن سباق الأسعار حتى صادفتني أسواق بني غلاء وكنت قد أعطيتها الولاء . فوجدت الأسعار في سباق مع العفاريت في أفواه الحوانيت ، فاستأثرت عنكم برؤية الديمقراطية وما فيها من رفع القيد عن المنافس وإعطاء الحرية ، واندهشت لجلال المشهد وسمو المقصد وقلت في نفسي أجاري السباق للحفاظ على الوفاق .

وبسرعة البرق وكأن الحوادث طرق مر الركاب فارتطمت بالباب، فرأيت الأرز يسابق الخز ، فالتفت وكأني في سراب وفمي قد ملأته التراب ، فلمعت مواد الإفطار تتوارى عن الأنظار ، ولسرعة الحركة وارتفاع نسبة المشاركة سكنت لي كل حركة ولم تجد رميتي للشبكة وكنت من أهل البراعة في ذلك وما صارعت من العفاريت إلا هالك .
تبختر بين الجموع سوقي في هيئة حقوقي اصطفاه ربه وجعله من الصالحين وقد بدت عليه علامات المزايدين .
قلت : يا نبهان أين دليل الأثمان .
قال : مجنون منذ زمان .
وكنت بمقولتي ماكر وهو مني ساخر فساكر .
قلت : أنا لا أستهتر ولا أخفيك سر إنما بذتني البضاعة فجئت أرجوك الشفاعة .
قال : لا شفاعة لك إلا من جيبك وهو الذي يسرك في غيبك .
فأرسلت في جيبي يدي وأخذت أفكر في أمر عيدي .
قال : أنت عندي محبب ولديك مرتب .
فحسبت رحمته أدركتني وشفقته لامستني .
فقلت : المرتب ؟ ضربته الأسعار بكفها وجعلته موضع ضحكها .
قال : ليست الأسواق مكانا للتوجع وليس فيها مجالس للتسكع .
قلت : أين رحمة الفقراء ؟
قال : في أفواه الشعراء
فخرجت أنشد المحتمل فلم أجد إلا قولة الحمل :
ليس يجدي منطق الح ق ولا يغني الجدل
عيشة الغاب اعتداء وافتراس أو دجل
وجفيت حالنا وهجرت ضمير الأنا وأنشدت :
ونكدح في الشغل ليلا نهارا ليمتص أهل الكراسي شقانا
ونقبض في الشهر أجرا زهيدا وذاك الغلا قد أشل قوانا
فإن رحت تطلب منهم حقا تعد خأونا وتلقى الهوانا
وفي العودة شلت في الحركة ، والأمر أن الدواء يقفز فوق الهواء ليلامس قشرة السماء .
واستبدل الحضور عند ساعة السحور الضروري في الحال بسلع الكمال .
ولحسن ظني استوفت عجوزا صادفتني وقد صاحبت السلطان وتفانت في مرضاة الشيطان فأجادت في مرضاته الحركات وبفضله تحولت إلى فتاة .
قصصت عليها قصتي لعلها تكون من شيعتي .
قالت : مثلك ليس له مني السلام ولا يستحق مني الكلام ، إنما أنا من باعة الأنيق والآن في موقف رشيق وأقراني في ( لاس أبلماس ) وقد أغلقت الباب أمام الناس ، و فئتك تشرب الحساء و العصيدة و لحيتك ستطول كالقصيدة .
فأيقنت ضعف حيلتي وأن الأمر في غير منفعتي ، فتوسلت إلى السبحان ليرفع عني الهوان
وقلت :

إلاهي وقفت ببابك أشكو إليك الأسى وأبث الأنينا

فمالي سواك يضمد جرحي ففي عصرنا قد غدا المكر دينا

ولو أنني رحت للناس أشكو لكان مصيري لعمري السجونا

المحامي / محمد سدينا ولد الشيخ

المدير الناشر
أفلواط محمد عبدالله
عنوان المقر ILOT G 122